إختيار العروس... رؤية العين أم إحساس القلب؟!

 يظن الإنسان في لحظات أنه امتلك العالم بما فيه ولكن سرعان ما يكتشف ان ليس هذا ما يظنه الناس من حوله، للأسف بات كل شيء في حياتنا يقاس في مظهره لا في جوهره و كل خيارات الناس أصبحت تعتمد وبالمقام الأول على مصلحتهم الشخصية وخياراتهم الشكلية لا على نقاء الانسان و حسن خلقه أو إنجازاته العلمية و العملية، لذا فأغلب علاقاتهم باتت سطحية، مليئة بالمشاكل وقابلة للزوال في أية لحظة.
 
أما أقرب مثال على هذه الإختيارات الدكتاتورية في مجتمعنا، هو الأسس التي تضعها بعض العائلات لإختيار عروس لابنهم المقبل على الزواج، فلو نظرنا من حولنا هذه الايام لوجدنا أن معظم من يقع عليهن خيار الزواج إما صاحبات مال وجاه، أو جمال صاخب و مميز أو ذات طول فارع وغير ذلك من مواصفات شكلية، فالفتيات اللواتي تجد فيهن هذه المواصفات مجتمعة أو على الأقل واحدة منهن هن اللواتي تدخل سجلاتهن في قوائم العرائس، وما عدا ذلك من الفتيات فهن لسن جديرات بهذا المقام!
 
للأسف هذه ليست إتهامات بل هي قصص واقعية من مجتمعنا الشكلي، فعلى سبيل المثال فإن كثيرا من الفتيات يُرفَضن أو لا يُعَرن اهتماما من قبل العريس وأهله بسبب التزامهن، قيُتهَمن أنهن غير مسايرات للموضة أو لايعرفن اصول الاتكيت أو اللباس وبالتالي هن غير مناسبات لمقابلة معارفهم المتحضرين او الشخصيات المهمة، فهؤلاء الناس يعتقدون ان الحجاب او الإحتشام مثلا هو أمر غير حضاري وأنه نوع من التعقيد! خاصة اذا كان العريس من اسرة ثرية ولديهم علاقات اجتماعية مهمة، وبالتالي –على حد ظنهم- فإن هذه الفتاة لن تستطيع ان تواكب هذا الرقي الاجتماعي والانفتاح الذي يعيشون فيه! على رغم اننا لو تمعنا في هذه الحالة لأدركنا ان كلا الامرين لا علاقة لهما ببعضهما؛ فالرقي لا يعني قلة في الدين، والحجاب او الإحتشام لا يعني قلة في الرقي، والعكس صحيح.
 
وهناك ايضا حالة اخرى من الفتيات اللاتي يُظلمن بسبب الإعتقاد الخاطئ عند العريس او اهله، فمن الناس من يعتمدون في إختيارهم على المظاهر الخَلقية لا الخُلُقية، فلا تعجبهم الفتاة التي لا تملك عيون ساحرة او بياضا ثلجيا نقي او شعرا اشقرا أملس او طولا يافعا او قامة رشيقة وغيرها من الشكليات وكأن اهل العريس يضعون شروطا لاختيار عارضة ازياء او نجمة تلفزيونية لابنهم، وينسون حقيقة ان هذه الشروط ماهي إلا شكليات ولا تعتبر أساسا كي تُبنى عليها الاسرة الناجحة وان الانسان في جوهره وليس في جماله وشكله. أما الغريب في الامر ان ام هذا العريس في زمانها قد لم تكن تملك هذه المواصفات الجمالية وعلى الرغم من ذلك فقد وقع عليها الإختيار و استطاعت ان تُكوِن هذه الاسرة! أفيعني هذا أن قوانين الحياة قد تغيرت في عصرنا وأن الجمال الخارجي أصبح لازما للزواج او ان معاني الحب والحنان لا تكتمل إلا بالجمال!
 
اما الرأي الأكثر قسوة الذي يؤخذ بحق الفتاة المقبلة على الزواج، هو المستوى العلمي، ولا اقصد التدني في المستوى العلمي، بل و للاسف ما اعنيه هو حصول الفتاة على شهادات علمية ودراسية عليا، فالبعض يرى ان مثل هذه الفتاة لا تصلح لتكوين اسرة، فهي –كما يظنون- انها دائمة الانشغال في مشاريعها العلمية والعملية وبالتالي فكل تفكيرها منصب في هذا المجال ولن يكون لها اي دور اجتماعي و معنوي في الاسرة، فهي مملة لاتعرف المرح و أسلوبها مقتصر على الجد في كل الامور، هذا ما يظنه طبعا اولئك الناس، وهذا بالتأكيد تفكير خاطئ، لان روح الانسان وطريقة تعامله انما تعتمد على الانسان نفسه سواء كان متعلما او غير ذلك وليس لشهاداته العلمية أي علاقة بشخصيته الحقيقية، بل ويفترض ان الزيادة في العلم توسع مدارك الانسان فيصبح قادرا على التحكم في الامور بحنكة و عقلانية، اما ما يجعلني استعجب ان كثيرا من هؤلاء الشباب هم انفسهم من حملة الشهادات العلمية ومع ذلك يرفضون الزواج بمثل هذه الفتيات!
 
ولعله يجدر بي ايضا الى ان انوه ان الشباب هم ايضا يتعرضون لهاذا النوع من الرفض من قبل الفتيات لنفس الاسباب، فبعض الفتيات يظنن ان هذا الشاب المتعلم والحاصل على شهادات في الدراسات العليا حياته انما مقتصرة على العلم و العمل ولا علاقة له بالحياة الرومانسية و الاجتماعية!
 
وهناك ايضا من الشباب من يرفضون الزواج مِن فتاة لأسباب تكافؤية، فعلى سبيل المثال ان تكون هذه الفتاة قد وصلت الى مستوي علمي أعلى من المستوى الذي وصل اليه الشاب، او ان تكون الفتاة اكثر ثراءا منه، وبالتالي فإن هذا الشاب وان رأى ان هذه الفتاة تتحلى بكل المواصفات للعروس التى يتمناها فهو لا يتجرأ أبداً على طلب يدها خشية الرفض من قِبلها او قِبل اهلها، وبالفعل فإن كثيرا من الفتيات يرفضن هؤلاء الشباب، ولكن ايضا هناك من لا يعترين اهتماما لهذه الامور لإيمانهن ان هذه الاسباب ماهي إلا فوارق قابلة للتبدل إن كان هذا الشاب طموحا ذو إرادة وعزيمة، وبالتالي فإن قبول مثل هذا الزواج ليس بعيب، وعلى الشاب ألا يتردد في طلبه طالما انه على ثقة في نفسه وخلقه.
 
وبالتالي فعلينا ان ندرك جميعا انه من الخطأ ان نعتبر تلك الأسباب المادية او الشكلية السبب الذي نعتمد عليه في المقام الاول في الاختيار ثم القبول او الرفض.
 
فيأيها الشباب و الفتيات إستفتوا قلوبكم و عقولكم معا في إختياركم لشريك حياتكم ولا تبالغوا ولا تترددوا، و تذكروا دائما ان الإنسان بجوهره لا بشكله أو ثروته.