جهود علمية للبحث عن حلول جذرية لمرض الدرن "السل"

أكثر من ثلث سكان الأرض يقعون ضحية  لمرض السل
أكثر من ثلث سكان الأرض يقعون ضحية لمرض السل

قدرت منظمة الصحة العالمية عدد المصابين بالدرن (السل) الرئوي في نهاية عام 2007 بنحو ملياري شخص حول العالم، بينهم 23 مليون مريض بالدرن النشط، إضافة إلى مليوني يقضون نحبهم جراء الإصابة بالمرض سنويا؛ معظمهم من مواطني دول العالم الثالث، كضلع من أضلاع مثلث أمراض الفقر «الدرن والإيدز والملاريا».


وأكدت المنظمة في تقريرها أن مريضا جديدا يضاف كل ثانية إلى جداول المصابين حول العالم، وأن ما يوازي نحو 9 ملايين مريض يضاف سنويا إلى قائمة المرضى.

واتفقت مع ذلك تقارير إحصائية أخرى، صادرة عن جهات عالمية مختلفة، في أن نحو ثلث سكان الأرض أصيبوا - بصورة ما - بالمرض في فترة من فترات حياتهم.

أشار آخر تقارير المنظمة الأممية الصادر في نهاية عام 2009 بهذا الشأن إلى تناقص معدلات الإصابة العالمية، على الرغم من زيادة الرقم الخاص بعدد المصابين نتيجة لزيادة عدد سكان العالم.

وأكدت المنظمة أنها تهدف إلى تضافر الجهود العالمية من أجل تقليص عدد المصابين بالمرض، والمتوفين جراء الإصابة به، بنسبة 50% بحلول عام 2015، ثم القضاء عليه بصورة نهائية في موعد غايته عام 2050.

وكان العالم قد احتفل بيوم الدرن الرئوي في يوم 24 مارس (آذار)، الذي يوافق يوم إعلان البروفسور روبرت كوخ عن اكتشافه للميكروب المسبب للدرن في عام 1882، وهو المناسبة التي يستغلها العلماء حول العالم للإعلان عن كل ما هو جديد فيما يخص هذا المرض.

أبحاث جديدة
وأعلن باحثون أستراليون في معهد مئوية سيدني، أكبر هيئة علمية أسترالية مهتمة بدراسة الدرن، تحت إشراف البروفسور نيك ويست، عضو هيئة التدريس بالمعهد، أنهم بصدد تصنيع عقار جديد قد يسهم في القضاء نهائيا على الدرن، في حال نجاح التجارب، حيث إن هذا العقار يساعد في علاج الحالات الكامنة للدرن.

والحالات الكامنة، أي المصابة دون ظهور الأعراض عليها (حاملة الميكروب)، هي الخطر الحقيقي الذي يواجه العلماء في سبيل القضاء على المرض، إذ إنهم يعتبرونها المستودع الحي الذي ينقل المرض بين التجمعات البشرية دون أن يتم تشخيصهم أو ملاحظتهم.

إلى ذلك، أعلن علماء معاهد جون هوبكنز الطبية الأميركية عن نجاحهم في التوصل إلى وسيلة جديدة، لا تزال تحت الاختبار، لمهاجمة ميكروب الدرن عن طريق عقار يثبط من وظيفة أحد البروتينات الحيوية التي يحملها الميكروب.

ويشير التقرير الذي نشر في شهر فبراير (شباط) الماضي في دورية الكيمياء والأحياء، إلى أن فريق العمل بقيادة البروفسور جان ليو، أستاذ العقاقير الطبية وعلوم الجزيئات بجامعة جون هوبكنز، نجحوا بعد اختبار أكثر من 175 ألف مادة في المختبر، في التوصل إلى مركب كيميائي يثبط من عمل إنزيم يدعى «MetAP» له دور أساسي في الوظائف الحيوية للميكروب.

وعلى صعيد متصل، أطلق الاتحاد العالمي لتطوير علاجات الدرن مبادرة عالمية تدعى «المسار الحرج لأنظمة علاجات الدرن CPTR» نهاية الأسبوع الثاني من مارس الماضي، بالتعاون مع منظمة الغذاء والدواء الأميركية، تهدف إلى سرعة المصادقة على العلاجات المستحدثة وإجراء التجارب الخاصة بهذه العقاقير بشكل دولي، مما يقلل من التكلفة الفعلية المستهلكة للتجارب من مليارات الدولارات إلى خانة الملايين فقط، وتقليل الوقت المستخدم للتجربة من 24 عاما في المتوسط إلى 6 أعوام فقط، ويوفر المزيد من التمويل لبرامج العلاج ذاتها، بحسب ما ذكر ميلفان سبيجلمان رئيس الاتحاد.

لقاح جديد
وفي سياق ذي صلة، أعلنت الحكومة البريطانية في 23 مارس (آذار) الماضي عن تمويلها لمؤسسة «إيراس» العالمية للتلقيح ضد الدرن، بثمانية ملايين جنيه إسترليني، في إطار دعمها واهتمامها الجادين بجهود مكافحة المرض القاتل، الذي يعتبر السبب الثاني للوفاة عالميا من جراء الإصابة بالأمراض الوبائية بعد مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، كما أنه السبب الأساسي في وفاة مرضى الإيدز في أفريقيا.

وتأتي الخطوة البريطانية إيمانا بالحاجة إلى لقاح جديد بدلا من اللقاح المتوافر حاليا (الـ«BCG»)، الذي يرى العلماء أنه أصبح لا يوفر الحماية الكافية ضد مرض الدرن الرئوي لدى كبار السن، كما أنه غير صالح للاستخدام في الأطفال المرضى بنقص المناعة المكتسبة.

عوضا عن أن دراسة إحصائية أخرى، نشرتها دورية طب المجتمع «Epidemiology and Community Health» في عدد منتصف مارس الماضي، أقرت بتزايد انتشار مرض الدرن الرئوي بين نزلاء السجون البريطانية بصورة غير مسبوقة بناء على بيانات تم جمعها في الفترة بين عامي 2004 و2007، حيث وصل عدد الحالات المؤكدة بين المحتجزين إلى ما يفوق الـ30 ألف حالة.

واللقاح الجديد الذي تسعى «إيراس» لإنتاجه (402 - Aeras) تم تجربته، أوليا، بنجاح في جنوب أفريقيا، إحدى دول الكومنولث سابقا ومعقل لا يُغفل لمرض الدرن، كما نشرت الدورية الأميركية للرعاية التنفسية والحرجة في عدد منتصف مارس (آذار) دراسة قام بها علماء المبادرة الجنوب أفريقية للقاح الدرن تحت إشراف البروفسور ويليام هانيكوم.

ويعتمد اللقاح على ميكروب للدرن أُضعِف مختبريا، حتى يفقد القدرة على التكاثر أو الإصابة بالمرض، ثم أضيفت له بعض المكونات التي تقوي رد فعل الجهاز المناعي ضده.

وعلى الرغم من تشابه الفكرة مع اللقاح القديم، الـBCG، من حيث إنه أيضا ميكروب تم إضعافه، فإن اللقاح الجديد يقوم باستنفار الجهاز المناعي بصورة أكبر، مما يعني وقاية أطول وأفضل للمتلقي، كما أنه آمن في كبار السن بصفة عامة، في إطار التجارب الجارية حسبما يذكر هانيكوم.

ولفتت أبحاث وكالة الصحة العامة ببرشلونة التي نشرت بدورية أبحاث التنفس في عدد مارس (آذار) الماضي، إلى أن الأشخاص فوق سن الخمسين وأولئك المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة هم الأكثر عرضة للوفاة في حال الإصابة بالدرن.

كما أشارت الدراسة، التي أشرف عليها الباحث خوان كايلا، إلى أن إهمال العلاج أو عدم استكمال «الكورس» العلاجي حتى نهايته أمر غاية في الخطورة للشخص ذاته وللمحيطين به وللمجتمع كله بصورة عامة، وتهتم إسبانيا بمرض الدرن بصورة كبيرة نظرا لكونه مرضا متوطنا في مناطقها الريفية، ويؤثر تأثيرا عميقا على اقتصادها.

تعريف ابن سينا
ومما يذكر أن وكالة الصحة العامة ببرشلونة تشارك بصفة رئيسية في جهود الأبحاث الدولية المبنية على التجارب الإكلينيكية على المرضى المتطوعين، الخاصة بمرض الدرن، كممثل للاتحاد الأوروبي على مدى السنوات العشر المقبلة فيما يدعى اتحاد التجارب الخاصة بالدرن «TBTC»، والذي وصلت ميزانيته البحثية إلى نحو 90 مليون دولار حتى الآن لإيجاد عقاقير أكثر فاعلية ضد الدرن.

ومرض الدرن، الذي كان العالم العربي ابن سينا أول من عرّفه بالمرض المُعْدي في مرجعه الفذ «القانون في الطب» عام 1025 ميلاديا، ينتج عن الإصابة بنوع خاص من البكتيريا تدعى Mycobacterium Tuberculosis، وهي بكتيريا عصوية الشكل ذات غلاف شمعي التكوين، تهاجم الرئتين في معظم الأحيان ولكنها قد تهاجم الجهاز الهضمي أو أجهزة الجسم الأخرى.

وتنتقل العدوى بالأساس عن طريق الرذاذ أو الحليب غير المبستر. وتمر معظم الإصابات دون أعراض تذكر (إصابات كامنة)، ولكن 10% من هذه الإصابات الكامنة قد تتحول إلى الصورة النشطة التي قد تقتل بدورها نصف عدد المصابين.

وأعراض الإصابة الرئوية النمطية هي السعال المزمن (أكثر من أسبوعين)، مصاحب ببصاق مصحوب بالدم، وارتفاع في درجة الحرارة وزيادة كمية التعرق ليلا، مع فقدان غير مبرر للوزن.

ويعتمد التشخيص بالأساس على أشعة الصدر واختبار الحساسية «تحت الجلد»، إلى جانب منظار الرئة واختبارات الدم ومزرعة الميكروب.

ويحتاج العلاج عن طريق العقاقير إلى فترة علاجية مطولة من المضادات الحيوية للمريض ومخالطيه (الإيجابيين) على السواء، تستمر ما بين 6 و 24 شهرا.

وأكثر المضادات الحيوية شيوعا في الاستخدام هي تلك التي تحتوي على مركبات الريفامبسين أو الأيزونيازيد، ولكن تنامي حالات الدرن المقاوم للعلاج أصبح أمرا مقلقا للعلماء.

وترتكز مكافحة المرض على لقاح الـBCG، رغم أن فاعليته صارت محل جدل، ومحاولة تجنب مخالطة المرضى والأماكن المزدحمة.

وهناك بعض عوامل المخاطرة التي تزيد معها الإصابة بالدرن مثل الإصابة بداء الرئة الصواني (السيليكوزيس)، والسكري، والإيدز، وإدمان المخدرات، والتدخين الشره، واستخدام الكورتيزون لفترات طويلة، كما يزداد معدل الإصابة بين الأشخاص النباتيين، إلى جانب بعض الأمراض السرطانية.