ماري لوي " العرض خارج الوطن منح اللبنانيين الشهرة"

منذ نعومة أظفارها، وجدت نفسها محاطة بالألوان والأقمشة والخيوط، وتلهو بها وتشكل منها اشكالا جميلة. وبخبرته كمصمم وصاحب مصنع للأزياء، شجعها والدها، لويس بشارة، للاستمرار في لهوها هذا، بينما أدركت والدتها بفطرتها وإلمامها بعملية صباغة الألوان وطباعتها، أن ابنتها سيكون لها شأن في هذا العالم. فقد كانت الطفلة، ماري لوي، تحرص، عندما تذهب إلى مصنع والدها الصغير الخاص بالملابس الرجالية، على الاحتفاظ ببعض الأصباغ التي كانت تعود بها إلى المنزل لتضعها في طبقها الفخاري، وتبدأ في التلوين.


وشيئاً فشيئاً تطورت مهارات الصغيرة لتبدأ في صنع الفخار الملون بيديها مع إضافة بعض قطع الزجاج الملون المكسور بتلقائية إليه لتخرج لوحات جميلة. وفي مرحلة الصبا، كان لزياراتها المتكررة إلى معارض الفن التشكيلي، أثر واضح على حياتها، كما جعل من السهل عليها أن تعرف الطريق الذي عليها أن تختاره وتسلكه في ما بعد.

وعندما أعلنت لأسرتها رغبتها في دراسة تصميم الأزياء وهي بعد لا تزال طالبة في المرحلة الثانوية، أي لم يكن عمرها يتجاوز الـ 14 عاماً لم يتفاجأ احد بهذا القرار. وقتها لم يكن في مصر معاهد أو مدارس متخصصة في هذا المجال، فأرسلها والدها إلى الدنمارك، حيث تلقت دورة في التصميم. وعندما حان موعد الالتحاق بالجامعة اختارت كلية الفنون الجميلة قسم "جرافيك"، إلا أنها لم تشعر بأن تلك الدراسة ستشبع الحلم الذي بدأ يتحرك بداخلها بقوة، فجاء قرارها ترك الجامعة وهي في السنة الثانية لتسافر إلى باريس للالتحاق بأحد المعاهد المتخصصة في مجال التصميم والأزياء في دراسة استمرت ثلاث سنوات.

في هذا الحين كان والدها قد أعد لها قسما خاصا بإنتاج الملابس النسائية في مصنعه. وبعد عودتها من باريس، بعام واحد وتحديداً في سنة 1989، قدمت أول تشكيلة تحمل اسمها في السوق المصري، في عرض أزياء كبير لفت إليها الأنظار وحقق نجاحاً واضحاً إلى درجة أن مجموعة متاجر "إم إم" الشهيرة، التي لا تعرض سوى المنتجات العالمية فقط، طلبت ضم تصميماتها إلى معارضهم المتعددة في مصر. ولعل هذا النجاح هو ما شجع والدها على تخصيص فرع من معارضه لتصميماتها، الأمر الذي ساعد ماري على إعطاء نفس جديد لعروض الأزياء التي كادت تختفي من مصر في تلك الفترة، فقد كانت تقدمها بشكل موسمي، مرة لمجموعة الربيع والصيف وأخرى لمجموعة الخريف والشتاء.

كل هذا وعمرها لم يكن قد تجاوز العشرين بعد. ومع السنين نضجت الفتاة وتطور الأسلوب، فماري لوي اليوم واحدة من أشهر المصممين في عالم الأزياء في مصر والعالم العربي، وتستعد للانطلاق إلى العالمية بعد أن شاركت في عرض للأزياء في باريس في شهر فبراير الماضي، نظمه اتحاد الملابس الجاهزة الفرنسي. وحقق العرض نجاحاً لفت الأنظار إليها كمصممة أزياء مصرية لها اسلوب متميز يجمع بين الأناقة العصرية ومتطلبات المرأة اينما كانت.
ماري أوضحت أن مشاركتها في ذلك العرض جاء بعد توقيعها لاتفاقية بصفتها عضواً في المجلس الرئاسي المصري الفرنسي الخاص بالجامعة الفرنسية في مصر، والذي سهل لها فرصة الاتصال بالاتحاد الذي رحب بوجود التعاون مع مصممي أزياء مصريين. وأضافت ماري: "قدمت في عرض أزياء باريس مجموعة متنوعة من الأزياء الخاصة بالسهرة وملابس الصباح وفترة ما بعد الظهيرة.

وكان منها 40% من مجموعتي الجديدة التي سوف أطلقها لربيع وصيف 2008 في شهر سبتمبر المقبل في مصر. وقد سيطر البيج والأبيض والأسود على المجموعة في تصميمات خاصة "بالتايور" و"الفستان" والبنطلونات والتنورات أيضاً، فضلا عن مجموعة من الموديلات تميزت بنقوشات تزينها باقات من الورود، بأسلوب جديد سواء حول الصدر أو على الياقة أو أطراف الفستان. وكان أهم ركائز هذه المجموعة هي فساتين السهرة المستوحاة من الفنانين الانطباعيين، التي رسمها والدها الفنان لويس بشارة من الألوان الباستيل، بالإضافة إلى مجموعة مميزة ورائعة من فساتين الزفاف التي تجمع بين بساطة العصر والرومانسية المحفورة في مخيلة كل امرأة.

ولا ترى ماري لوي أي فرق بين المصممين المصريين ونظرائهم من اللبنانيين، وترفض ما يتردد حول تفوقهم في مجال الأزياء وتقول:" فرصة العرض خارج نطاق الوطن هي ما منحت اللبنانيين المزيد من الشهرة في مجال الأزياء وأعطت الانطباع بتفوقهم، ولكن يوجد في مصر أيضاً مبدعون في هذا المجال وخاصة مصمم أزياء أعتقد أنه سيصل إلى العالمية بما يقدمه من تصميمات متقنة الصنع وعالية الابداع في مجال فساتين السهرة وهو "هاني البحيري" الذي أسعى لإشراكه معي في عروض مقبلة.

وأعتقد أن هاني لا يقل في شيء عن "إيلي صعب" المصمم اللبناني الشهير. المهم هي فرصة اطلاع العالم على ما لدينا من أفكار والتي سنبدأ في تنفيذها من خلال عروض سنوية نقيمها في باريس في السنوات المقبلة." عندما تشاهد تصميمات ماري لوي الخاصة بملابس النهار أو السهرة يستوقفك أمران، أولهما تصميمات الورود المتنوعة من حيث الألوان والأحجام، المرسومة على الأقمشة والتي تشعرك وكأنك أمام لوحة من الطبيعة، وهو ما تعلق عليه ماري بقولها:"أشعر أن تلك التصميمات الخاصة بنا تمنحنا الخصوصية، كما أنها تجعل المرأة مثل زهرة وسط حديقة غناء ومتناغمة الألوان".

وثانيهما، التطريز الواضح على تصميمات السهرة سواء القطعة المكونة من بنطلون وجاكيت أو تنورة وجاكيت، بل وحتى الفستان الذي تغلب عليه غرزة "التلى" التي تعتبر نوعاً من التطريز الذي تشتهر به محافظة سيناء ومدينة أسيوط لتزيين ملابس السيدات، ويعتمد فيه الحرفيون على الأشرطة المعدنية الرفيعة جداً، إلى جانب تطريز "الترتر" المتعارف عليه في تطريز ملابس النساء في مصر والعالم. ماري لوي فسرت اهتمامها بهذه النوعية من التطريز بقولها " في السنوات الأخيرة وعندما كنت أفكر في مجموعة من تصميمات ملابس السهرة، فكرت في اختيار خط له علاقة وثيقة بالتراث المصري، ووجدت هذا النوع من التطريز المميز، الذي تقوم به الفلاحات والبدويات دون أن يعلمن حقيقة وقيمة ما يقمن به. وعندما نفذته حاز على الكثير من الإعجاب لبساطة خطوطه ورقتها.

فقررت الاستعانة بنساء من قرية "شندويل" المصرية وهي من أشهر المناطق المتخصصة في تطريز التلي". وتتابع: "استعنت أيضا بالنساء اللواتي لا يتمتعن بدخل كبير في تنفيذ تطريز الترتر. فهذه الأشياء تزيد قيمتها كلما كانت صناعة يدوية، كما تساهم في رفع المستوى المعيشي لتلك النساء. وأعتقد أنني سأواصل استخدام هذه التقنية في التطريز لسنوات مقبلة." وتتنوع تصميمات ماري لوي، التي تمنح المرأة فرصة اختيار ما يناسبها لأوقات اليوم المختلفة، بدءاً من ملابس الصباح البسيطة الخاصة بالنادي أو الجامعة، مثل الجينز الذي أدخلته ماري كأحد القطع المناسبة، والأقمشة القطنية المصرية الصنع التي تصر على استخدامها في كل التصميمات لجمالها وعمليتها.

وتقول إن ملابس المرأة العاملة التي تريد ان تتسم إلى حد ما بالوقار، فهي تقدم لها مجموعة متكاملة من التايورات، إلى جانب ملابس بعد الظهيرة، التي تتشابه إلى حد كبير مع ملابس المرأة العاملة، باستثناء بعض الإضافات، سواء من حيث التطريز البسيط أو من حيث الإكسسوارات التي تمنحها شكلا مختلفاً، أو من حيث ملابس السهرة التي بدأت في احتلال مكانة واسعة في تصميمات ماري. تقول ماري:" أخاطب بتصميماتي كل النساء لا أخص واحدة دون غيرها، فعيني على الجميع. حتى المرأة البدينة نوعاً ما لها عندي ما يناسبها. فلا يوجد مصمم أزياء متخصص في فئة محددة من النساء. ولكن هناك ملابس تناسب امرأة ولا تناسب غيرها. هذه هي القضية بكل بساطة" .

ماري التي عرضت تصميماتها أخيراً في باريس لا تنكر إعجابها بالعديد من مصممي الأزياء العالميين إلا أنها تخص بذلك المصممين "أرماني" و"جون غاليانو". وتبرر ذلك بقولها:"تعجبني تصميمات أرماني الواقعية القريبة من حقيقة المرأة في كل المناسبات. فهو لا يجنح إلى الخيال بتصميمات لا تستطيع المرأة العادية المقاييس ارتداءها، بل يقدم دائما ما يناسب الفئة العظمى منهن. بينما تثير تصميمات غالليانو في نفسي مشاعر الإبداع والأفكار الخلابة بجنوحه إلى الخيال والفانتازيا. وأحيانا كثيرة يجعلني افكر في خطوط لم أكن لأفكر بها".

لكن يبدو أن أحلام ماري لن تتوقف عند حد تصميم الأزياء، فهي تفهم الجانب التجاري بنفس القدر الذي تفهم فيه الجانب الفني، الأمر الذي يفسر عملها حاليا على إطلاق عطر نسائي يحمل اسمها ستطرحه في السوق في الفترة المقبلة. أكدت أن العطر فكرة قديمة ولكن "كل شيء في وقته حلو". وفيما رفضت الإفصاح عن تفاصيل العطر الجديد قالت إنه سيخرج للنور تحت إشراف فرنسي دون أن تحدد مكوناته أو أسلوب تصميم زجاجته التي ستصمم له.

لكن العطر ليس هو المفاجأة التي بادرتني بها ماري، فقد كشفت أنها انتهت من تصميم مجموعة مكونة من 12 فستاناً للسهرة تحمل الطابع واللمسات الفرعونية سترتديها الأميرة الفرنسية "كاترين دي كلونادي ستيجليانو" و11 سيدة من صديقاتها في حفل استقبال يقام في إمارة موناكو يوم التاسع من يونيو المقبل. وقد أكدت ماري لوي أنها بصدد إنشاء خط خاص بملابس السهرة في مصنعها لما لمسته أخيراً من تركيز عالمي على هذه النوعية.