الأسماك .. لماذا يعتمد عليها مليار شخص في وجباتهم؟

يعد الصيد البحري من أهم النشاطات الاقتصادية الإنسانية في العالم، وهو بقِدَم نشوء الإنسان نفسه. وتشير حفريات مختلفة إلى أن الأسماك والمخلوقات البحرية كانت جزءا مهما من غذاء الإنسان قبل 40 ألف سنة. واليوم يعتمد مليار إنسان في العالم على الصيد البحري في الغذاء اليومي.


وفي حين تمثل الأسماك أهم الأغذية البحرية التي يعتمد عليها الإنسان الحديث في غذائه، إلا أن الأغذية البحرية تشمل أيضا الكثير من المخلوقات والحيوانات البحرية والنباتات. وهناك أنواع متعددة من المخلوقات البحرية القشرية، مثل الروبيان وسرطان البحر، والرخويات مثل بلح البحر والقواقع والمحار والحبار. من الحيوانات البحرية هناك الحوت، كما تمثل أعشاب البحر مصدرا غذائيا لبعض الشعوب.

وهناك نحو 32 ألف نوع من الأسماك التي يستهلكها الإنسان في طعامه اليومي، أهمها السلمون والسردين والرنجة والبلطي والتونة.

وتمثل الأسماك نسبة تصل إلى 16 في المائة من البروتين الحيواني المستهلك على نطاق العالم. وتعتبر أيسلندا واليابان والبرتغال من أكبر الدول المستهلكة للأغذية البحرية في العالم.

المعايير الغذائية الصحية تعترف بأهمية الأغذية البحرية في الحفاظ على صحة الإنسان، وتوصي بأن يستهلك الفرد نوعين من المأكولات البحرية أسبوعيا، حيث إنها غنية بالزيوت غير المشبعة والبروتين ومادة «أوميغا 3» المفيدة التي توجد في كل خلية في جسم الإنسان، وهي حيوية في الكثير من الوظائف، منها وظائف المخ. وتحتوي الأسماك بصفة عامة على نسبة منخفضة من الدهون، ومن حيث الفائدة الغذائية تساعد الأسماك أيضا في حماية الشرايين والمساعدة في تكوين وحماية العظام والأسنان.

وتنقسم مصادر الأسماك بين الصيد البحري ومزارع الأسماك، ويتوجه القسم الأكبر من نشاط صيد الأسماك إلى توفير الغذاء للإنسان، بينما تتوجه نسبة إلى علف الحيوان وغذاء للأسماك في مزارع السمك. كما تستخدم منتجات الصيد أحيانا في السماد، أي أن الصيد البحري يساهم بطريقة أو بأخرى في سد حاجات الإنسان إلى الطعام، أو لإنتاج المزيد من الطعام من مصادر أخرى.

وهناك رسومات للكثير من الأسماك توجد على جدران كهوف سكنها الإنسان في جنوب أفريقيا، ويعود تاريخها إلى 165 سنة قبل الميلاد، لكن أول إثبات أن الأسماك كانت جزءا من الغذاء الإنساني جاء باختبارات ايزوتوبية لهياكل عظمية يعود تاريخها إلى 40 ألف سنة، وهي تثبت أن الإنسان الأول «هومو سابيان» عرف الصيد البحري واعتمد عليه في غذائه. وكان البحر المتوسط من أشهر المناطق التاريخية للصيد البحري.

وخلال هذه الحقبة التاريخية كان معظم البشر يعيشون على الصيد، وعلى جمع الثمار قبل معرفة الزراعة، وكانوا يتنقلون بين مواقع مختلفة سعيا وراء مصادر الطعام، كما ظهرت تجمعات بشرية على السواحل تعيش على صيد الأسماك.

وفي مصر القديمة كان نهر النيل يعج بمختلف الأسماك، وكان المصريون القدماء يعتمدون على الصيد ويجففون الأسماك أو يحفظونها في الملح، أو يأكلونها طازجة ضمن طعامهم اليومي.

وتظهر الرسومات المحفوظة في المقابر أنواع الأسماك وطرق صيدها. وبعض الرسومات على أوراق البردي كانت تظهر صيد الأسماك بصفته أحد الأنشطة الترفيهية.

ولكن قدامى الإغريق لم يظهروا نشاط صيد الأسماك في آثارهم؛ لأنهم اعتقدوا في دونية نشاط صيد الأسماك، ولكن ذلك لم يمنع المؤلف الإغريقي أوبيان كرويكوس من تأليف كتاب عن الصيد البحري، وهو أقدم موسوعة عن الصيد في العالم اليوم.

وكانت الأسماك البحرية، مثل السردين والأحياء البحرية مثل الحبار والأخطبوط من الأغذية اليومية التي عرفها سكان الجزر اليونانية والسواحل. وكانت الأسماك تستهلك طازجة أو تملح. وكان بعضها يصدر إلى المدن اليونانية البعيدة عن السواحل.

ومن العصر الروماني تحفظ حتى الآن مشاهد صيد الأسماك وأنواع المخلوقات البحرية على لوحات من الموزايك، وكانت بعض أنواع الأسماك تؤكل حية على المائدة بعد وضعها في الشوربة الخاصة بها. وكان الرومان يفضلون أكل الأسماك طازجة.

وفي العصور الوسطى تراجعت أهمية الأسماك بصفته مصدرا غذائيا بالمقارنة مع البروتين الحيواني الذي كان متاحا بوفرة، ويعبر عن الثروة، وكانت الأسماك تستهلك بديلا عن اللحوم فقط أثناء فترات الصوم، وتحول بحر الشمال إلى أكبر مصدر للأسماك لمنطقة شمال غربي أوروبا وتعدادها المتزايد.

وهناك تقسيم دولي تعتمده هيئة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) للأحياء البحرية يعرف الأسماك بأنها مخلوقات بحرية فقرية لا أطراف لها، ذات خياشيم تتنفس بها، ولها رؤوس محمية بعظام قوية، وينتج العالم سنويا من هذه الأسماك نحو 106 ملايين طن.

أما الرخويات، مثل المحار والحبار، فيصل الإنتاج العالمي منها نحو 20 مليون طن سنويا، وهناك أيضا القشريات التي ينتج منها العالم سنويا نحو 12 مليون طن، وهي تشمل الجمبري (الروبيان) وسرطان البحر (الكابوريا) واللوبستر.

أما بقية الأحياء البحرية التي تشمل الحيتان، فإن الإنتاج العالمي منها يزيد على 149 مليون طن، ويصل الإنتاج العالمي من أعشاب البحر ونباتاته إلى 19 مليون طن سنويا، بحيث يصل إجمالي ما ينتجه العالم من البحار سنويا إلى نحو 307 ملايين طن سنويا.

وتشير أبحاث بيئية إلى خطورة استمرار معدلات الصيد البحري الحالية أو زيادتها، حيث من المرجح أن يؤدي ذلك إلى انهيار البيئة البحرية في عام 2048 نتيجة للصيد المكثف والتلوث البحري.

وأشارت دراسة نشرت في عام 2006 في المجلة العلمية «ساينس» إلى أن ثلث المخزون السمكي في العالم قد انهار بالفعل إلى مستويات تصل إلى 10 في المائة من حجمه الطبيعي، وأنه إذا استمرت معدلات الصيد الحالية فإن المخزون العالمي من الأسماك سينهار في غضون 50 عاما.

وفي تحديث للبحث نشر في عام 2009، قال المؤلف بوريس ورم، إن الإدارة الحسنة للصيد ومزارع الأسماك يمكنها أن تعيد مخزون الأسماك العالمي إلى سابق عهده من الازدهار.

وتعد الأسماك من المصادر الغذائية التي تفسد بسرعة، ويتم تصدير الأسماك الطازجة أحيانا في أحواض مائية بتكلفة عالية؛ للحفاظ عليها حتى وصولها إلى المطاعم التي تفضل إعداد الأسماك وتقديمها فورا بعد خروجها من الماء.

وتلجأ بعض المطاعم، خصوصا في أنحاء آسيا، إلى عرض الأسماك حية في أحواض زجاجية خاصة يختار منها الزبون وجبته المفضلة.

ويصل حجم تجارة الأسماك الحية في هونغ كونغ وحدها إلى 15 ألف طن سنويا، كما تصل قيمة هذه التجارة على المستوى العالمي إلى 400 مليون دولار سنويا.

ونظرا لسرعة فساد الأسماك بسبب سوء حفظها والضرر الكبير للتسمم الغذائي الذي يمكن أن تسببه، تشترط هيئات الإشراف الصحي الأميركية أن تحتوي أكياس السمك المحفوظ بالبرودة على مؤشر زمني للحرارة، وهو أداة تقيس درجة الحرارة التي حفظت فيها الأطعمة (أو الأدوية) عبر فترة زمنية معينة للتأكد من صلاحيتها.

وتعرض الأسماك الطازجة في العادة على ألواح من الثلج المجروش للإبقاء عليها صالحة للاستخدام لأطول فترة ممكنة. وكانت الأسماك الطازجة تستهلك فقط في المدن الساحلية والنهرية، حتى تم ابتكار وسائل النقل المبردة التي يمكنها نقل الأسماك إلى مواقع بعيدة عن السواحل.

فوائد صحية لتناول الأسماك
تعددت الأبحاث الطبية التي أثبتت أن للأسماك فوائد صحية جمة للإنسان، خصوصا في حماية القلب والحفاظ على صحة المخ. وتم إثبات العلاقة بين تناول الأسماك وصحة القلب بملاحظة انخفاض أمراض القلب بين الشعوب التي تعتمد على الأسماك غذاء لها، مثل اليابان والاسكيمو.

وتقترح دراسة طبية تناول الأسماك مرة واحدة في الأسبوع على الأقل لخفض مخاطر السكتات القلبية بنسبة النصف.

وتحتوي الأسماك على مادة «أوميغا 3» المضادة للأكسدة والموفرة لحماية أغشية الخلايا. وتحافظ الأسماك على نشاط المخ لدى كبار السن، كما تساهم دهون الأسماك في الحماية من الأم الروماتيزم. وتحتوي الأسماك أيضا على عناصر الزنك والايودين والسلينيوم، وهي تساهم في الحفاظ على سلامة الجسم وتنظيم عملية التمثيل الغذائي وإفراز الإنزيمات.

وهي أيضا تحوي فيتامين «أ» الذي يحافظ على صحة الجلد والعينين، وفيتامين «د» الذي يساعد الجسم على امتصاص الكالسيوم لتقوية العظام والأسنان.

أما المخاطر المحيطة بتناول الأسماك، فهي تشمل الحساسية ضد القشريات، والتي قد تكون أضرارها فورية وملحوظة وتحتاج إلى العلاج السريع، والتسمم الغذائي من تناول أسماك نافقة؛ نظرا لأنها سريعة التلف.

وأخيرا المعاناة من نسبة الزئبق المركزة في أجسام بعض الأسماك، خصوصا تلك التي تربى في مزارع مكثفة. ويمكن تجنب هذه الأسماك بتناول الأسماك الحرة التي تكون في العادة أصغر حجما وأقل دهونا.