نورة بنت عبد الرحمن .. ملهمة الملك عبدالعزيز وحلالة المشاكل

أعادت بادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتسمية أضخم مؤسسة للتعليم العالي للبنات في العالم والتي وضع حجر الأساس لها في العاصمة السعودية يوم أول أمس باسم عمته الأميرة نورة بنت عبد الرحمن حكاية نساء مثلت حياتهن لوحات من القصص الحركية وحولهن حضورهن اللافت في المجتمع الى رموز كبرى في الحياة، ولتصبح قصصهن دروسا تحتذى.


ورغم عفوية بعض هذه القصص إلا أنها تدل على أن الأميرة الراحلة لم تكن بحق امرأة عادية، بل تجاوزت نساء وقتها بما تملكه من أعلى درجات الحكمة ورجاحة العقل وحسن التدبير، وما حملته من قلب كبير اتسع للمحتاجين والأيتام وقدرتها على حل مشكلات المحيطين بها من داخل الأسرة المالكة وخارجها.

كما حملت الأميرة الراحلة آراء وأفكارا سياسية ذات شأن، وهو ما دفع شقيقها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الى أن يردد دائما في مواقف بالغة الصعوبة تحتاج الى جسارة وحكمة وسرعة اتخاذ القرار «أنا أخو نورة».

وعُدت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن التي تشترك مع شقيقها الملك المؤسس عبد العزيز في صفات عديدة امرأة ذات شخصية قوية، كما تميزت بالكرم والجاذبية، وقيل عنها: انها تتمتع بحملها عقول أربعين رجلا نظرا لكفاءتها ورجاحة عقلها، كما تتمتع بحس سياسي الأمر الذي جعل الملك المؤسس يولي اهتماما كبيرا لأفكارها وآرائها السياسية، بل كان الملك يجلس معها ساعات طويلة ليستمد منها الرأي والمشورة.

وضرب الملك عبد الله بن عبد العزيز أعلى درجات إنكار الذات، كما أعطى أسمى معاني الوفاء والتقدير للمرأة بشكل عام وللأميرة نورة بشكل خاص، عندما تنازل عن إطلاق اسمه على جامعة البنات بالرياض، حيث فضل الملك عبد الله أن يطلق اسم الأميرة نورة بنت عبد الرحمن على الجامعة بعد لحظات من الإعلان عن إطلاق اسم الملك عبد الله بن عبد العزيز عليها.

وعكس توجيه الملك بخصوص تسمية الجامعة التي سترى النور بعد عامين وتعد الأكبر من نوعها في العالم ولديها القدرة على استيعاب 40 ألف طالبة في مختلف التخصصات عند افتتاحها، عكس هذه التوجيه تقدير الملك عبد الله لكبرى بنات الإمام عبد الرحمن الفيصل، والد الملك المؤسس، بل تقديره لكل نساء البلاد وخصوصا من كان لهن حضور في المجتمع على مختلف الأصعدة ووفق ظروف وطبيعة المجتمع في العقود الماضية والحالية.

ولدت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في مدينة الرياض عام 1875م وتزوجت عام 1905م من الأمير سعود بن عبد العزيز بن سعود بن فيصل الملقب بـ«سعود الكبير» المولود في الرياض عام 1882م وتوفي في عام 1989م، وأنجبت منه الأمير محمد بن سعود الكبير الملقب بـ«شقران»، كما أنجبت الأميرة حصة والأميرة الجوهرة التي تزوج بها الملك فيصل.

ورصدت الدكتورة دلال الحربي في كتابها «نساء شهيرات من نجد» جوانب مهمة في حياة الأميرة نورة التي تكبر الملك عبد العزيز بسنة واحدة، وارتبطت بأخيها عبد العزيز برباط وثيق منذ طفولتها المبكرة، إذ كانت تشاركه اللعب كما كانت رفيقته عند خروج الإمام عبد الرحمن الفيصل بأسرته من الرياض في أعقاب موقعة المليداء عام 1891م، كما كانت نورة وبعد سنوات من استقرار الأسرة في الكويت عاملاً مهماً في شحذ همة أخيها عبد العزيز في السعي نحو استعادة ملك آبائه، فوفقاً للمعلومات المتاحة كانت هي التي حثته على تكرار المحاولة لاستعادة الرياض بعد ان اخفق في المرة الأولى، فأخذت تقوي من عزيمته وإرادته، وعندما عزم على الخروج من الكويت بصحبه لاستعادة الرياض، بكت والدته بكاء حاراً، غير أن نورة شجعته، وهو الأمر الذي انتهى الى نجاح عبد العزيز ذلك النجاح المعروف تاريخياً.

وطرحت الدكتورة الحربي نماذج من دور نورة المؤثر في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية بعد ان استرد الملك عبد العزيز الرياض واستقر فيها وعادت أسرته اليها ومن ذلك: أنها كانت عامل ترابط بين آل سعود عندما وافقت على الزواج من سعود بن عبد العزيز بن فيصل بن تركي والملقب بسعود الكبير، فوفقاً للمعلومات التاريخية فإن الأخير كان على خلاف مع أخيها الملك عبد العزيز، وفي هذا الصدد كان زواجها هذا أسمى رمز للمصالحة بين عبد العزيز وأبناء عمومته، ومعه أصبح سعود الكبير من اشد المقربين والمخلصين للملك، كما أجمعت على ذلك المصادر والمعلومات التاريخية، كما جنبت الأميرة نورة أخاها مشاكل وشؤون القصر الداخلية طوال وجودها، كما أنها كانت تشرف على تسيير امور نساء العائلة إضافة الى أنها كانت تشفع عند الملك عبد العزيز لكثير من المحتاجين ومن لهم مشاكل تحتاج الى حل.

ومن نماذج بروز دورها المؤثر أن الملك عبد العزيز كان يستشيرها في كثير من الأمور وكان يلجأ اليها ليتحدث معها كثيرا ويبحث أمورا كثيرة من شؤونه ويبوح بأسراره لها ويأتمنها على تلك الأسرار، كما اعتمد عليها في بعض الجوانب التي تخص شؤون القبائل، خاصة ما يتعلق بالنساء اللاتي لهن صلات بأفراد من شيوخ القبائل وذوي السلطة في المجتمع.

واعتبر المؤرخون أن الأميرة مارست بشخصيتها المميزة واجبات السيدة الأولى، وكانت تستقبل زائرات الرياض من الأجنبيات وتأذن لهن بزيارة ورؤية معالم معينة فيها، كما أنها كانت تهتم بتنمية قدرات الأطفال وتوسيع مداركهم العلمية وتحفيزهم على التعلم، ويبدو ذلك من اهتمامها بالأطفال الذين يختمون القرآن، إذ كانت تكافئهم على أعمالهم.

وحظيت الأميرة نورة بمكانة خاصة عند الملك عبد العزيز لم تحظ بها أي امرأة أخرى في عصرها، وكعادة الرجل النجدي كان الملك عبد العزيز يعتز بها حين يردد: «أنا أخو نورة»، وفي حالة غضبه يكنى بها حيث يقول: «أنا أخو الأنور المعزي».

ولفتت شخصيتها وعلاقتها المتميزة مع أخيها والتي أتاحت لها أن تقوم بدور مؤثر في كثير من جوانب الحياة أنظار كثير من المؤرخين والباحثين، خاصة أولئك الذين أتيح لهم مقابلتها أو السماع عنها عن قرب، ففيوليت ديكسون التي قابلتها عام 1937 مع بعض نساء الملك عبد العزيز أعجبت بها بصورة خاصة ووصفتها بأنها: «من أكثر النساء اللاتي قابلتهن جاذبية ومرحاً»، وأنها «من أهم الشخصيات في الجزيرة العربية»، أما جون فيلبي فقال عنها: «كانت السيدة الأولى في بلدها».

في حين سجل ديفيد هاوارث انطباعه عنها بالقول:«أبدى ابن سعود اهتماماً ورعاية لأخته نورة طوال حياته».

ومن الصفات التي تميزت بها شخصيتها أنها كانت تتمتع بالحصافة والحكمة ورجاحة العقل والدين والورع والفضل، وهي تشبه بشخصيتها وأخلاقها وكرمها شقيقها الملك عبد العزيز، كما أنها كانت متفتحة الذهن تتماشى في سلوكها مع تطورات العصر، فعلى سبيل المثال كانت تعد الهاتف أداة ضرورية ومفيدة، ففي نص ترويه فيوليت ديكسون تذكر أنها خلال زيارتها لها رن جرس الهاتف فقامت إحدى الخادمات بالرد على المتحدث، وبعد انتهاء المحادثة الهاتفية قالت فيوليت معلقة إنها تنزعج من الهاتف، فردت نورة:«لا إنها آلة رائعة، لست ادري إذا كنا نستطيع البقاء بدونها».

إضافة لذلك كانت تتمتع بروح تنم عن معرفة جيدة بسلوكيات التعامل مع الآخرين حيث أبدت في حوارها مع فيوليت إعجابها بالحلق الذي ترتديه وكذلك ثوبها، وهو سلوك ينم عن تواضعها ومحاولتها أن تشعرها بالقرب منها.

وأورد الباحث راشد بن عساكر قصتين تنمان عن إنسانية الأميرة، الأولى على لسان والده محمد بن عساكر، حيث قال: حدثت لنا حادثة تدل على رأفة الأميرة، ففي آخر يوم من شعبان من عام 1356 هـ قدمنا مع والدي ونحن صغارً برفقة والدتنا الجوهرة بنت صالح بن مرشد، قادمين من حائل بصفة والدي مدير مالية بيت حائل في عهد الملك عبد العزيز، فتعطلت بنا السيارة ونحن على مشارف الرياض، وبقربنا قصر الشمسية الذي كانت تسكنه الأميرة نورة، فتوجه والدي اليها ونزلنا من السيارة وسلم عليها وأخبرها بتعطل السيارة بسبب نفاد الوقود، فأرسلت الأميرة غالونين من البنزين وأتبعتهما بباديتين (وعاءين من الطعام) وذلك في يوم شديد البرودة، وهو موقف لن ننساه، أما الموقف الثاني فهو موقف إنساني لم يستجب له الملك عبد العزيز، حيث دخلت على الأميرة والدة الشيخ عبد الرحمن بن صالح المرشد، وهي لطيفة بنت عتيق، تطلب منها الشفاعة لدى الملك عبد العزيز بعدم إرسال ابنها الوحيد عبد الرحمن الى حرب اليمن، ونقلت الأميرة تلك الرغبة الى الملك فقال لها: «إذا شفعتِ في ابن مرشد من أرسل؟» لمعرفة الملك بأهمية الرجل، وقدرته على القيام بالمهمة الموكلة اليه.

ويشير المحقق راشد بن جعيثن الى أن الأميرة نورة تتمتع بحس شعري، حيث كتبت قصائد شعبية كان أجملها تلك التي قالتها في غربة زوجها الأمير سعود الكبير.

توفيت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في عام 1950م بعد أن عاشت 77 عاما كانت حافلة بالحضور اللافت على مختلف الأصعدة والمجالات وفي ظل ظروف بالغة الصعوبة وفي فترات ذات شأن، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. وكانت وفاتها لبضعة أيام سابقة من تاريخ اليوبيل الخاص بمرور نصف قرن على فتح الرياض.