تفاقم أمراض العصر «الاستقلابية» .. عوامل خطر تهدد صحة الإنسان

انصب اهتمام خبراء الطب والصحة في السنوات الأخيرة، على تجمع عوامل خطر معينة، لأنها غالبا ما تحدث بالتزامن بعضها مع بعض، فهناك، على سبيل المثال، نحو 26 في المائة من البالغين في العالم تحت سن 60 عاما، معروفون بأن لديهم على الأقل ثلاثة من خمسة عوامل خطر بما في ذلك معايير متلازمة الأيض (الاستقلاب) الغذائي.


ورغم تفشي الكثير من عوامل الخطر هذه، فإنها جميعها لا تعامل معاملة متساوية، فبعض عوامل الخطر تعتبر عوامل خطر «تقليدية»، بما في ذلك ضغط الدم، الدهون المنخفضة الكثافة (الكولسترول الضار) وسكر الدم، التي غالبا ما يقوم الأطباء بتقييمها والتعامل معها.

البعض من عوامل الخطر يكون واضحا (ظاهرا) مثل السمنة في منطقة البطن، انخفاض الدهون العالية الكثافة (الكولسترول الحميد)، ارتفاع الدهون الثلاثية، ازدياد مقاومة الأنسولين، والعلامات المثيرة للالتهابات مثل «أديبونكتين» (adiponectin) والبروتين الرجعي «C-reactive protein» الذي، تاريخيا، لم يلق اهتماما كافيا.

تتكون عوامل الخطر من أخطار خاضعة للتعديل ومن الممكن أن تعرض الناس للإصابة بالسكري - النوع الثاني، وأمراض القلب.

وقد حدد الكثير من هذه العوامل إكلينيكيا في مجموعات. وعوامل الخطر ليست الأمراض في حد ذاتها ولكنها مجموعة من الاضطرابات التي يمكن لها منفردة أو مجتمعة أن تزيد من خطر التعرض لأمراض القلب والسكري.

عوامل الخطر تشمل عوامل ناشئة وأخرى تقليدية

أولا: العوامل الناشئة، وتشتمل على:
- السمنة في منطقة البطن (دهون زائدة في البطن).

- انخفاض مستويات الدهون العالية الكثافة (الكولسترول الحميد).

- ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية (شكل من الدهون الموجودة في الدم).

- مقاومة الأنسولين (عدم استطاعة الجسم الاستجابة والاستخدام الصحيح للأنسولين).

- الالتهابات (مستويات منخفضة من أديبونكتين أو ارتفاع مستويات البروتين الرجعي «CRP»).

ثانيا: العوامل التقليدية، وتشتمل على:
- ارتفاع في سكر الدم (داء السكري).

- ارتفاع في ضغط الدم (الضغط المرتفع(.

- ارتفاع في مستويات الدهون المنخفضة الكثافة (الكولسترول الضار(.

السمنة المفرطة
السمنة المفرطة داخل البطن، وهي من العوامل الناشئة، تقاس السمنة، تقليديا، بواسطة مؤشر كتلة الجسم.

إلا أن النتائج الحديثة أظهرت أن السمنة في منطقة البطن هي أفضل للتنبؤ بالجلطة القلبية من مقياس مؤشر كتلة الجسم.

وأصبح من الواضح، في السنوات الأخيرة، أن توزيع الدهون أمر مهم عند تقدير أخطار السمنة.

وترتبط السمنة داخل البطن أو تراكم الأنسجة الدهنية في البطن بعوامل خطر أخرى غير عوامل الخطر المعروفة مثل زيادة مستوى الدهون الثلاثية وسكر الدم.

وكشفت الأبحاث أن الأنسجة الدهنية ليست فقط مخازن للدهون، ولكنها غدد صماء نشطة تقوم بإطلاق مواد كيميائية ومواد أخرى للجسم، ومعروف أن هذه المواد تؤثر على عملية «الاستقلاب الغذائي» في الجسم وعلى نظام الأوعية الدموية القلبية.

إن إطلاق هذه المواد الكيميائية والمواد الأخرى يمكن أن يسهم في تفاقم عوامل الخطر مثل ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية ومستويات سكر الدم، زيادة في مخاطر تعرض الشخص للإصابة بمرض السكري والأمراض القلبية.

قلة الكولسترول الحميد
انخفاض الدهون العالية الكثافة .. الكولسترول: يتكون ثلث إلى ربع كولسترول الدم من الدهون العالية الكثافة (الكولسترول الحميد).

ويفترض الخبراء أن المستويات العالية للكولسترول العالي الكثافة تحمي الأفراد من الإصابة بالجلطة القلبية، إذ يظهر أنها تحمل الكولسترول الضار بعيدا عن الأوعية الدموية وتعيده إلى الكبد، حيث يتم التخلص منه إلى خارج الجسم.

وبعض الخبراء الآخرين يعتقدون أن هذا الكولسترول الحميد يزيل الكولسترول الزائد من الصفائح الدموية في الأوعية الدموية، وبهذا فهو يبطئ من عملية تراكم هذه الصفائح.

وقد يؤدي التدخين والوزن الزائد وقلة الحركة إلى انخفاض في الكولسترول العالي الكثافة.

الدهون الثلاثية
ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية دهون الدم الثلاثية هي أكثر الدهون شيوعا في الجسم. وتأتي الدهون الثلاثية من الغذاء وأيضا يقوم الجسم بتصنيعها.

وغالبا ما يعاني الأشخاص الذين لديهم ارتفاع في مستويات الدهون الثلاثية من ارتفاع في مستويات الكولسترول المنخفض الكثافة.

والأشخاص المصابون بالسكري أو الذين يعانون من السمنة هم غالبا ما يعانون من ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية.

الالتهابات
- مستويات منخفضة من «أديبونكتين»: في السنوات الأخيرة، تم التعرف على أن الأنسجة الدهنية مسؤولة عن إطلاق عدد من الجزيئات التي تسمى «أديبوكاينز» في الجسم التي تستطيع التأثير سلبيا على جهاز الأوعية الدموية وبالنتيجة تؤدي إلى زيادة مخاطر السكري النوع الثاني وأمراض القلب.

أحد أهم عناصر «أديبوكاينز» هو «أديبونكتين»، الذي يؤثر على قابلية الجسم للاستجابة لاستخدام الأنسولين المنتج داخل الجسم ضامنا بذلك عدم زيادة مستويات السكر في الدم التي تسبب مرض السكري، النوع الثاني.

وترتبط المستويات المرتفعة من «أديبوكاينز» مع انخفاض وزن الجسم وتحسن في مستوى الحساسية للأنسولين. أما المستويات المنخفضة لـ«أديبونكتين» فترتبط بزيادة مخاطر تعرض الأوعية الدموية القلبية للخطر.

- مستويات عالية من البروتين الرجعي («سي ريأكتيف» بروتين «CRP»): أظهرت الدراسات أن انخفاض مستويات «أديبونكتين» مرتبط بمستويات مرتفعة من البروتين الرجعي.

البروتين الرجعي هو بروتين بلازمي يفرزه الكبد ويستخدمه الأطباء غالبا كعلامة على الالتهاب وتفاقم المرض.

وعملية الالتهاب هي العملية التي من خلالها يستجيب الجسم للإصابة بجرح وتكون زيادة مستوى البروتين الرجعي من خلال عملية الالتهاب.

وأظهرت الدراسات العلمية أن مخاطر التعرض للجلطة لها علاقة طردية مع ارتفاع مستوى البروتين الرجعي (CRP).

- مقاومة الأنسولين: مقاومة الأنسولين يمكن أن تؤدي إلى السكري، من النوع الثاني، التي هي الشكل الأكثر شيوعا للسكري.

ومقاومة الأنسولين هي الحالة التي يفشل فيها الجسم عن استخدام الأنسولين بطريقة سليمة، ومن المعروف أن الأنسولين هو الهرمون المطلوب لتحويل السكر والنشويات وأشكال الطعام الأخرى إلى الطاقة المطلوبة خلال الحياة اليومية. ونتيجة لذلك، فإن كمية السكر في الدم ترتفع بينما تصارع الخلايا للحصول على الطاقة.

- سكر الدم المرتفع: وهو من العوامل التقليدية. ويمكن أن تؤدي مستويات السكر غير الطبيعية إلى السكري من النوع الثاني، وهو أكثر أشكال السكري شيوعا.

ومع مرور السنين، فإن ارتفاع مستويات السكر في الدم يتلف الأعصاب والأوعية الدموية وهذا يؤدي إلى تعقيدات صحية مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية.

وتعتبر «غلايكوسيلاتيد هيموغلوبين» ((HbA1c مقياسا طويل الأجل لمستويات السكر في الدم. وتشير بعض الدراسات إلى أن مستويات «HbA1c» يمكن أن تنبئ بأمراض القلب والمشكلات الصحية المرتبطة بالقلب والأوعية الدموية.

- ارتفاع ضغط الدم، وهو من العوامل التقليدية، وهو القوة التي تتكون في الشرايين عندما ينبض القلب (الضغط الانقباضي)، وعندما يرتاح القلب (الضغط الانبساطي).

ارتفاع ضغط الدم، الذي يقاس بملليمترات من الزئبق (mmhg)، كما حددته جمعية القلب الأميركية هو أن يكون مقياس ضغط الدم الانقباضي أكثر من أو يساوي 140 ملم زئبقي أو أن يكون ضغط الدم الانبساطي أكثر من أو يساوي 90 ملم زئبقي.

ويزيد ارتفاع ضغط الدم مباشرة خطر مرض الشريان التاجي، خصوصا لو تزامن وجوده مع عوامل خطر أخرى.

وحول العالم، يقدر أن ضغط الدم المرتفع يتسبب في وفاة نحو 7.1 مليون شخص قبل الأوان. ويقلل خفض ضغط الدم بنحو 5 ملم زئبقي خطر الإصابة بالجلطة القلبية بنسبة تقارب 20%.

- ارتفاع مستوى الكولسترول المنخفض الكثافة: عندما تكون مستويات الكولسترول الضار، مرتفعة فهي تستطيع أن تتراكم على الجدران الداخلية للشرايين التي تغذي القلب والدماغ.

ويستطيع هذا النوع من الكولسترول بالإضافة إلى مواد أخرى أن يتسبب في حالة مرضية تسمى تصلب الشرايين، التي من الممكن أن يتبعها، تكون الصفائح الدموية في هذه الشرايين المتصلبة، التي بدورها يمكن أن تسد الشرايين وإذا تشكلت التخثرات الدموية وسدت الشرايين فإنها يمكن أن تسبب الجلطة القلبية أو السكتة الدماغية.

بالإضافة إلى القائمة أعلاه، هناك عوامل خطر لا يمكن تعديلها مثل: التاريخ المرضي للعائلة لظهور إصابة بأمراض القلب قبل عمر 55 عاما في ذكر قريب قرابة من الدرجة الأولى أو قبل عمر 65 عاما في أنثى قريبة قرابة من الدرجة الأولى أو أن يكون عمر الشخص أكبر من 45 عاما إذا كان رجلا، أو أكبر من 55 عاما إذا كانت امرأة.

إدارة عوامل الخطر
الاستراتيجيات السريرية لإدارة عوامل الخطر (CMR) الحالية تركز على علاج عوامل الخطر الفردية وهي لا تعالج العوامل كلها كمجموعة واحدة.

عوامل الخطر هذه قد تؤدي إلى أمراض القلب أو السكري، بينما تحقق تقدما كبيرا للحد من انتشار بعض عوامل الخطر، منها ارتفاع الكولسترول وارتفاع ضغط الدم.

ولا يزال هناك نحو 17 مليون شخص في العالم يموتون من أمراض القلب كل عام. ويقدر عدد الوفيات الناجمة عن مرض السكري في العالم بنحو 4 ملايين حالة وفاة كل عام. الكثير من وفيات السكري هذه ترجع إلى اختلاطات ناتجة عن مشكلات الأوعية الدموية.

المرضى الذين لديهم عوامل الخطر يمكن أن يتعرضوا إلى الإصابة بمرض السكري، النوع الثاني، وأمراض القلب.

في الواقع، إن وجود اثنين فقط من عوامل الخطر يضاعف خطر تعرض المريض لأمراض القلب مقارنة بشخص آخر ليس لديه عوامل خطر.