نعيمة الشهيل .. مصممة تستغل تراث الأجداد لمخاطبة الأحفاد

جغرافيا السعودية ومساحتها الشاسعة ومناطقها المتباعدة، بألوانها وثرائها الثقافي، كانت دائما ملهما للمصممة نعيمة الشهيل.


فكون كل منطقة تتمتع بسمات تميزها عن الأخرى ثقافياً واجتماعياً، منحها مجالاً كبيراً للغرف منها وتطويرها بلغة عصرية جذابة.

تقول نعيمة إن تنوع الأزياء التراثية النسائية في السعودية حدا بالمرأة إلى المحافظة على هوية هذا التراث، خصوصا أنه منجم غني بالنسبة للمصممات السعوديات غرفن منه من دون هوادة وعملن على تطويره، سواء كان عبر الملابس التراثية المختلفة، مثل الجلابية والدقلة النسائية والعباءة التي أصبح لها مناسباتها الخاصة، أو عبر استغلال تعلق الشباب بالملابس التراثية لطرح جاكيتات تناسب أذواقهم.

ومما لا شك فيه أن تصميمات الأزياء التراثية تحتاج إلى حسّ اجتماعي وإلى نظرة ثاقبة لها القدرة على استشفاف طبيعة المجتمع وقراءة تطوراته.

والمصمم الناجح، حسب رأي نعيمة، هو الذي يستطيع أن يدمج الماضي بالحاضر ويخرج بتصميم يخاطب الوقت والزمن «لهذا لا أستطيع أن أطلق على تصميماتي مسمى معيناً، فمن ينظر إليها لا يميز إذ كانت جلابية أو بشتاً أو جاكيتاً فهي تحمل روح التراث القديم بشكل حديث».

والمتطلع إلى أعمال هذه المصممة لا بد أن يلاحظ أن روح بيئة وأرض القصيم بالذات، تغلب عليها حتى تكاد تشتمها من بين خيوطها وألوانها، الأمر الذي تفسره بقولها إن «منطقة القصيم تمتلك بيئة غنية ورائعة، نظرا لاستقرارها ولكونها منطقة تجارة منذ القدم، مما ساعد على ترسيخ نوع من الفن فيها، جعل المرأة تقدم عملاً حرفياً ميزها عن كافة المناطق في السعودية».

أما الفضل في فكرة تطوير الأزياء التراثية الخاصة بالبيئة السعودية، وإعادة تطويرها لتناسب التصميمات الحديثة، فيعود، كما تقول، إلى تجربتها مع الأميرة نوره بنت محمد من خلال برنامج تطوير حرفيات نساء القصيم، «حين شاركت مع مصممات أخريات لتطوير العمل الحرفي وقد طرحنا عليهن فكرة تطويره إلى منتج عصري، ولاقت الفكرة قبولاً لديهن حتى قبل أن يرينها أو يكون لديهن علم بأبعاد الفكرة وكيف ستكون النتيجة.

وعندما خرج إنتاجنا بصورته النهائية راق لهن لما يحمله من شكل ولون وذوق ولغة تتناسب مع المجتمع السعودي وتنافس إنتاج الغرب في الوقت ذاته».

وطوال تجربتها هذه، حرصت نعيمة أن يبقى المنتج على أصله، فكل ما قامت به، حسبما تؤكد، أنها وفرت لهؤلاء الحرفيات، الخامات الجيدة «وطلبت منهن أن لا يصنعن قطعا من أجلي أو من أجل المعرض، بل أن ينسجن ما يرينه ملائماً حسب ذوقهن ورؤيتهن، بالإضافة إلى اللعب على المساحة والألوان المفضلة لديهن.

دوري أتى بعد ذلك، بأن استخدمت مُخيلتي في اختيار نوعية القماش الذي سأضيفه عليها، إن كان قطناً أو من الحرير.

ما لم أكن أتوقعه هو خروجي بعدد (40) قطعة تمثل إنتاج حرفيات القصيم، أصبحت ولا تزال أهم وأجمل منتج طرحته في عملية التزاوج بين القديم والحديث، مع العلم أني لم أكن أتعامل مع هذا المشروع كمصممة فقط، بل كاستثمار فكر وروح كل ما هو تراثي جميل».

ولأن الألوان جزء لا يتجزأ من الأزياء التراثية، فإن المصممة لم تستغن عنها، بل العكس تماما «الزي التراثي القديم يحوي جميع الألوان، وكما هو معروف أن الألوان القديمة قوية وصارخة نوعاً ما، لكن لأن التراث، بالنسبة لي، هو الحاضر، ولأن جميع الألوان موجودة ومستخدمة، فإن ما كان عليّ هو الاعتماد على الخيال والحس لمزجها بشكل خاص حتى تخرج بروح المصمم».

ولا تكتفي المصممة بالمزج بين الألوان المتناقضة لتخرجها بشكل متناغم، بل تعتمد عملية المزج أيضا بين الأقمشة والخامات المختلفة.

فقد صممت 12 قطعة، جمعت فيها أكثر من نمط، فأتت ما بين الفرو والبشت والعباءة بطباعة ونسج حرفيات متمرسات، وإن كان مفهوم المزج في الخامات يقتصر على فصل الشتاء فقط، وبعدد محدود مما يجعلها قطعا خاصة لنساء محددات يردن التميز والتفرد.

لكن نعيمة الشهيل، ورغم خصوصيتها وما تلاقيه إبداعاتها من إقبال، لا تزال مثل غيرها من المصممين السعوديين، تعاني من عدم وجود عروض أزياء على غرار ما يقام في الغرب للتعريف بالمصمم وتسريع انتشاره، لهذا يبقى الاعتماد على المعارض التي تنظمها الجمعيات الخيرية.

وهي معارض لا يمكن الاستهانة بها، لأنها تعرف بالمصمم وفي الوقت ذاته تجعله يقوم بعمل إنساني. فالمرأة السعودية خطت في المجال الاجتماعي الخيري خطوات جيدة، الأمر الذي يحذو بنعيمة للقول بأنها لا تستبعد ان «تتحول هذه الجمعيات إلى مؤسسات جيدة لاستثمار المواد الأولية، بتقديمها منتجات اقتصادية تجعل منها شركة مثمرة يعم خيرها على أكبر عدد من الفئات.

وبالنسبة لي فقد ساهمت في بداياتي بالعرض الخيري لصالح جمعية سند لدعم أطفال مرض السرطان، وكان لها فضل كبير في بروزي للمجتمع وتوسعة علاقاتي بشكل لم أكن أتوقعه».

وحول ارتفاع أسعار العباءات الخليجية والجلابيات بشكل مبالغ فيه، علقت نعيمة الشهيل «عندما تكون القطع بجودة عالية، سواء من حيث نوعية الأقمشة والخيوط المستخدمة أو من حيث نوعية العمالة والتصنيع، فحتماً ينعكس ذلك على السعر.

لكني حرصت منذ البداية ألا تكون أسعار القطع لدي مرتفعة، بل متوسطة حتى تحقق لي النجاح المادي وتتقبلها المرأة.

فلا تنسي أني أصنّع هذه الأزياء في لبنان، وبالتالي فإن أجور التشغيل وتكلفة الخياطين مرتفعة، كذلك لا نغفل عمليات اللمسات النهائية والتغليف والنقل، فضلا عن عملية تصنيع القطع بعدد محدود، فهذا يكلف أكثر مما لو كنا سننتج 100 قطعة متشابهة، كما هو حاصل في المصانع الصينية.

لكن لحسن الحظ ان هناك تنوعاً في البضائع والأسعار، فبينما أعتبر أن أسعاري متوسطة، هناك من يطرح عباءات عادية لكن بمبلغ (25) ألف ريال وأكثر، لكن أولاً وأخيراً يعود الأمر إلى المرأة وإمكاناتها ومدى رغبتها في الحصول على المميز».