طريقة جديدة لمعالجة العنف عند المراهقين

الرجال معرضون أيضًا لأخطار الإصابة بحصي المرارة
الرجال معرضون أيضًا لأخطار الإصابة بحصي المرارة

أصبح العنف من أهم الأسباب المؤدية للوفاة للمراهقين في الدول المتقدمة، خصوصًا الولايات المتحدة الأميركية، ويكفي أن نعرف أن نسبة ضحايا العنف من المراهقين في الولايات المتحدة تبلغ 14 ضعف مثيلتها في الدول ذات الدخل العالي وسنويًا هناك نحو 600 ألف مراهق أميركي يتلقون رعاية طبية جراء العنف، وهو الأمر الذي يكلف المجتمع مليارات الدولارات فضلا عن المخاطر الاجتماعية لتفشي ظاهرة العنف.


وبطبيعة الحال، فإن الأمر لا يقتصر على الولايات المتحدة، إذ تعاني معظم دول العالم تقريبًا من انتشار السلوك العنيف بين المراهقين بنسب متفاوتة تبعًا لتركيبة كل مجتمع. ولذلك اهتم الأطباء النفسيون وعلماء الاجتماع بهذه الظاهرة. وهناك كثير من الدراسات التي تتناول تلك الظاهرة.

توعية المراهقين
أحدث دراسة تناولت طرق الحد من هذه الظاهرة قام بها باحثون من جامعة ميشيغان University of Michigan بالولايات المتحدة، أشارت إلى أن زيارة المراهقين لقسم الطوارئ Emergency departments بالمستشفى، ومشاهدتهم لضحايا حوادث العنف والاستماع لشرح حول مخاطر العنف وكيفية التغلب عليه لمدة 30 دقيقة فقط كافية لتقليل معدلات العنف لدى هؤلاء المراهقين لمدة شهرين بعد هذه الزيارة، خصوصًا أن معظم المراهقين الذين ينغمسون في سلوك عنيف في الأغلب يترددون على قسم الطوارئ، سواء أكانوا مصابين أو مرافقين لأصدقائهم.

وكانت فكرة الدراسة تهدف إلى أن هذه الزيارة يمكن أن تغير مسار حياة المراهق بشكل كامل وتبعده عن العنف بقية حياته من خلال توعية هؤلاء المراهقين بمدى خطورة اللجوء إلى العنف والآثار المترتبة عليه، التي يمكن أن تصل إلى حد الوفاة أو فقدان الأطراف أو تعطل وظيفتها بشكل كامل ونهائي.

وكانت الدراسة قد اختارت 409 من المراهقين تتراوح أعمارهم بين 14 و20 عامًا من الفئات الأكثر خطورة لممارسة العنف، بمعنى من الذين يتناولون الكحوليات أو المخدرات بانتظام وأيضًا الذين يملكون أسلحة نارية، وكذلك الذين لا يذهبون إلى المدرسة بانتظام. وتم اختيارهم من منطقتين سكنيتين بمقاطعة فلينت بولاية ميشيغان الأميركية.

وتعتبر هذه المناطق من الأحياء الفقيرة، وتم اختيارهم من الذكور والإناث في الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) 2011 وحتى مارس (آذار) من عام 2015 من خلال سجلات مركز الطوارئ الخاص بمستشفى المقاطعة.

وكانت نسبة الإناث نحو 60 في المائة من المشاركين، ونسبة المراهقين من أصل أفريقي بلغت نحو 90 في المائة، ومن بين هؤلاء المراهقين كانت هناك نسبة بلغت 10 في المائة قد استخدموا الأسلحة النارية قبل ميعاد الدراسة بفترة وجيزة. وأيضًا سُجّلت نسبة بلغت 40 في المائة قد تناولوا الماريغوانا.

وتم استبعاد المراهقين الذين كانت لديهم أسباب طبية قد تكون مسؤولة عن العنف مثل الخلل العقلي أو الاضطرابات النفسية الشديدة أو ضحايا العنف الجنس. وتلقى المشاركون من المقاطعة الأولى ما يشبه الكتيب الذي يحث على عدم العنف ويشرح مخاطره وأيضًا شاركوا في زيارة لقسم الطوارئ بالمستشفى، وتلقوا شرحًا لمدة 30 دقيقة، بينما تلقى المشاركون من المنطقة السكنية الثانية الكتيب فقط دون الزيارة.

وقد استفادت الدراسة من سجلات دراسة سابقة حول مستويات التعليم مقارنة بالعنف، وتم سؤال المراهقين إذا كانوا يذهبون إلى المدرسة من عدمه، وإلى أي مرحلة دراسية وصلوا من التعليم، وكذلك مستوى الدرجات والإنجاز الدراسي في الفترة التي انتظموا فيها في الدراسة.

نتائج مشجعة
وبعد مرور شهرين فقط انخفض معدل العنف في تصرفات وسلوك المجموعة الأولى التي ذهبت لزيارة المستشفى بمقدار 10 في المائة، وأيضًا سجلوا 8 في المائة أكثر في الطاقة الإيجابية للبعد عن العنف وتفادى المشكلات.

وقد ركزت جلسات الشرح في المستشفى على تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى المراهقين بضرورة اللجوء إلى العنف كحل للمشكلات، وأن الثقة في النفس تنبع من الابتعاد عن العنف وعدم فرض الإرادة بالقوة، وأن تفادي المشكلات ليس ضعفًا.

وشمل ذلك عمل محاكاة لمواقف معينة وكيفية تفاديها role - playing scenarios، والتحكم في الغضب حتى لا يتفاقم إلى أفعال، وأيضًا اكتساب مهارات التعامل في تفادى المواقف التي يمكن أن تؤدي إلى مشاجرات والإصرار على رفض حمل الأسلحة، سواء البيضاء أو النارية. وتم سؤال المراهقين عن سلوكهم العدواني بعد الجلسات ولأي مدى تراجع، وأيضًا نسبة تحكمهم في أنفسهم وقت الغضب، ومحاولة تفهم وجهة النظر الأخرى.

وتأتي أهمية الدراسة من أن زيارة قصيرة وبرنامجًا مكثفًا يمكن أن يساهما في تغيير السلوك العدواني، وتعتبر هذه الدراسة طريقة من 6 طرق interventions من برنامج لمكافحة العنف، وشملت هذه الطرق العمل على تنمية الجانب الاجتماعي من خلال علاقة الآباء بالأبناء، ومتابعة هذه العلاقة، وأيضًا شملت تحسين العامل البيئي، مثل الاهتمام بنظافة الأحياء التي يقطنها هؤلاء المراهقون، وتوفير المساحات الخضراء بشكل كافٍ، والمقارنة بين نسب الجريمة في كل منطقة سكنية، وأيضًا شمل البرنامج الجوانب القانونية، مثل رفع كفاءة رجال الشرطة، ومحاولات الحد من سهولة تداول الأسلحة أو المخدرات، وركزت طريقة أخرى على معرفة مواهب التلاميذ، ومحاولة تنميتها، ومساعدتهم في استئناف الدراسة، وذلك من خلال السجلات المدرسية للمراهقين الأصغر سنًا، كما تم عمل إحصاءات لنسبة السكان من أصل أفريقي مقارنة بالسكان البيض وأيضًا يأمل الدارسون أن تسهم هذه الطريقة مستقبلاً في خفض نسبة العنف بالمجتمع.