أخطاء رسائل الموبايل .. قد تشعل نارا في البيوت

أخطاء الإرسال والاختصار تؤجج سوء الفهم وتقتل الرومانسية
أخطاء الإرسال والاختصار تؤجج سوء الفهم وتقتل الرومانسية

شدا هاتف «نور» فجأة بأغنية فيروز التي اختارتها كنغمة «أنا عندي حنين ما بعرف لمين.. ليلي بيخطفني من بين السهرانين..»، تنبه الأب قاطعا قراءته لأخبار انتكاسات البورصة وألقى بنظارة القراءة بجانب سريره، منتهزا الفرصة للاستمتاع بأغنية ربما عاش مع كلماتها ذكريات جميلة قبل عقدين على الأقل وقت شبابه.


طال الشدو ولم تسمع «نور» إلحاح فيروز فاضطر الأب إلى الرد كي يبلغ ابنته المشغولة في مساعدة أمها في المطبخ، كما اعتادت صباح كل جمعة، لكنه لم يستمع لأي صوت، وبنوع من التمرد على أميته التكنولوجية عبث ثانية بأزرار الهاتف، فوجد أمامه على الشاشة الصغيرة ما غيّر لون وجهه. «أعرفك زين ما تقسى ولا تبعد ولا تنسى.. سفينة كلما ترحل يردها الشوق للمرسى» التوقيع. M.M.

لم تسمع نور شدو فيروز، وظلت بجوار أمها، لكن بالطبع سمعت صراخ أبيها وهو يختلط بكل أنواع السباب لزميلها، التي اضطرت لإخفاء اسمه تحت الرمز السابق، لأنها تعرف طبيعة أسرتها التي لا تتسامح مع علاقة حب بين بنت وشاب.

اللافت أن علاقة نور بزميلها محمد لا تتعدى الصداقة وزمالة الدراسة، وترى أن الرسائل الشعرية، كتلك التي أرسلها محمد اعتاد الزملاء في كليتها تبادلها على سبيل المجاملة وطرح الجديد، وفشل والديها في فهم طبيعة العلاقات بين الأجيال الشابة تتسبب في الكثير من المشاكل لها بحسب تعبيرها.

هذه الكلمات الغارقة في رومانسيتها برسالة محمد لنور، والتي تسببت في حرمان نور من استعمال هاتفها الجوال لفترة طويلة، بل حرمانها من الذهاب لكليتها لأيام، لم تنته إلا بتأكد الأب من عدم وجود شيء بين ابنته وبين زميلها.

هذه القصة، فتحت شهية أيمن طلبة، وهو مدرب لياقة بدنية بأحد النوادي الاجتماعية الكبرى، على الحكي.

فقد تعرض لموقف حرج للغاية عندما أرسل لزوجته على سبيل الخطأ تهنئة بعيد الحب موقعة باسم صديقته «رحاب» سبق أن أرسلتها إليه ونسى أن يحذف اسمها منها.

واللافت أن زوجته لم تغضب بسبب أن من أرسلتها له فتاة، فلم يكن دافع الغيرة هو السبب في ثورتها، خاصة أنها تعرف رحاب جيدا، بل لأنها استقبلت نفس الرسالة منها قبل دقائق، وكانت تظن أن زوجها سيكتب لها أخرى حقيقية تعبر عن مشاعره وليست «على الجاهز لا تعبر عن شيء».

ولا تقتصر حرائق الرسائل على ذلك، حيث يقول هاني عبد الرحمن وهو موظف علاقات عامة بإحدى شركات الاتصالات، إن رسائل الموبايل كادت تدمر حياته الزوجية بعد تلقي زوجته للعشرات منها يوميا تؤكد لها أنه يخونها.

وبحسب تأكيده، فإن المرسل شخص يعرفه ويعرفها جيدا، بل قريب منهما لأنه يختار توقيتا مناسبا تماما لزرع الفتنة بينهما.

فإذا ترك العمل وذهب لقضاء بعض حاجيات المنزل، تتلقى الزوجة رسالة على الفور أنه ذهب لعشيقته، فتتصل بالعمل وعندما تجده في الخارج تزداد شكوكها، واستمر هذا الجحيم طويلا، خاصة أن المرسل كان يبعث برسائله من مواقع الكترونية مجانية عديدة يصعب تعقبها، ولم يتوقف الأمر إلا بعد أن أدركت الزوجة الحقيقة ولم تعد تبالي.

أما أحمد وهو باحث دكتوراه في الأدب، فوضعته رسائل «الموبايل» في موقف حرج وطريف للغاية عندما أراد أن يرسل رسالة غاضبة لصديقه المقرب «عمرو» لتأخره عن موعد متفق عليه في المقهى، ولتعنيفه لأنه لا يرد على الهاتف فكتب قائلا:«يا أخي إنت مش هتبقى راجل محترم أبدا»، بالتأكيد مساحة الصداقة بين أحمد وعمر تسمح لهما بتبادل العتاب بتلك الطريقة، لكن المشكلة الكبرى أن أحمد ضغط بالخطأ على رقم مشرفه على رسالة الدكتوراه واسمه «عمر» فذهبت له الرسالة عن طريق الخطأ، وتمنى أحمد وقتها أن تنشق الأرض وتبلعه من الخجل، ولم يكن يدري ماذا يفعل، ثم اتصل سريعا بالمشرف وأخبره بحقيقة الأمر ومن حسن حظه أنه لم يقرأ الرسالة لأنه استيقظ من نومه بعد تكرار الاتصال ثم تقبل الأمر بسعة صدر.

«ضريبة التكنولوجيا والتقدم» هكذا يتقبل صبحي الشربيني، موجه في اللغة الإنجليزية في منتصف العقد الخامس من العمر، الأمر بصدر رحب.

فإن كان التقدم سهل حياتنا وسرع من وتيرتها، بحسب تعبيره، إلا أنه قضى على أشياء أخرى جميلة، وإذا أخذنا رسائل الموبايل كمثال، فبعد عقود من الفصاحة والتنافس في صياغتها بحرفية، جاء اليوم الذي تقتصر على تبادل الناس التهاني والمشاعر والأخبار ببضعة حروف جاهزة وركيكة، بل في أغلب الأحيان يكتب نصفها بالإنجليزية.

هكذا ختم صبحي حديثه وهو يستعيد ذكريات الماضي في نوبة «نوستالجيا» ترحم فيها على أيام كان فيها المرء يقضي الساعات في اختيار لون الورق ونوع القلم ويحتار بين الأظرف الأنيقة لكي يبث مشاعره لمن هو غائب عنه.

أضاف صبحي:«التكنولوجيا صبغت حياتنا وزادتها قسوة، ويكفي أن تراقب الألفاظ المنتشرة بين الشباب ويتبادلونها عبر «الموبايل» ومدى سوقيتها لتدرك ذلك».

لكن حلم صبحي بالعودة لهدوء الماضي بات من المستحيل، خاصة إذا علمنا أن عدد المشتركين في شبكات المحمول في مصر وحدها وصل إلى 30.047 مليون مشترك وذلك بعد أن كان 29.368 مليون في نوفمبر 2007 و18.001 مليون في نهاية عام 2006.