بسبب حشره بين أسبوعي نيويورك وميلانو .. أسبوع لندن ينتقل إلى «سومرست هاوس»

عمدتها يقدم له 40 ألف جنيه إسترليني لجذب مشترين من السوق الخليجية
عمدتها يقدم له 40 ألف جنيه إسترليني لجذب مشترين من السوق الخليجية

من سبق له حضور أسبوع الموضة بلندن في السنوات الماضية، لا بد وأن يشعر أن هناك تغيرا واضحا وملموسا في الأجواء. التغيير لم يمس تاريخ بدئه من يوم الأحد إلى يوم الجمعة بسبب حشره بين أسبوعي نيويورك وميلانو فحسب، بل أيضا في خيمته التي غابت من ساحة متحف التاريخ الطبيعي، الواقع بمنطقة ساوث كينغستون، التي تحولت إلى مجرد قاعة داخلية أصغر بكثير مما كانت عليه، وكأن المنظمين لا يتوقعون حضور العديد من وسائل الإعلام والمشترين.


لكن ما بشر به الرئيس التنفيذي للأسبوع، هارولد تيلمان، هو أن المكان سيتغير كليا في الموسم القادم، حيث سيصبح لأسبوع لندن «سومرست هاوس» كما لأسبوع باريس متحف «اللوفر»، وهذا بحد ذاته خبر مفرح، لأن «سومرست هاوس» من المعالم البريطانية المهمة في تاريخها الحضاري والفني الذي يعود إلى القرن الثامن عشر.

خطوة مهمة تشير إلى الاهتمام المتزايد بقطاع الموضة، فما لا يختلف عليه اثنان أن أسبوع لندن هو المناسبة التي تنتظرها العاصمة البريطانية على أحر من الجمر أربع مرات في العام، كونه يمثل لها فرصة مهمة لاستعراض مواهب شبابها وإبداعات مخضرميها. وعلى الرغم من كل المتاعب التي تعرضت لها طوال 25 عاما، هو عمر الأسبوع اليوم، فإنه لا يزال يلهب الخيال ويفرخ النجوم، حاملا راية أن الضربة التي لا تقتلك تقويك.

وليس هناك أكثر من لندن تعرف صدق هذا المثل الشعبي، كونها عايشته طوال سنواتها تقريبا، فهي لم تسلم يوما من الجدل، بل وكانت تتعمد خلقه أحيانا لكي تبقى في الواجهة. فهذا الجدل كان سلاحها في وجه إمكانيات نيويورك المادية والدعم التي تتلقاه من المعلنين، وأناقة ميلانو ومكانة باريس التاريخية في عالم الموضة، وهذا الجدل كان أيضا ما يجذب إليها وسائل الإعلام المتطلعة للحصول على صور مجنونة يملأون بها صفحات المجلات والصحف حتى يجذبوا بها القراء، بمن فيهم أولئك الذين لا تهمهم الموضة لا من قريب ولا من بعيد.

وكان مصمموها دائما يلبون ويزيدون، لهذا ليس غريبا أن تبقى العاصمة قوية ومتفائلة، على الرغم من أن كل المؤشرات تشير إلى أن صناعة الموضة في العالم بأجمعه تمر بوعكة مالية وتعاني من تبعات الأزمة المالية. وهذا ما يجعل السؤال الملح يتردد في الذهن طوال الوقت، هو أنه إذا كانت نيويورك، التي تتمتع بدعم كبير من قبل المصممين والممولين، ولم تعان يوما من أية مشكلات مادية تذكر، بدأت تئن تحت وطأة الأزمة المالية العالمية، فما البال بلندن، التي كانت دائما تعاني من هذا الجانب حتى قبل أن تكون هناك أزمة ؟

صحيح أنها تحظى ببعض الدعم من قبل الحكومة، متمثلة في كل من سارة براون، زوجة رئيس الوزراء البريطاني، وعمدة لندن السابق كين ليفنسجتون، الذي اعترف أن صناعة الموضة قطاع مهم، وقبلهما كانت هناك الأميرة الراحلة دايانا، ورئيسة الوزراء السابقة، مارغريت ثاتشر التي احتفلت بالأسبوع وأشادت به، في بادرة غير مسبوقة للمرأة الفولاذية، عندما حقق 4.5 مليون جنيه إسترلينيا من المبيعات في عام 1988، لكنه دعم ظل دائما محدودا.

وربما يكون هذا هو السبب الذي أثار الجدل مرة أخرى عندما قدم عمدتها الحالي، بوريس جونسون، 40.000 جنيها إسترلينيا لاستضافة 30 مشتريا، أغلبهم من دبي ودول الخليج العربي حسبما يقال، كون الشرق الأوسط من أهم الأسواق التي يستهدفها الأسبوع حاليا.

العمدة بوريس برر إقدامه على هذه الخطوة بنجاحها في العام الماضي، حيث نتج عنها توقيع عمليات بيع تقدر بـ13.4 مليون جنيه إسترليني، مما شجعه على تبرير خطوته هذا الموسم، بقوله إن «الموضة، مثلها مثل القطاعات الفنية والإبداعية الأخرى، تلعب دورا حيويا في الحياة اللندنية، وهدفنا هو الحفاظ على سمعتها ومكانتها العالمية كمهد الابتكار والإبداع والعاصمة التي تفرخ المواهب». هذه كانت أيضا رسالة السيد هارولد تيلمان في خطابه صباح يوم أمس قبل انطلاق العروض.

ويأمل المنظمون ألا يتأثر حجم الإقبال، خاصة أن حجم العروض لن يقل عما كان عليه، وإن كان بعض المصممين قد فضلوا تقديم معارض استعاضوا فيها عن العارضات الآدميات بدمى جامدة، على أساس أن الوقت غير مناسب للبذخ وصرف أي أموال إضافية، وأن الابتكار والإبداع هما الأهم. وسيشارك في الأسبوع، الذي تقلص لخمسة أيام فقط، حوالي 58 عرضا رسميا وغير رسمي، ومن المتوقع أن يدرّ على العاصمة حوالي 20 مليون جنيها إسترلينيا، هي حصيلة ما ستحققه الفنادق والمطاعم ووسائل الطيران من دخل، مما يجعل الـ40.000 التي قدمها بوريس جونسون، نقطة في بحر.

بدورها صرحت، هيلاري ريفا، الرئيسة التنفيذية للأسبوع، أن المناسبة لا تقام لمجرد الترفيه، بل هي حيوية للاقتصاد، لما ينتج عنها من توقيع عقود، بين المشترين والمصممين، هذا عدا أن منصات العرض تلهم المحلات الشعبية التي سرعان ما تطرح تصميمات مشابهة بأسعار في متناول اليد، مما يجعل رحى الاقتصاد الوطني تدور.

افتتح العرض المصمم بول كوستيلو في الساعة الـ10 صباحا، مباشرة بعد حفل افتتاح الأسبوع. وعلى الرغم من أنه قال بعد العرض إنه اعتمد في تشكيلته لخريف وشتاء 2009 على مجموعة من الأفكار تتمحور حول «الجوع وتصيد الفرصة والأناقة التجارية» فإن الترجمة كانت أبعد ما تكون عن الجوع، لأنها كانت في غاية الحداثة والأناقة. كل ما فيها مفصل بحرفية عالية تليق بمخضرم يشارك في الأسبوع منذ 15 سنة، بما فيها تلك التي انسابت على الجسم بسخاء على شكل «الترابيز» متجاهلة الخصر ومبتعدة عنه بشبرين أو أكثر. فهذا المصمم عرف كيف يجدد نفسه في كل موسم بروح عصرية مع الحفاظ على القصات التي تميز بها منذ بدايته.

أهم ما ميز القطع التي قدمها تنوعها وتفاصيلها العصرية، خاصة فيما يتعلق بالياقات العالية جدا، التي تكاد أن تخفي نصف الوجه، لكن يمكن ثنيها للحصول على أشكال تعودنا عليها، إلى جانب الجيوب التي أخذت أشكالا نصف دائرية، سواء في المعاطف أو الفساتين الشابة، التي جاء بعضها بأكمام طويلة وأغلبها بنصف كم، على الرغم من أنها موجهة للخريف والشتاء. في البداية تباينت الألوان بين الرمادي والأسود والأحمر الغامق المائل إلى الأرجواني، ثم أنهاها بمجموعة براقة بألوان الذهب والماس والفضة. والطريف أنه صاحبها بأغنية أراد من ورائها تلخيص فلسفته وطمأنة الحضور في الوقت نفسه، وهي أغنية قديمة ومشهورة لدوريس داي يقول مطلعها: «ما سيكون سيكون.. المستقبل ليس بأيدينا ولا مفر منه.. ما سيكون سيكون».

وعلى نغمة أكثر تفاؤلا، استهلت المخضرمة كارولين تشارلز، عرضها بأغنية أيضا قديمة تقول كلماتها: «على نافذتي يغرد عصفور أزرق، وفي السماء يتراقص قوس قزح»، لكن كل ما في التشكيلة جاء لا يمت لألوان قوس قزح بصلة، حيث طغت ألوان البني والبرتقالي المحروق والأسود، فيما تميزت التصميمات بالكلاسيكية والتنوع المضمون.

فعلى الرغم من أنه لم يعرف عن كارولين تشارلز يوما أنها تشطح بخيالها إلى الفانتازيا أو السريالية، فإن هذه المجموعة جاءت واقعية بشكل يختلف تماما عما عودتنا عليه عاصمة الابتكار التي تحول الجنون إلى فنون، ومع ذلك يحسب لها أن كل ما فيها يمكن استعماله بسهولة، وليس ببعيد أن يكون في خزانتك قطع مشابهة له، كل ما عليك أن تعيدي تنسيقها بشكل عصري كما فعلت المصممة بإدخالها جوارب تصل إلى الركبة لجمع بنطلونات مستقيمة أو فضفاضة داخل أحذية عالية الساق، لتمنحنا مظهرا يضج بالحداثة وروح الريف الإنجليزي، وأنهت عرضها أيضا برسالة أمل ظهرت فيها عارضاتها وهن يحملن شموعا مضاءة لتحية الحضور.ش