عدوى دراما «أنجارو» تنتقل إلى «سيلين»

أذا كانت التوقعات بالنسبة لأنجارو هي الفشل حتى قبل عرض التشكيلة، فإنها كانت بالنسبة لسيلين توقعات بالنجاح، أيضا حتى قبل مشاهدة التشكيلة
أذا كانت التوقعات بالنسبة لأنجارو هي الفشل حتى قبل عرض التشكيلة، فإنها كانت بالنسبة لسيلين توقعات بالنجاح، أيضا حتى قبل مشاهدة التشكيلة

بعد الضجة التي أحاطت بعرض دار «إيمانويل أونغارو»، وبعد ساعات طويلة من ردود الأفعال بين متعاطف ومهاجم، بسبب ما قدّمته مصممتا الدار الجديدتان، الإسبانية إيستريلا أرشز والنجمة الشابة ليندسي لوهان، بدأ الاهتمام المبالغ فيه بالنجمة وما قدّمت، يخف بالتدريج مع مرور الوقت.


ليسترجع «أسبوع باريس» بعضا من توازنه وعقلانيته إلى حد ما، على الأقل، من ناحية حصول المصممين وأزيائهم، على حقهم من الاهتمام.

المصمّم حسين تشالايان، اختار بناية قديمة تعود إلى القرن الثالث عشر، هي كوفون دي كورديلييه، ليقدم كعادته فكرة تحكيها الأزياء وليس مجرد تصاميم عادية، تشالايان ذهب إلى أبعد من هذا، خوفا من ألا تفهم هذه الفكرة.

وأخذ على عاتقه شخصيا مسؤولية شرحها للحضور، مع كل قطعة تظهر بها عارضة، وهذه طريقة كانت تستعمل في بداية القرن الماضي في عروض الأزياء وجسّدها المصمم أحسن تجسيد بارتدائه بذلة «توكسيدو» من إبداع إيف سان لوران.

خلاصة فكرته، كما ترجمتها أزياؤه، هي أن الكسل والحياة المرفهة أصبحا عنوان الحياة العصرية، ومن هنا كان اللونان الأبيض والأزرق النيلي الغالبين على مجموعته التي تستحضر البحر ورحلات الاستجمام على ظهور اليخوت، سواء من حيث التايورات أو الفساتين الطويلة التي تعقد وراء العنق، بينما ترك التنورات المستقيمة مفتوحة حتى تظهر من تحتها ملابس البحر.

كان العرض مسكونا بالحنين إلى الخمسينات من القرن الماضي، وما زاد من قوة هذا الإحساس، إلى جانب قبعات الرأس والأزياء طبعا، أن العارضات كن بأحجام أبعد ما تكون عن «الأنوركسية» الناحلة، بل تماما، مثل مارلين مونرو.

من جهته، أخذنا دريز فان نوتن في رحلة من نوع آخر، رحلة اختزل فيها نكهة مدن مختلفة مثل باريس وطوكيو وسمرقند وكلكتا .. ليخلق توليفة رائعة من الألوان والأساليب كانت الأقمشة الغنية من حرير وبروكار وغيرها هي أداته في التعبير عنها.

ومما لا شك فيه أن الأسلوب كان باريسيا في أناقته، أما الروح فكانت «إثنية» في الكثير من التفاصيل بدءا من حيوية الألوان إلى صخب النقوش وطريقة غزل الأقمشة ورسمها، وللعلم من الأقمشة ما استورده من أوزبكستان ومنها ما طلبه من سومطرة أو بالي في إندونيسيا، أو من الهند واليابان والصين.

الحقيقة أن هذا ليس جديدا على فان نوتن، الذي بنى سمعته واسمه على «شطحاته الإثنية»، لكن الجديد هو براعته في استعمال الأقمشة والتحكم فيها لتخدم الجسم بشكل باريسي محض.

مثل فستان ملفوف حول الجسم على طريقة لف «الساري» .. يمكن أن يليق بأجمل حفل كوكتيل من دون أن يتبادر إلى الذهن، ولو للحظة، أنه مستوحى من الزي الهندي.

نهاية اليوم الحافل كتبتها سونيا ريكييل، التي حوّلت محلها الواقع بمنطقة «سان جيرمان» الباريسية إلى «ديسكو» من الثمانينات تناثرت في أرضيته وعلى جوانبه دوائر من فضة لتتناسق مع الثريات المستديرة والضخمة باللون نفسه التي تضيء المكان.

خلال العرض، لم تتثنَ العارضات أو يمشين بخطوات محسوبة وأنظارهن جادة مصوبة إلى الأمام، بل رقصن وتلوَين وهن يداعبن الحضور بين الفينة والأخرى، في أزياء لا تقل مرحا وشقاوة .. سواء من حيث ألوانها أو من حيث تصاميمها.

وبالرغم من أن التشكيلة موجهة للربيع والصيف، فإن المصممة المخضرمة التي تحتفل هذا العام بعامها الـ79، لم تتخلَ عن ماركتها المسجلة، ألا وهي الأزياء المغزولة بالصوف.

وعوض الاستغناء عنها لصالح أقمشة خفيفة ومنعشة، استعملت فيها الكثير من التطريز، وجعلتها أكثر قربا من الجسم لتعانقه من خلال تنورات قصيرة أو «شورتات» نسقتها مع كنزات على شكل جاكيتات .. حددتها أحيانا بأحزمة.

الصوف لم يكن هو الخامة الوحيدة في هذه المجموعة، حيث كانت هناك فساتين كوكتيل رائعة من الحرير والموسلين، شابة تعكس روح هذه المصمّمة المبدعة التي لم تنسها السنين الثقيلة أنها كانت في يوم ما صبية تحب أن تمرح وتلعب وترقص .. والأهم من هذا، أن تبدو متألقة وأنيقة في كل المناسبات والأماكن.

أما البشرى لمن لا تستطيع لهذه التشكيلة سبيلا، أن المصممة ستطرح قريبا تشكيلة لمحلات «اتش أند إم» السويدية، ولن تكون أقل مرحا وأناقة .. وإن كانت ستكون أدنى سعرا بكثير.

من ناحية أخرى، إذا كان يوم الأحد هو يوم ليندسي لوهان ودار أنجارو، فإن أمس الاثنين كان يوم المصممة الشابة فيبي فيلو ودار «سيلين» الفرنسية العريقة، مع فارق كبير في نوعية الاهتمام.

فبينما كانت التوقعات بالنسبة للأولى هي الفشل حتى قبل عرض التشكيلة، فإنها كانت بالنسبة للثانية توقعات بالنجاح، أيضا حتى قبل مشاهدة التشكيلة، ذلك أن مصمّمة الدار الجديدة، كانت ولا تزال محبوبة محرّرات الموضة ومحرريها في دار «كلوي».

فيبي فيلو، خلفت منذ حوالي سنة تقريبا الأوكرانية إيفانا أوماجيك، كمصمّمة فنية لدار «سيلين»، وقوبل الخيار بحرارة من قبل أغلبية المهتمين، باعتبارها واحدة من أهم المصممات الشابات في الساحة حاليا.

ومن أهم انجازاتها ما حققته سابقا لدار «كلوي» من تألق إلى حد أنها نجحت في ما لم ينجح فيه لا كارل لاغرفيلد ولا ستيلا ماكارتني، اللذان عملا في «كلوي» من قبلها.

دار «سيلين» تحلم أن تستعمل هذه الشابة البريطانية لمستها «الميداسية» وتحقق لها النجاح الذهبي ذاته الذي راوغها منذ أن تركها الأميركي مايكل كورس قبل بضع سنوات لتتفرغ لعائلتها الصغيرة.

وأول هذه المطالب نقل استديو العمل من باريس إلى لندن، وثانيا إلغاء الدار لعرضها في الموسم الماضي لكي تمنحها وقتا أطول للتأقلم ودراسة أرشيفها، ومن ثم تقديم ما يليق باسمها وسمعتها.

لكل هذا لم يكن غريبا أن تكون كل الأعصاب مشدودة والأعناق مشرئبة والعيون مصوّبة على منصة العرض للتمتع بما ستجود به فيبي على الجمهور الذواق.

وحقا، ما جادت به فيبي كان ليلبي كل ما ترغب فيه أية أنيقة، فساتين كوكتيل، ومعاطف أنيقة نسقتها مع فساتين ناعمة مطرّزة بالأحجار شبه الكريمة، ومعاطف على شكل شالات طويلة بـ«البيج» أو الأسود، وبنطلونات مستقيمة وضيقة، قمصان بأكمام قصيرة، وجاكيتات من التويد قصيرة بسحّابات تزيدها حيوية وشبابا.

ليس التنوع والأناقة كل ما يُحسب لهذه التشكيلة، بل كان الاهتمام بكل التفاصيل، وليس أدل على ذلك من أن طول بعض القطع جاء من الخلف أعلى ببضعة سنتيمترات منه في الجزء الأمامي أو العكس، وذلك لكي تأتي القطعة متوازنة مع ما تتطلبه انحناءات الجسم وتعرجاته، فضلا عن أنها في اختيارها للأقمشة ودرجات الألوان كانت جدّ موفقة في هدوئها، لأن هذا الهدوء أضفى عليها الكثير من الرقي.

تجدر الإشارة إلى أن دار «سيلين» أسّست على يد سيلين فيبيانا، التي تبلغ اليوم من العمر 88 سنة، على شكل محل لبيع أحذية الأطفال عام 1945، وبلغت أوجها كدار أزياء عالمية في عهد الأميركي مايكل كورس، لكنه رغم نجاحه فيها، قرّر أن يتركها ليتفرّغ لخطه التصميمي والإنتاجي الخاص في عام 2004، ومنذ ذلك التاريخ والدار تتخبط في الظلام بحثا عمّن يفهم ثقافتها وروحها.

لهذا ليس غريبا أن تعقد آمالها على فيبي فيلو، التي تخرّجت في معهد سانت مارتنز للتصميم والفنون المرموق في لندن. ومما يذكر أنها في هذا المعهد التقت بزميلة هي.. ستيلا ماكارتني، وسرعان ما ربطت بينهما صداقة امتدّت إلى ما بعد الدراسة.

وعندما حصلت ستيلا على وظيفة مصمّمة فنية لدار «كلوي» بعد التخرج مباشرة، استعانت بصديقتها، التي عملت معها هناك لمدة أربع سنوات، ونجحتا معا في تغيير صورة الدار «العتيقة» وحقنها بجرعات شابة وحيوية.. نقلتها إلى مرحلة جديدة في غضون بضع سنوات فقط.

وفي عام 2001، عندما تركت ستيلا الدار لتتفرّغ لخطها الخاص ضمن مجموعة «غوتشي»، كانت فيبي هي الخيار الوحيد والأفضل.

مع أنه حينئذ أثير الكثير من اللغط عن أن العلاقة بين الصديقتين توترت بسبب الغيرة المهنية، خصوصا، مع زيادة مبيعات «كلوي» في عهدها.

وفي عام 2006، حين غادرت فيبي الدار لتتفرّغ لطفلتها، بلغت مبيعات الدار لتلك السنة أكثر من 200 مليون جنيه إسترليني.