تلوث الهواء .. ما علاقته بمرض الزهايمر؟

يؤدي إلى تلف الخلايا العصبية ويعجل بظهور المرض مبكرًا لدى حاملي جيناته
يؤدي إلى تلف الخلايا العصبية ويعجل بظهور المرض مبكرًا لدى حاملي جيناته

أصبح تلوث الهواء مشكلة كونية كبيرة تهدد معظم دول العالم، خصوصا الدول الصناعية الكبرى نظرا للتأثير البالغ الخطورة للأبخرة والغازات المتصاعدة من المصانع المختلفة، فضلا عن الرصاص المنبعث في الجو من عوادم العربات ووسائل النقل المختلفة وكثير من ملوثات الجو. ولا تتوقف الدراسات عن خطورة تلوث الهواء وآثاره السلبية على صحة الإنسان. 
 
وفي أحدث هذه الدراسات توصل الباحثون إلى أن تلوث الهواء قد يكون وثيق الصلة بأحد الجينات المسؤولة عن الإصابة بمرض الزهايمر، الذي يزيد من احتمالية الإصابة العائلية بمعنى أنه ينتقل من الآباء إلى الأبناء في السن الأصغر.
 
خطورة التلوث
وكانت الدراسة التي نشرت في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) من العام الجاري في مجلة «مرض الزهايمر Journal of Alzheimer›s Disease»، قد أجريت على الأطفال وآبائهم في مدينة المكسيك بمشاركة علماء من جامعات أميركية ومكسيكية. وقد ربطت بين تلوث الهواء والإصابة المبكرة بمرض الزهايمر. 
 
ومن المعروف أن مدينة مكسيكو سيتي عاصمة المكسيك تعد واحدة من أكثر العواصم تعرضا لتلوث الهواء، تبعا لمعايير الصحة المطبقة في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الآباء والأبناء ظلوا في حالة تعرض دائم لملوثات الهواء خاصة مادة معينة ضارة، وهي الجسيمات أو الدقائق الصغيرة جدا التي لا يتجاوز قطرها 2.5 ميكرون (الميكرون هو جزء واحد من المليون) ويرمز إليه (PM 2.5). 
 
وركزت الدراسة على الأطفال والكبار على حد سواء. وهذه المادة لديها القدرة على اختراق رئة الإنسان، وكلما قل حجمها زادت خطورتها نظرا لزيادة قدرتها على اختراق الرئة، ولا يوجد معامل أمان لها، بمعنى أن التعرض لها يمثل نسبة خطورة. وقد ركزت الدراسة على الأطفال والكبار على حد سواء.
 
وقام الباحثون بإجراء فحوصات على 57 طفلا تتراوح أعمارهم بين 9 أعوام و16 عاما، وأيضا 48 من الآباء تتراوح أعمارهم بين 32 و43 عاما. 
 
وكان كل فريق سواء الآباء أو الأبناء يتشارك في نوعية الجينات نفسها، سواء تلك التي لا تحمل خطورة الإصابة بمرض الزهايمر أو التي تحمل خطورة الإصابة، وفي الغالب تكون مصحوبة بارتفاع في نسبة الكولسترول في الدم أو الدهون الأخرى أو الإصابة بمرض تصلب الشرايين أو أمراض الشرايين التاجية.
 
وركز الباحثون على جزء معين في المخ وهو «قرن آمون» hippocampus المسؤول عن الوظائف الإدراكية المعقدة والذاكرة، وبتوظيف وسيلة خاصة قام العلماء بقياس نسبة بروتينات معينة في هذه المنطقة لكل طفل وأب يتشاركان في نوعية الجينات نفسها. 
 
وكانت النتيجة أن نسبة هذه البروتينات أقل في أطفال المكسيك عن النسب العالمية وعن بقية الأطفال. وفي الآباء كانت النتيجة أكثر سوءا من الأبناء بطبيعة الحال (نتيجة لزيادة تعرضهم بسبب عامل السن فضلا عن احتمالية وجود عوامل خطورة أخرى).
 
تلف الخلايا العصبية
وأثارت هذه النتائج قلق الباحثين من تراجع القدرات الإدراكية للأطفال صغار السن (بالطبع لا يكون التراجع حادا بالشكل الملحوظ في هذه المرحلة، ولكن تبعا لقياسات علمية معينة فإنه يشكل عامل خطورة كبيرا) خاصة وأن هذا التراجع الإدراكي كان موجودا في مرضى الزهايمر، وأيضا في النموذج الحيواني من الزهايمر (فئران التجارب المصابة بالمرض). 
 
وقد أظهر أطفال المكسيك والمراهقون أيضا بعض التغيرات في الموصلات العصبية في المخ وبدايات تلف للخلايا العصبية والأغشية المحيطة بوحدة التوصيل العصبية، وقد يكون ناتجا عن تراكم كميات كبيرة من المعادن جراء تلوث الهواء. 
 
وعلى الرغم من أن هؤلاء الأطفال والمراهقين تبدو عليهم علامات الصحة فإنهم سجلوا درجات أقل في اختبارات الذكاء سواء التحريرية أو الشفوية من أقرانهم في المدن الأخرى التي لا يوجد بها هذا الكم من التلوث، وأيضا أظهروا خللا في التمثيل الغذائي، فضلا عن تراجع في الانتباه والذاكرة قريبة المدى.
 
وأشارت الدراسة إلى التراجع الأكاديمي والإدراكي لأطفال ومراهقي والمكسيك أو المدن التي تشبهها (مدن مزدحمة وتعاني من تلوث الهواء والفقر، وتراجع المستوى المعيشي وانتشار أخلاق الزحام مثل العنف والجريمة). 
 
وبجانب ملوثات الهواء لا يمكن إغفال العوامل الأخرى السابق ذكرها، وما تمثله من أثر نفسي وضغوط عصبية تؤدي إلى التراجع الدراسي والتأثير السلبي على الخلايا العصبية، خاصة في المخ في مرحلة التكوين في الطفولة والمراهقة.
 
جينات الزهايمر
أوضح الباحثون أن الأطفال حاملو الجين في نسبة خطورة زائدة نتيجة تعرضهم للهواء الملوث للإصابة المبكرة بمرض الزهايمر. 
 
وقالوا إن «هذه الدراسة لا علاقة لها بالعرق، بمعنى أن ما ينطبق على مدينة مكسيكو سيتي ينطبق على كثير من الدول حول العالم، التي تعاني من المشكلات نفسها من تلوث الهواء وسوء التغذية، وانخفاض المستوى المعيشي وضغوط المدينة، وهو الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تلف أجزاء من الخلايا العصبية مما يؤدي إلى فقدان وظيفتها، وبالتالي تحدث الإصابة مبكرا عن المعدل الطبيعي».
 
وبطبيعة الحال لا يقتصر خطر التلوث على الدول الفقيرة فقط، ويكفي أن نعرف أن في دولة مثل الولايات المتحدة يعاني نحو مائتي مليون شخص من خطر تلوث الهواء، وأن استمرار التعرض لملوثات الهواء من شأنه أن يزيد الإصابة بمرض الزهايمر في سن مبكرة.
 
وتدق هذه الدراسة ناقوس الخطر منبهة إلى ضرورة العمل على الحد من تلوث الهواء والالتزام بالمعايير العلمية الدولية لتحديد كمية التعرض للغازات الضارة، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية المواطنين، خصوصا الأطفال والحفاظ على قدراتهم الإدراكية والذهنية. 
 
وأشار الباحثون إلى أهمية عامل الوقت، بمعنى أن هؤلاء الأطفال سوف يصابون في غضون 50 عاما بمرض الزهايمر، وهم في نهاية الخمسينات أو بداية الستينات من العمر، أي بزمن أقل من التوقيت الذي يحدث الآن لكبار السن بنحو 15 عاما، وأنه يجب إجراء مزيد من الدراسات على الأطفال لحمايتهم من مرض الزهايمر، إذ إن معظم الدراسات كانت على البالغين أو كبار السن.