المصمم عماني عمرو علي " أنا سفير للموضة «الشرقية» في لندن"

عمرو علي مصمم عربي وتصميماته قبلة النجمات والأميرات على حد سواء
عمرو علي مصمم عربي وتصميماته قبلة النجمات والأميرات على حد سواء

أسلوبي فيه نوع من الاستشراق .. لكن أدواته عصرية وغير صادمة


عمرو علي مصمم عربي حتى النخاع. تنقل بين عدة عواصم عالمية، قبل أن يستقر في لندن التي أطلق منها ماركته «بادي أمر» في عام 2002، وينطلق من خلالها إلى العالمية بعد مشاركته في أسبوعها للموضة في عام 2006.

عند مقابلتك له، لا يترك لديك أدنى شك بأنه عاشق للشرق، متشبع بأسراره ولوحاته وشاعريته، لكن دون أن يغرق في تراثه وفولكلوره، وهذا ما يجعل تصميماته قبلة النجمات والأميرات على حد سواء، خصوصا أنها تستحضر، بالفعل وفي الكثير من تفاصيلها، إطلالات أميرات قصص ألف ليلة وليلة أو الأُودِيسّا.

وما إنْ يبدأ الحديث عن جذوره العربية، وبالتحديد عن سلطنة عمان، مسقط رأس والده وبلد أجداده وأعمامه وأخواله، حتى تتراءى في عينيه نظرة تبرق بالحنين والحب والإعجاب، وينساب بعدها الكلام كشلال عن المعمار البرتغالي وأسواق ظفار والمجوهرات الفضية والألوان والروائح التي تميز منطقة الخليج وتسكن وجدانه ولا تفارق خياله، رغم أن أدواته أوروبية محضة.

الحديث مع عمرو عن الموضة وعن الأناقة والتميز، يجعلك تشعر بعدم القدرة على مقاومة الابتسام، وكأنك تتابع فيلما كلاسيكيا بالأبيض والأسود يظهر فيه طفل صغير في بيت فخم، منكمشا أعلى الدرج وهو يتفرج خلسة على حفل كبير، بطلاته نساء مخمليات يختلن في أناقة أرستقراطية لا يعلى عليها.

وتتأكد هذه الصورة الخيالية عندما يقول إن سبب عشقه للموضة يعود إلى والدته التي كانت امرأة أنيقة جدا، لكن رغم هذا العشق الذي بدأ معه من الصغر، فإنه درس الديكور الداخلي، وعمل مع المهندس المعروف، نيكي هاسلام، الذي كان له الفضل في اكتشاف مواهبه في مجال التصميم، وتَبَنَّاه وساعده على الانطلاق.

يقول عمرو بحماس وامتنان: «هو الذي عرفني على العارضتين جيري هول وكايت موس وغيرهما، الأمر الذي فتح لي الأبواب على مصاريعها. وعندما رأى هاسلام الإقبال على تصميماتي، شجعني على تأسيس ماركة خاصة بي.

وعندما كنت أبحث عن اسم، جاءني الحل من المغنية آني لينوكس، التي قالت إن اسمي عمرو له نفس وقع «أرمور»Armour، ومعناها المدرع، ومن ثم وُلد اسم «بادي أمر» Body Amr».

أما الانطلاقة الحقيقية لعمرو، فكانت في عام 2006 عندما شارك في أسبوع لندن للموضة، وكان حديث أوساط الموضة، بعد أن لفت الأنظار إلى أسلوبه الجامع بين شاعرية الشرق وتقنيات الغرب، إلى حد أن مجلتي «فوغ» و«هاربرز بازار» وصفاه بأهم مصمم صاعد.

وفي عام 2007 استعملت صورة لإحدى إبداعاته في البطاقات والأفيشات التي استعملتها الجهة المسؤولة عن الأسبوع، لكن عمرًا لم يعد التجربة، وقرر أن يعمل بهدوء، لا سيما أن وقته أصبح من ذهب، بالإضافة إلى أن طموحه الآن هو أن يعرض في باريس، عاصمة الأناقة والجمال، في يوم ما.

ومع كل النجاح الذي حققه في وقت قصير، فإن قلة فقط تعرف اسم عمرو علي، وإنْ كانت الأغلبية تعرف ماركة «بادي عمرو (العين تنطق أل)»، وكأنه يريد بها أن يحمي نفسه من عيون الفضوليين، ومن الإثارة التي قد تثار حول مصمم؛ فتغطي على إبداعاته، لا سيما إذا كان هذا المصمم شابا ووسيما يجسد صورة فارس الأحلام في قصص ألف ليلة وليلة.

وبالفعل تحقق له ما أراد، بدليل أن ماركته متوفرة في محلات منتقاة، مثل «هارودز» بلندن و«كوليت» بباريس و«هارفي نيكولز» بدبي، وفي نيويورك وجنيف وغيرها من المناطق النخبوية.

ويبين عمرو أنه، ورغم حب النجمات والنجوم له ولتصميماته، من أمثال مادونا، وجاستن تيمبرلايك، وكلوديا شيفر، وغيرهم، وفضلهم في إشهاره في الغرب، إلا أنه يدين لنجاحه في المقام الأول لزبوناته من الوطن العربي وغيره، من اللواتي رفض أن يبوح بأسمائهن، متبرعا فقط بالقول إن القاسم المشترك بينهن هو فهمهن للموضة، ورغبتهن في التميز والأناقة التي لا تصرح باسم مصممها؛ فتطغى على أناقتهن وشخصيتهن.

ويتابع أن هذا ما يسعده لأن ماركته تلخص هذا الاتجاه بالتحديد. فهو لا يطمح أن يتوجه للعامة أو يحقق نجاحا تجاريا سريعا، بل يفضل التوجه إلى النخبة وأن يحافظ على مستوى معين طويل المدى، لأنه يرى نفسه سفيرا لسلطنة عمان وواجهة عربية في لندن.

وهذا، بلا شك، يجعله يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة، ويضطره للمثابرة لإعطاء نظرة إيجابية لا تشوبها ولا ذرة عدم ذوق.

 فالعرب، حسب قوله، زبائن مهمون للكثير من المنتجات المترفة والموضة عموما، وحان الوقت لرد بعض الاعتبار والجميل إليهم «أعتقد أن الوقت حان لمصمم عربي خليجي يكون له دور فعال في إعطاء الغرب فكرة عما يمكن أن يقدمه العالم العربي، من جهة، وإعطاء العرب ما يريدون ويناسبهم، من جهة ثانية».

وهذا الأمر لا يتأتى بالنسبة له سوى بالتميز والاختلاف عن باقي الماركات المتوفرة في الأسواق، وعدم الوجود في كل مكان، حتى لا يحرق كل الأوراق: «نحن لا نقدم هدايا للنجمات، وكل مَنْ تظهر بتصميم يحمل توقيع ماركة «بادي أمر»، فهو من مالها الخاص، وتكون قد اختارته لأنه أعجبها فعلا، وتعرف تماما أنها لن ترى له مثيلا في أي من المناسبات التي ستظهر فيها».

ينحدر عمرو من أب عماني وأم إيرانية، لكنه لم يزر أي بلد عربي حتى سن ال15 عشرة، لكنه بحكم عمل والده الدبلوماسي، كسفير لبلاده، تنقل في سنوات الطفولة والصبا، ما بين نيويورك وجنيف وفيينا وواشنطن ولندن، وتعرف على ثقافات متنوعة، واغترف من نبعها من دون هوادة، لكنه ظل متعطشا لجذوره، مدفوعا بفضول نابع من القصص التي كان يسمعها عن الشرق والصور التي تجسدها هذه الروايات والقصص؛ فتثير خياله وتلهب شوقه.

ولا ينفي أنه كان محظوظا، لأن والديه حرصا على أن يحبِّباه في ثقافته، ويعرفانه بفنونها وأدبها وشعرها، ولو من بعيد.

وعندما أسعفه الحظ وتوجه إلى مسقط رأس والده لأول مرة، انبهر بما رآه «كان كل شيء مختلفا عما تعودت عليه عيناي، بدءًا من الروائح إلى المعمار المتأثر بالاستعمار البرتغالي، مرورًا بالألوان والفضيات والأشكال وغيرها. كانت هذه الفترة مهمة في حياتي، لأنني تعرفت فيها، عن كثب، على الثقافة العربية؛ واستطعت أن أتفاعل مع الناس أكثر».

كانت هذه الفترة مؤثرة أيضا على أسلوبه، لكنها لم تجعله يغرق في فولكلورها، المطب الذي من السهل أن يقع فيه أي مصمم شاب.

في المقابل، استطاع أن يترجم هذه الثقافة بأدوات أوروبية متطورة، تدخل فيها الإيحاءات الشرقية بطريقة هادئة جدا، مرة من خلال طيات عند الخصر أو ثنيات عن الكتف، ومرة من خلال إكسسوار فضي صغير، وهكذا كل شيء في تصميماته، كما أن شخصيته تشدك بتفاصيلها الهادئة والذكية، وتبهرك بدفء ألوانها، بدءًا من الفساتين إلى القفاطين، التي تتميز، مثله بعبق الشرق وروح الغرب.

ويفسر عمرو هذه الازدواجية «الصحية» بأنها انفتاح على العالم وعشق للشرق: «فأنا استوحي أفكاري من أماكن عدة من العالم العربي، بما في ذلك نظرة الغرب إلى المنطقة، وآراء إدوارد سعيد ورسومات المستشرق ليوجين ديلاكروا وغيرها.

لوحات كل ما فيه يصرخ بالفخامة والجمال سواء كانت تجسد امرأة تلبس قفطانا، أو قطعة مجوهرات مشغولة بالفضة رأيتها معروضة في أحد أسواق عمان القديمة».

ويضيف بفخر واصفا أسلوبه بأنه مستشرق، لكنه في الوقت ذاته عصري وغير صادم، نظرا إلى تطريزاته وتفاصيله الهادئة .. «فتصميماتي موجهة إلى أشخاص مثلي: عرب يعيشون في أماكن مختلفة من العالم، لكنها أيضا تخاطب الذوق الغربي، والمرأة التي تلبس «بادي أمر» قوية وواثقة ومتفردة، من دون أن ننسى أنها أنثى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهذا ما يلخص المرأة العربية والشرقية في نظري».

ولا شك أن هذا الوصف يشمل والدته الإيرانية الأصل، التي كان لها تأثير كبير عليه وعلى أسلوبه.

فإذا كان والده وعائلته زرعوا فيه حب الخليج والثقافة العربية، فإنها بأصولها الإيرانية هي التي عرفته على الفنان محمود فارشيان، الذي يعشقه وقدم تشكيلته الخاصة بموسمي الربيع والصيف في عام 2007 كتحية له ولفنه.

حبه لهذا الفنان يعود إلى الطفولة «عندما كانت والدتي تقرأ لي الأشعار الفارسية من كتب كانت تتضمن رسومات هذا الفنان الكبير، وهي رسومات تجسد النباتات والورود ونساء جميلات، وكانت تحملني إلى عالم من الفانتازيا، وهذا ما أردت أن أحققه من خلال هذه التشكيلة».

وكانت بالفعل تشكيلة تضج بالحياة والألوان والرسومات من خلال تايورات وقفاطين وأحزمة وإيشاربات وغيرها.

ولا يخفي سعادته وامتنانه لهذا الفنان عندما سمح له باستعمال إحدى لوحاته على فساتينه. فالنتيجة لم تكن لقاء الشرق والغرب فحسب، بل أيضا لقاء الكبار بالشباب، لأن عمرا نجح في تقديم هذا الفنان الكبير لزبونات أصغر من والدته سنا، بالإضافة إلى أن مصمم الأحذية كريستيان لوبوتان أعجب بالفكرة واللوحة، إلى درجة أنه اقترح تصميم مجموعة الأحذية الخاصة بتلك التشكيلة. ومنذ ذلك الحين، والتعاون بين المصممين مستمر، وكل التصميمات التي قدمها لـ «بادي أمر»، وتقدر بـ 100 حذاء، نفدت كلها من نيويورك ولندن. تفسير النجاح

أما تفسيره لنجاحه، فهو أن: «الغرب يقدر البساطة والعملية، وليس أدل على ذلك من إقبالهم وعشقهم للقفطان».

 وهذا العنصر، الجامع بين البساطة والأناقة، هو الذي يحدد أسلوبه، ويلخصه من خلال قماش الجيرسيه وتقنية «الدرابيه»، والأهم تصوره التصميم وتنفيذه على الجسم، معتمدا على تنقية ثلاثية الأبعاد، عوضًا عن رسمها على الورق، ومتأثراً بحبه لفن التصوير الفوتوغرافي لتكون النتيجة دائما تصميما خاصا يحاكي «الهوت كوتير» في تفرده وتقنياته، وليس أدل على هذا أن كل فستان من إبداعه يحمل رقما خاصا.