صرعات غريبة للموضة تخدع النظر وتتحدى الجاذبية

هناك صرعات، تولد من فكرة بسيطة بعضها يختفي بالسرعة نفسها التي يظهر بها، وبعضها يحقق النجاح والسبق لصاحبها، في حين يغذي بعضها الآخر رغبة المصمم في تحقيق ذاته والتعبير عن فنيته بغض النظر عن عمليتها وتسويقها.


في الحالة الأولى، عندما طرح المصمم مارتن مارجيلا منذ نحو 20 عاما حذاء «تابي» كسر الدنيا، مع أنه مأخوذ من الشارع الياباني حيث كان الشخص العادي يلبس صندلا مفتوحا بأصبع مع جوارب.

من هذه الموضة الشعبية، صاغ مارجيلا حذاء عالي الرقبة من دون كعب تماما وكأنه جورب سميك يفصل الأصبع الأكبر عن باقي أصابع القدم.

الحالة الثانية، تتجلى في تصميمات غريبة قد يرى البعض أن مكانها الأمثل في المتاحف وليس الأقدام، مثل هذا الحذاء المبتكر الذي ظهر في عرض «فلاي ناو» خلال «أسبوع بانكوك للموضة».

الجزء الأسفل منه يشبه القبقاب المسطح لكن بارتفاع لا بأس به، يعلوه كعب هندسي لا تراه العين، لكنه يسند القدم ويمنحها الراحة. نعم الراحة، فقد تستغرب أن هذا الحذاء صالح للمشي أساسا، لكن الحقيقة أنه مثل أي حذاء يصل كعبه إلى 12 بوصة، يمكن المشي فيه براحة ما دامت الأرضية مسطحة والمسافة قصيرة.

بعبارة أخرى فهو ليس للمشي الطويل، بل خاص فقط للمناسبات، لا سيما أن الشراشيب المتدلية منه تمنحه أنوثة ونعومة وتخفف من حدته الهندسية.

تصميمه يقوم على فلسفة يابانية محضة وهي اللعب على الضوء والظل، وهي فلسفة يمكن ترجمتها هنا بما تراه العين وما لا تراه. فلابسته لا تشعر بأي فرق بينه وبين حذاء بكعب عال لأنها مسنودة بجزء صلب عند القدم، بينما تبقى المشكلة لدى الناظر إليها، الذي قد يشعر بالخوف، لأنه لا يعيش تجربتها.

تجدر الإشارة هنا إلى أن تاريخ اليابانيين مع الأحذية الغريبة ليس بدعة جديدة، فهم مشهورون بأحذيتهم المعدنية التي يراد منها الإبقاء على أقدام البنات صغيرة ناعمة، بالإضافة إلى صناعة فقرائهم أحذية من علب الصفيح الفارغة، الأمر الذي ألهم كثيرا من التصميمات.

فقد كان من الطبيعي أن ينتشر تأثير الثقافة اليابانية في أوساط الموضة وأن لا يقتصر على الأحذية أو المراوح أو الماكياج بل الأزياء أيضا. تأثير يتجلى أحيانا في التفصيل المفكك، وفي الجوانب المقطعة بشكل قاس أو مقطعة، وأحيانا في الألوان المتوهجة المأخوذة من «الكيمونو» أو فقط الأبيض والأسود.

وعلى الرغم من أن مثل هذا الحذاء، يصدم أحيانا المتتبع لعروض الأزياء أو ما تطرحه الأسواق، فإنه في أرض الواقع، وعند تجربته، يبرهن على أنه مريح وعملي، وكل ما يحتاج إليه المرء أن يستجمع بعض الجرأة، كونه أسلوبا يخاطب شخصية معينة.

فالأزياء عادة تخاصم الجسم باتساعها وانسدالها، والألوان تركز على انعكاسات الضوء والظل، كما هي الحال لدى مصممين من أمثال راي كاواكوبو ويوجي ياماموتو وإيسي مياكي، وغيرهم، ممن يلعبون على الماضي ويبتكرونه كل حسب رؤيته.

ولحسن الحظ أن هذه العلاقة بين القديم والحديث أو بالأحرى وما يفرضه احترام التقاليد والحاجة إلى الابتكار تنجح دائما في إعطائنا تصميمات تثير الانتباه، كهذا الحذاء الذي يظهر فيه تأثير أحذية فتيات «الغيشا» واضحا، إلى جانب عشق اليابانيين للأشكال غير المتساوية والتصميمات الهندسية.

تجدر الإشارة إلى أن اليابان كانت أيضا منبع إلهام لمصممين غربيين، من أمثال الراحل ألكسندر ماكوين، الذي اعترف مرة أنه يعتبر راي كاواكوبو من أهم المصممات اللاتي تعلم منهن.

وعلى الرغم من أن غرفه من هذه الثقافة لم يكن بطريقة مباشرة وصريحة، فإن الإيحاءات كانت تفضحه، وعلى رأسها الميل إلى الغرابة وعدم الخوف من تجربة الجديد وصدم العالم بتفكيكه الموضة أحيانا.

بيد أن هذا الحوار بين الشرق والغرب بدأ قبل ماكوين وغاليانو وغيرهما بكثير، فالمصمم بول بواريه، مثلا، استقى كثيرا من المعاطف والفساتين من الكيمونو في بداية القرن الماضي، كذلك مارتن مارجيلا الذي أعطانا الحذاء العالي الرقبة «تابي».