بكتيريا اللحوم الحمراء .. هل تسبب السرطان؟

إن العلاقة التكافلية بين البكتيريا المتوطنة والقناة الهضمية لها دور كبير في الحفاظ على التوازن الموجود فيها، وأي تغيير يحدث في هذه العلاقة مثلاً في حالات الإصابة، أو في طبيعة الغذاء، أو نمط الحياة، قد يشجع على حدوث المرض وظهور الالتهابات المعوية والسرطان.


وقد تم التعرف على بعض أنواع البكتيريا على أن لها علاقة وثيقة، أو تلعب دورا مهما، في سرطان القولون رغم أنها غير مرضية بل متوطنة. وهي تأتي بصورة طبيعية مع الماء أو الغذاء وتستوطن الأمعاء والقولون ومثالها Streptococcus bovis وEnterobacter faecalis وFusobacterium spp. وClostrium septicum وEscherichia coli.

توجد البكتيريا المفيدة في الأمعاء، وتسمى هذه البكتيريا الطبيعية «الفلورا» (أو النبيت الجرثومي المعوي). وتتكون «فلورا الأمعاء» بعد الولادة بشهور، وتبقى في أمعاء الإنسان طوال حياته. وهي تلعب دوراً مهماً في هضم الطعام وفي تنظيم عملية التبرز. وقد يقود نقص «الفلورا» إلى تعريض الإنسان للإسهال أو الإمساك. ويوجد أكثر من 400 فصيلة بكتيريا في القولون.

ويعتقد بعض الباحثين أن بكتيريا الأمعاء تتفاعل مع الحمض النووي «الريبوزي الميكروي» (micro RNA) بطريقة معينة تسهل نشوء سرطان القولون، وأن لها تأثيراً في السيطرة على تغيير عمل الجينات مما يسهل نشوء السرطان.

وأشارت دراسة أجريت هذا العام 2018 في جامعة منيسوتا الأميركية المتحدة إلى أن هناك ارتباطاً بين محتوى أمعاء الإنسان من الميكروبات، وبين نشوء سرطان القولون، إذ تؤثر بعض بكتيريا القناة الهضمية مباشرة على نشاط بعض جزيئات الحمض النووي «الريبوزي الميكروي»، التي تغير من عمل الجينات ما يؤدي إلى توقف السيطرة على تكاثر الخلايا، وهي من صفات السرطان.

يعتبر الاستهلاك الكبير للحوم الحمراء أحد العوامل المباشرة للإصابة بسرطان القولون، وقد تم عزل بكتيريا «Streptococcus bovis) «S.bovis) من بين الملوثات التي عزلت من اللحوم الحمراء المباعة في الأسواق. وتوجد هذه البكتيريا في الأبقار والخرفان والحيوانات المجترة. ولفترة طويلة لم يتم التعرف على أن الإصابات البكتيرية كانت السبب في الإصابة بالسرطان.

رغم أن البكتيريا كانت ذات علاقة قوية بالالتهابات المزمنة، وإنتاجها لنواتج أيضية مسرطنة. على سبيل المثال فإن العلاقة بين بكتيريا «إتش بايلوري» (H.pylori) وسرطان المعدة تمثل أكبر دليل على أن الإصابة بهذا النوع من البكتيريا له علاقة بهذا السرطان.

 وفي الفترة الأخيرة أثبتت الدراسات أن بعض الإصابات البكتيرية المزمنة لها علاقة وطيدة بتكوين الأورام. وقد أشارت دراسات حديثة إلى أن «فلورا الأمعاء» قد تكون المسؤولة عن العديد من الأمراض الالتهابية مثل مرض «كرون» (Crohns' disease) أو التهاب القولون التقرحي (Ulcerative colitis)، حيث إن كلا المرضين ينتجان من تغيرات في استجابة الشخص لبكتيريا الأمعاء الطبيعية، ومن ثم الإصابة بالسرطان.

لم يتم التركيز على العلاقة الطبيعية بين بكتيريا «إس بوفيس» (S.bovis) وسرطانات القولون والمستقيم. وكان هناك جدل كبير في أن العلاقة بين التهاب شغاف القلب الداخلي (endocarditis) ببكتيريا «إس. بوفيس» وبين أورام القولون والمستقيم هو نتيجة التقرحات المعوية.

ولابد من تسليط الضوء على الآلية المحتملة في أن هذه البكتيريا قد تلعب دوراً مهماً في التسبب أو في تقدم سرطان القولون.

وتنشأ العديد من الأورام السرطانية، إما من مواقع الإصابة، أو من التهيج المزمن، أو من الالتهابات الميكروبية، ويمكن ملاحظة العلاقة القوية بين الالتهابات المزمنة والأمراض السرطانية جلياً في التهابات القولون المتكررة.

وقد أشارت الدراسات الحديثة إلى احتمالية أن تكون بعض البكتيريا المعوية الأخرى مثل «Klebsiella pneumonia» المسببة لخراج الكبد، هي ذاتها المسببة لسرطان القولون.

إن الأضداد الموجودة في جدار خلية بكتيريا «إس. بوفيس» تسبب زيادة في إنتاج المادة الالتهابية «السيتوكينات» (Cytokines) في الغشاء المخاطي للقولون، مما يدل على وجود علاقة مباشرة بين البكتيريا والغشاء المخاطي للقولون، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء سرطان القولون.

وقد وجد أن بكتيريا «إس. بوفيس» لها علاقة قوية بأمراض سرطانية عديدة غير سرطان القولون، إذ تم العثور عليها في نسبة لا تقل عن 30 في المائة من الأشخاص الذين يحملون أفات سرطانية في المرارة أو البنكرياس أو المبيض أو الرحم أو حتى في الرئة.