باريس تحتفل بأسبوعها للخريف والشتاء المقبلين بالهروب إلى الثمانينات

باريس بأسبوعها لخريف وشتاء 2009- 2010   بعد أن جاء أسبوعها للخياطة الراقية الذي احتضنته في شهر يناير  الماضي فقيرا من أي علامات بذخ
باريس بأسبوعها لخريف وشتاء 2009- 2010 بعد أن جاء أسبوعها للخياطة الراقية الذي احتضنته في شهر يناير الماضي فقيرا من أي علامات بذخ

بعد أن اختتم أسبوع ميلانو رسميا، وأصبح كل من أسبوعي لندن ونيويورك ذكرى بعيدة بالمقارنة، ينصب الاهتمام حاليا على أسبوع باريس، مهد الأناقة والموضة، الذي بدأ هذا الأسبوع وسط الكثير من التوقعات والآمال. نعم الآمال معقودة على عاصمة النور والذوق الرفيع، لكي تعيد للأناقة عنصرها الأهم: الأحلام والفانتازيا بعيدا عن الواقع، خاصة إذا كان هذا الواقع لا يسر.


فالتفاحة الكبرى، ولأول مرة، اعترفت خلال أسبوعها أن الأزمة أصابت أوصالها بالخوف، في حين تقبلت لندن الأمر كواقع يجب التعايش معه بشكل أو بآخر، بينما تعرضت ميلانو للكثير من الجدل، وألغي على سبيل المثال، عرض خط «جاست كافالي» لروبرتو كافالي بسبب انخفاض المبيعات، وغيرها من الأمور غير المطمئنة على حال الموضة أبدا.

البداية لحد الآن تبدو متفائلة وأعادت للذهن أن باريس، وعندما يتعلق الأمر بالموضة والأناقة، تبقى دائمة قوية. وما علينا إلا أن نعود بالذاكرة إلى الأربعينات حين وقعت تحت قبضة الاحتلال النازي لسنوات، لكن مبدعيها لم يقعوا، وظلوا صامدين، وبالتالي لم تهتز مكانتها، على الرغم من محاولات عواصم أخرى سحب السجاد من تحب أرجلها على أساس أن الفرصة سانحة. في لغة اليوم، هذا يعني أن الأزمة المالية بدورها لن تؤثر عليها، أو على الأقل هذا ما يأمله كل المهتمين والحاضرين هنا، لا سيما بعد أن أعلنت بيوت أزياء عريقة مثل «هيرميس» و«لوي فيتون» و«ديور» أنها ستعمل جهدها لكي توفق بين الفني والتجاري من خلال عروض مثيرة تليق بمكانتها وتاريخها.

تصريحات من شأنها أن تعيد الكثير من الثقة هي في أمس الحاجة إليها، بعد أن جاء أسبوعها للخياطة الراقية، الذي احتضنته في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، فقيرا من أي علامات بذخ، بما في ذلك عرض «ديور» الذي عادة ما يتحفنا فيه المصمم جون غاليانو بعجائب الفنون وغرائب الجنون مدعوما بالمجموعة المالكة «إلفي.أم.آش».

انطلق الأسبوع يوم الأربعاء بمصممين، نذكر منهم على سبيل المثال، آن فاليري هاش، كريس فان آشي، بمجموعته الخاصة، البريطاني غاريث بيو، فاتيما لوبيز وغيرهم.

عرض آن فاليري هاش، كان الثاني في الترتيب، بعد عرض كورين كوبسون، جسدت فيه أسلوبها الفرنسي الخاص الذي يجمع بين البساطة والرقي ولمسات فنية، فهي قد تعلمت على أيدي كبار المصممين مثل جيانفرانكو فيري عندما كان يعمل في دار «كريستيان ديور»، كما عملت في دور «شانيل»، «كريستيان لاكروا» و«نينا ريتشي» قبل أن تطلق خطها الخاص في عام 2001. لموسمي الخريف والشتاء قدمت الكثير من التفاصيل المعدنية التي جعلت أقمشة مثل التويد والتول والحرير تكتسب لمعانا جذابا.

كما قدمت الكثير من القطع المفصلة مثل التنورات والبنطلونات، والفساتين ذات الكشاكش المتعددة. وللمساء قدمت توليفة رائعة من الألوان والقصات أيضا تلمع بالمعادن، وكأنها تريد أن تغطي بها على قتامة الوضع المالي. لكن كل قطعة اختالت بها العارضات على المنصة، تفسر سبب إقبال جميلات هوليوود من مثيلات نيكول كيدمان وكايت هادسون وكايت بلانشيت على تصميماتها. لكن يمكن القول إن الدورة بدأت صباح يوم الخميس بمجموعة «بالنسياجا»، فهي التي يترقبها عشاق الموضة لمعرفة إلى أي اتجاه سيكون عليه حال الموضة في المواسم القادمة، فنظرته المستقبلية لا تنعكس على تصميماته المستقبلية فقط، كما تعرف أية أنيقة.

العرض كان أيضا مثيرا لسبب آخر، وهو أن النجمة سلمى حايك حضرته مع زوجها فرانسوا هنري بينو، الملياردير المالك لمجموعة «بي.بي.آر» التي تنضوي تحتها بيوت أزياء مثل «غوتشي» و«بالنسياجا». وكانت النجمة قد تزوجت المليادير في يوم الحب، وتعتبر «بالنسياجا» من الماركات التي تفضلها، عدا أنها تكنّ لها مكانة رومانسية في قلبها. ففي عرض الدار في الموسم الماضي رجعت المياه بينهما إلى مجاريها بعد انفصال قصير. عندما خفت الضجة وبدأ العرض كان واضحا أن مزاج مصممها المبدع، نيكولاس غيسكيير، تغير، وكأنه لا يريد أن يرى المستقبل.

ما قدمه أول من أمس كان كلاسيكيا بالمقارنة مع مفهومه للإبداع، ركز فيه على الطيات وعلى الأقمشة الناعمة التي تتحرك وتلمع مع كل حركة. بعبارة أخرى غابت التصميمات المحددة عند الأكتاف والمحسوبة عند كل جزء من الجسم، وحلت محلها نعومة أراد منها مصممها أن «ترطب» الأجواء وتخفف من قساوتها وصرامتها، ونجح في ذلك، خاصة أن الألوان التي اختارها كانت بدرجة تشير إلى أن بداخله رساما مبدعا. ل

كن إذا كان غيسكيير قد رحل إلى الستينات أو غرف من أرشيف المؤسس كريستوبال بالنسياجا، عاشق الشرق وبالذات الهند، فإن مبدعا آخر هو كريستوف ديكارنين، نقلنا إلى الثمانينات، الفترة التي تميزت ببريقها ومبالغاتها، التي بمنظور اليوم هي أقرب إلى عدم الذوق منها إلى الذوق. ل

كن المصمم الذي أعاد البريق لدار «بالمان» أعاد إلينا أيضا بريق الحقبة التي لمعت فيها الدار، من خلال تطريزات وخرز وكريستال وغيرها على فساتين قصيرة أو كورسيهات أو بنطلونات فضفاضة، عدا عن الأكمام المنفوخة ذات الكتافيات الصارمة التي تعيد للذهن مسلسل «دالاس» أو «ديناستي».

لم تكن التفاصيل والإضافات وحدها التي تصرخ بثقافة الثمانينات، فحتى بنطلونات الجينز كانت ضيقة جدا، كل شيء في التشكيلة، لافتة ومرصعة بأحجار الكريستال حتى تكاد تحسب نفسك في عرض لشواروفسكي وليس لدار «بالمان». ل

كن ديكارنين أكد أنه يفهم السوق، والدليل أنه حقق للدار الكثير من النجاحات والأرباح منذ التحق بها، وعلى الرغم من أنه لا يمكننا القول إنه بهذه التشكيلة قدم إبداعا جديدا أو ثوريا، لكن يمكن القول إنها ستبيع، خاصة بنطلون الجينز الأسود الأنبوبي المرصع بالكريستال، الذي يلعب فيه على ورقة رابحة، فقد سبق له أن طرح في الأسواق في بداية الموسم الحالي بنطلون جينز ضيق بسعر لا يقل عن 1000 جنيه إسترليني، ومع ذلك نفد من الأسواق في غضون أيام.

ما أكده المصمم أول من أمس، أنه أولى بنا أن ننسى الأزمة المالية، مما يفسر مغازلته لشريحة تتجاهلها أيضا، أو ربما فقط تجهلها ولم تسمع بها، لأنها أصلا لم تتأثر بها.

في الساعة السابعة من مساء نفس اليوم، كان الموعد مع «نينا ريتشي» موعدا مختلفا تماما، لأن الشائعات كانت قوية بأننا قد نرى آخر تشكيلة سيقدمها المصمم الشاب أوليفييه تيسكينز، للدار. والسبب، كما يقول البعض، أن المجموعة الإسبانية المالكة «بوتش» لم تكن راضية عن أرقام المبيعات التي حققتها تشكيلته الأخيرة، وطلبت منه إجراء تعديلات على تصميماته لجعلها أسهل من الناحية التسويقية، عوضا عن أن يركز على الجانب الفني أكثر.

وإذا صح الخبر، فإن المصمم لم يف بالشروط المطلوبة منه وفضل الفني على التجاري، مرتكبا عملية انتحارية في وقت لم يعد يتحمل الفني وحده.

وتجدر الإشارة إلى أن تيسكينز التحق بـ«نينا ريتشي» في عام 2006 مخلفا «لارس نيلسون»، وكان قبلها في دار «روشا» قبل أن تغلق أبوابها، على الرغم من أنه حقق لها نجاحا يحسب له، ونال رضى رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية، آنا وينتور، التي دعمته بكل قواها.

وعلى الرغم من أن الخبر مجرد شائعات، فإن الكل بدأ يؤول كل حركة وكل لون وكل قصة وطية قدمها في عرضه على أنها قبلة الوداع. كعادته قدم أوليفييه تشكيلة رومانسية، لكن بترجمة جديدة غلب فيها المستقبلي على الكلاسيكي، بصرامتها وخطوطها المحددة، وكأن المصمم لم يكن في مزاج يسمح له بأن يكون رومانسيا وعاطفيا. لا شك أن التشكيلة كانت قوية، لكن يمكن قراءة شيء من الغضب والتحدي فيها، ربما بسبب الأكتاف المحددة والقوية والأحذية العالية والمكياج القوطي.

أما يوم أمس، الجمعة، فقد تغيرت النغمة وأفاق عالم الأناقة على عروض شيقة أعادت للموضة دورها الحقيقي في بيع الأحلام بتقديم الجمال وشتى الإغراءات، والفضل في هذا يعود إلى عرض دار «كريستيان ديور»، التي عودنا فيها البريطاني غاليانو على السريالية والفنية، والمخضرمة فيفيان ويستوود، التي لم يقتصر الفضول لحضور عرضها على معاينة المدى الذي سيصل إليه جنونها هذه المرة فحسب، بل أيضا لمشاهدة النجمة المثيرة للجدل، باميلا اندرسون وهي تختال على المنصة كعارضة أزياء.