المولعون بالعطور على الإنترنت قوة لا يستهين بها صانعوها

لو لم تختلف الأذواق لبارت السلع، وهذا ينطبق تماما على العطور. لوقا تورين، الأنف الذي استنشق على مدار السنين المئات من أنواع العطور للحكم عليها، أدرك أن رد الفعل تجاه عطر معين قد يرتبط بأمور غريزية، وفي أثناء عملية تقييمه لها، لا يحاول إخفاء تفضيله لعطر معين.


ويصف تورين عطر «أترابي كور»، وهو عطر كهرماني بنفسجي من «جورلين»، بأنه عطر «فوّاح تنفجر منه نغمات صاخبة وكأنها تصدر عن آلة موسيقية تكسو هذه النغمات بألوان بنفسجية وردية وألوان متعددة الأطياف»، فيما يرسم صورة قاتمة لعطر «لاف إن وايت» الذي تنتجه شركة «كريد»، قائلاً:«إذا كنت ستستخدم هذا العطر كشامبو للجسم بعد شهرين من النوم غير المريح، فسوف تختار أن تبقى بلا استحمام».

وكان رد فعل قراء كتاب تورين الجديد «العطور: الدليل»، الذي ألفه بالاشتراك مع زوجته، تانيا سانشيز، مزيجا من الإعجاب والاحترام، فتورين يعتبر صوتاً مسموعا بين النقاد الذين يدلون بآرائهم من خلال الكتب أو المجلات، وبشكل متزايد على شبكة الإنترنت.

وعلى مدى السنوات الست السابقة، أصبحت ثرثرة النقاد، التي تعكس آراءهم حول العطور المختلفة، بمثابة مؤشر مهم للمستهلكين، الذين يظل بعضهم مستيقظاً حتى الساعات الأولى من الصباح ليقرأ عن العطور الجديدة على مواقع، مثل makeupalley.com، الذي وصفه تورين بأنه «حفل آراء يستمر طوال اليوم»، مع أن هذه الثرثرة تمثل مصدر تهديد لصناعة العطور.

وفي مقابلة معه، عبر تورين عن رأيه بصراحة جعلت منه شوكة في جسد صناعة العطور، قائلاً:«العطور هي الفن الوحيد الذي لا يقال فيه كلمة حقيقية».

وفي كتابه، ذكر تورين ما حدث قبل عام من تأليفه الكتاب، حيث رفض لو لابو، وهو صانع عطور صغير في مدينة نيويورك، إرسال عينات إليه، ليقوم تورين بالكتابة عنها.

ويرى تورين أن السبب في رفض لو لابو إرسال العينات إليه هو أن صانعي العطور يسخرون من الكتابة عنها قائلين:«إن الكتابة عن العطور تعتبر أمرا لا جدوى منه». وفي الوقت الحاضر، جعل النقاد على مواقع الإنترنت والمدونات، مثل aromascope.com scentzilla.com،http://boisdejasmin.com/ وboisdejasmin.com من هذا الخلاف موضع نقاش.

وعلى نحو متزايد، فإن نقاداً من أمثال روبين كرج من مدونة Now Smell This، والتي قالت إن حوالي 10000 شخص يزورون موقعها يومياً، وتشاندلر بير، الذي يقوم بإعطاء رأيه عن العطور لـ«تي: النيويورك تايمز ستايل ماجازين»، يسعون إلى إقامة علاقات مع عدد من مؤيديهم، عن طريق التحدث مباشرة إلى المستهلكين، الذين يطمح الكثير منهم إلى أن يصبحوا خبراء في هذا المجال.

وغالباً ما يقوم هؤلاء المستهلكون بجمع ما يقرب من 200 من الزجاجات والقارورات التي يقومون بتكديسها في بيوتهم. بل وتعلّم الكثير منهم التمييز بين العائلات المختلفة للعطور، من أمثال فوجير، وجورمان، بل والكيفية الصحيحة لنطق «شيبر» بمد الياء، وهو تصنيف يعتمد على ما يتميز به كل عطر من سمات مختلفة.

وبوصفهم نقادا، فإن هؤلاء المستهلكين يتميزون بلذاعة النقد، فيعبّرون عن سعادتهم من بعض العطور، أو عن ازدرائهم لعطور أخرى.

وتستقطب بعض العطور، مثل «بويزون» الذي تنتجه «ديور»، الكثير من المُدونين الذين يختلفون حولها. ومعظم هؤلاء سيدات بيوت أو محترفون في مجالات أخرى.

وقام أحد المتحمسين للموضوع بمدونة Now Smell This بوصف عطر «بويزون» بقوله:«إنه بطانية دافئة وفارهة ومخملية وضعت على أريكة من الساتان». وعلى نفس الموقع، هاجم أحدهم العطر قائلاً:«إنه مسمار سكة حديد يخترق الدماغ».

وأثنى أحدهم على عطر «بلاك أوركيد»، الذي ينتجه توم فورد، قائلاً:«كعكة تذوب على بشرة ساخنة». إلا أن أحد المنتقدين قال «إنه عطر عتيق قاسٍ في بيت زجاجي لنبات أوركيد آكل الحشرات».

وعندما يرغب المُدونون في تقديم نقد لاذع، فإنهم يقومون بتصنيف العطر بأنه «منقٍ للهواء»، ويتميز برائحة لا تستطيع التخلص منها بسرعة كافية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد تكون هذه الحماسة معدية، فالمولعون بالعطور على الإنترنت أصبحوا قوة يجب التعامل معها داخل صناعة العطور، التي تحقق مبيعات تقدر بنحو 2.9 مليار دولار، انخفضت قليلاً منذ عام 2007.

وقد ساعد اهتمامهم بأنواع العطور التي لا يعلن عنها في الغالب وتحقق رواجاً محدوداً، على وصول مبيعاتها في سوق العطور إلى 253 مليون دولار، محققة زيادة قدرها 19%، حسبما قالت كارين جرانت، وهي خبيرة تجميل في شركة أبحاث السوق «إن بي دي». وحسبما قالت جرانت، فقد تضاعف حجم هذه المنتجات المتخصصة منذ عام 2005، الأمر الذي يفسر نسبة المبيعات التي حققت 9 في المائة.

ولاغرو أن تعليقات هؤلاء النقاد غير الخاضعة للرقابة قد أصبحت بمثابة لعنة لأمثال «إتسي لودير» و«كوتس» في كل أنحاء العالم، وهما من عمالقة صناعة العطور الذين اعتمدوا تقريباً وبشكل حصري على الإعلانات وتعليقات المديح في المجلات من أجل نشر رسالتهم ورفع المبيعات.

وحول ذلك، قال روشيل أر بلوم، رئيس «فرايغرنس فاوندايشن»:«بالقطع فقد العاملون في مجال صناعة العطور ثقتهم بأنفسهم ورباطة جأشهم. وغالباً ما أتلقى مكالمات من موظفين إداريين وهم يناشدونني قائلين: ألا تستطيع أن تفعل شيئاً حيال هذه الثرثرة»؟.

ومع ذلك، لا تلبي أساليب التسويق التقليدية رغبات المستهلكين في معرفة العدد الفلكي لأنواع العطور الجديدة التي يتم طرحها في الأسواق كل عام. وقد ارتفع هذا الرقم من 300 نوع جديد سنوياً منذ 10 سنوات إلى أكثر من 1000 في العام الماضي، وذلك طبقاً لـ«إن بي دي». وأوضح ألان موتوس، محرر مجلة «إنفورمايشنست»، وهي مجلة متخصصة في صناعة التجميل والعطور، قائلاً:«لقد فقد معظم صانعي العطور السيطرة على عملية التسويق، الأمر الذي يمثل ضغطاً شديداً عليهم».

وأضاف موتوس أن أصحاب الأنواع التي يقبل عليها العامة والأنواع الغالية، وكذا منتجي العطور ومورديها، من أمثال جيفادين وسيمرايز، «يتنبهون إلى حقيقة أنهم لا يستطيعون تملك العملاء».

ومن المحتمل ألا يترك الإعلان غير المتحفظ لعطر الرجال الجديد من «توم فورد»، تأثيراً على ريتشارد ساجا، وهو فنان يعمل في التطريز «لا أعبأ بالإعلان الذي يروج للعطر أو الزجاجة التي يباع فيها.

فبالنسبة لي، العطر تجربة تتعلق بحاسة الشم». وأضاف أن هذه التجربة تُعمق من خلال تصفح مواقع الإنترنت، مثل sniffapalooza.com، وهو صاحب مؤسسة تتيح للأشخاص تجربة عينات مختلفة من العطور في نهاية الأسبوع، ويعمل لحسابه العديد من تجار التجزئة في نيويورك.

وأردف ساجا:«منذ ثلاث سنوات، كان هذا بمثابة عالم غير مُستكشَف بالنسبة لي. أما الآن، فقد سهّلت على شبكة الإنترنت فهم الكثير في عالم العطور». وكان ساجا أحد 200 مستهلك ممن عج بهم محل «بيرغدورف غودمان» للعطور في هذا اليوم.

وقد جاء متسوقون من لندن وبرلين وبيسكاتاواي بنيو جيرسي، ليدسوا أنوفهم في زجاجات ويشموا أنواع العطور المختلفة، مع العلم أن بعضهم دفع حوالي 200 دولار من أجل قنينة من «سيكومور»، وهو عطر جديد من «شانيل».

من هؤلاء المتحمسين، كريستين جيلي، وهي المديرة التنفيذية لإحدى الشركات الصناعية، التي تركت المدونات تأثيرها في نفسها، مما جعلها مصممة على اكتشاف عطور جديدة من البنفسج طرحتها «سيرج لوتينز» و«أنيك غوتال».

وحول ذلك، قالت كريستين:«عندما تزداد حماستي نحو عطر ما، أرغب في معرفة ما يراه الآخرون في هذا العطر». وأحيانا ما يقرأ كيفين ساندرز، وهو معالج بالفن كان يدور حول منضدة عرض «لوتينز» و«جو مالون»، التعليقات المنشورة على موقعي basenotes.net وNow Smell This.

ويحمل ساندرز على جهاز الـ«آي بود» الخاص به قائمة من أنواع العطور التي قرأ عنها، من أجل تجربة وشراء بعضها. وحول ذلك، علق ساندرز:«على الأقل، تحثني هذه المدونات على التجربة». وهناك دلائل توحي باستجابة صناعة العطور لساندرز وجماعته على الإنترنت.

 وقد أفادت ماريان ديوريو، وهي متحدثة باسم «إستي لودير»، بأنه:«في البداية، شعرنا بالتوتر حيال المدونات. وكما هي الحال مع أي وسيلة إعلامية جديدة، كانت هناك مشاعر مختلطة. أما الآن، فلا يمكننا التفكير في طرح عطر دون الاتصال بالمُدونين».

وأضافت ماريان أن الشركة تقيم حواراً مع النقاد، كما تعلن عن بعض عطورها على مواقع الكترونية، مثل Now Smell This. وفي الأشهر الأخيرة، عملت الشركة على تشجيع القراء على مشاركة المعلومات، وتقييم العطور التي تنتجها وكذا عطور الشركات الأخرى، كما قام المعلّقون على موقع coty.com بحثّ الشركة التي تنتج عطوراً تحمل اسم ديفيد بيكهام وجينيفر لوبيز وغير ذلك، على التفكير في إعادة إصدار أكثر العطور التي حققت نجاحاً، مثل «إميرود» و«لوريجان» حسبما قال ستيفان سي مورموريس، وهو نائب رئيس في مجال التسويق العالمي.

وترى تانيا سانشيز أن مثل تلك التطورات لا تظهر مبكراً بوقت كافٍ. وفي كتاب «العطور: الدليل»، الذي ألفته مع زوجها انتقدت تانيا «عدم اكتشاف صناعة العطور للفوائد أو طرق السيطرة الهادئة حتى الآن».

كما تحدثت تانيا عن إحدى المدونات المشهورات التي قامت شركة عطور بتهديدها برفع قضية ضدها لأنها رأت أن منتجات الشركة «لا بأس بها» فحسب و«مخيبة للآمال قليلاً».

وحول ذلك، كتبت سانشيز قائلة:«عندما تهدد شركة منتجة لبضائع الرفاهية أمّاً من سكان الضواحي لأنه لم يرق لها عطر الشركة الجديد، ندرك أن العالم يتغير».

الصورة الثانية
المولعون بالعطور على الإنترنت أصبحوا قوة داخل صناعة العطور وتعليقات هؤلاء النقاد أصبحت بمثابة لعنة على صناع العطور