الأحذية الرياضية .. ظاهرة عالمية عابرة للأعمار والأذواق والطبقات

منذ ظهور «الجينز» المقتبس من سراويل رعاة البقر في سهول الغرب الأميركي، لم يعرف عالم الموضة النسائية والرجالية ثورة كتلك التي يشهدها حاليّا مع انتشار الأحذية الرياضية أو الخفيفة المصنوعة من القماش والمطّاط Sneakers. إنها ظاهرة عالمية عابرة للأعمار والأذواق والطبقات الاجتماعية.


تبدأ على أبواب الأندية والملاعب الرياضية والمدارس، مروراً بالمكاتب والمدارس والمقاهي والجامعات، وصولاً إلى قمّة التأنق الاستعراضي في حفلات توزيع جوائز الأوسكار.

تفيد أرقام منظمة التجارة العالمية بأن الأحذية الرياضية والخفيفة باتت تشكّل 60٪ من مجموع الإنتاج العالمي من الأحذية، وقد أصبحت العلامة المميِّزة لمعظم المهتّمين بمواكبة الموضة، والمحرّك الاقتصادي الأساسي لكثير من دور الأزياء العالمية، مجيّشة لها أبرز المصممين والحملات الترويجية باهظة التكلفة.

وقد وقّعت دار «كالفين كلاين» الأميركية مؤخراً عقداً بملايين الدولارات مع مؤسسة «آندي وارهول» للفنون البصرية من أجل استخدام الرسم الذاتي الشهير الذي وضعه وارهول عام 1977 على مجموعة الأحذية الخفيفة التي تعتزم إطلاقها في الموسم القادم.

وفي ربيع هذا العام حوّلت دار «شانيل» القصر الكبير Le Grand Palais في باريس إلى غابة لعرض مجموعتها لموسم الخريف والشتاء المقبل. جلس في الصف الأول رؤساء تحرير المجلات الكبرى للموضة ومديرو المشتريات في المحلات الفخمة، إلى جانب المشاهير من كل المشارب والفنون.

بعضهم كان يحمل حقائب يزيد سعرها على 10 آلاف دولار، وآخرون يعتصمون ساعات بقيمة سيارة فخمة، لكن القاسم الجامع بين معظمهم كانت الأحذية الخفيفة التي أصبحت مرادفاً لمصطلح Cool في عالم الأزياء.

الأرقام التجارية شواهد على جموح هذه النزعة. ارتفعت مبيعات الأحذية الخفيفة للسنة الرابعة على التوالي بنسبة 10٪، فبلغت قيمتها الإجمالية 30 مليار دولار.

في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أطلقت دارا «أديداس» و«بوما» اللتان يملكهما الشقيقان اللدودان آدولف ورودولف داسلير مجموعات متتالية من الأحذية الخفيفة مخصصة للاستخدام خارج الملاعب والأندية الرياضية.

لكن الثورة الحقيقية انطلقت من نيويورك عندما أضربت وسائل النقل العام للمرة الأولى طوال أسابيع، مما اضطر النساء إلى الذهاب سيراً على الأقدام إلى مراكز عملهن. ونظراً إلى صعوبة السير لمسافات بعيدة بأحذية بكعب عالٍ، لمعت لإحداهنّ فكرة استخدام الأحذية الرياضية للذهاب إلى مراكز العمل والعودة منها، والاحتفاظ بحذاء الكعب العالي الأنيق في حقيبة اليد لاستبداله عند الدخول إلى المكتب.

وعندما شاع هذا المشهد في عدد من الأفلام الأميركية وبدأت وسائل الإعلام تتناقله، سارعت الشركات الكبرى في صناعة النسيج إلى استغلال هذه الظاهرة لتحقق نموّاً لم يتوقّف إلى اليوم.

شركات الملبوسات الرياضية العملاقة مثل «نايك» تتوقّع أن يصل حجم مبيعاتها النسائية إلى 30٪ من إجمالي المبيعات، وهي تستثمر مبالغ ضخمة للترويج لهذه الظاهرة في كل المجالات.

نجوم موسيقى الروك والراب يوقّعون عقوداً تجارية ضخمة مع الشركات الكبرى ودور الأزياء لتسويقها باستخدامها في حفلاتهم وأنشطتهم الاجتماعية. ولم يعد مستهجناً أن نرى هذه الأحذية في أهم المحافل.

لكن هذه الثورة ليست وقفاً على المرأة، بل وصلت إلى الرجل الذي تتنافس الدور العريقة مثل «هيرميس» و«لويس فويتون» و«ديور» وغيرها على الإبداع فيها. ويفيد موقع التسوق الإلكتروني «مستر بورتر» بأن حجم تجارة الأحذية الرياضية قد تضاعف أربع مرّات خلال العام الماضي بعد أن تحرّر الرجل من قيود الموضة التي كانت مرسومة له في الماضي. فجأة أصبحت هذه الأحذية دالّة على الهويّة الجمالية والقدرة الشرائية مثل الهواتف النقّالة وأجهزة الكومبيوتر.

ووصل الحد إلى أن دور أزياء كبيرة مثل «ديور» و«بالنسياغا» و«فالنتينو» استحدثت أقساماً خاصة بالأحذية الرياضية بعد أن أصبحت سرّ النجاح ومفتاحه التي يصل سعر المجموعات المحدودة منها إلى 9 آلاف دولار عند «شانيل» و30 ألفا عند «كريستيان لوبوتان».

دار «سالفاتوري فيراغامو» الإيطالية تعد رمز الحذاء الكلاسيكي الذي أخذ تشريح الأقدام بعين الاعتبار كأنه منحوتة، رضخت لمقتضيات هذه الثورة وبدأت بإطلاق مجموعات تحمل توقيعها. من جهتها تعاقدت دار «لويس فويتون» مع المصمم الأميركي المعروف فيرجيل آبلو مؤخراً، وهو الذي اشتهر بتصاميمه الجريئة والناجحة مع «نايك» و«كونفيرس».

وأوكلت إليه مهمّة التخطيط لاجتذاب الشباب المولودين في الألفيّة الراهنة، والذين من المتوّقع أن يشكّلوا بعد 7 سنوات 40٪ من الزبائن.

وهذا يدل على أنه لم يعد بإمكان أي دار أزياء أو شركة لصناعة الأحذية أن تتجاهل هذه الظاهرة أو تقلّل من قوة تأثيرها. فهذا التصميم أصبح ضرورة في عالم الموضة وفي الحياة العامة، مثله مثل حقيبة السفر بعجلات التي بات من المستحيل الاستغناء عنها.