معالجة ارتفاع ضغط الدم .. هل هو مطلب صعب المنال؟

نسبة النجاح لا تزال أقل من المطلوب
نسبة النجاح لا تزال أقل من المطلوب

حينما يتعلق الأمر بـ«أرواح ناس» وحماية صحتهم من التدهور ومن الإصابة بتداعيات الإعاقات البدنية والنفسية وتخفيف آلامهم، فإن النظرة الطبية السليمة لمفهوم «أداء الأمانة الطبية» في معالجة الأمراض لا تتبنى مفهوم النظرة المتفائلة للأمور عبر الافتخار برؤية «النصف الممتلئ من الكأس» فقط، بل تنظر إلى أن أي مقدار من النقص أو الـ«فراغ» في امتلاء الكأس، هو مؤشر على عدم النجاح بالشكل المأمول والمطلوب. والأهم أن ثمة من سيدفع الثمن من خلال إما فقد حياته أو إصابته بالمضاعفات الصحية وتبعاتها.


والعمل الطبي بالأساس مبني على أن الغاية من السعي في معالجة أمراض الناس هو لحماية صحتهم، ولتخفيف شدة وطأة أمراضهم على أرواحهم وأجسامهم ونفوسهم. وهو سعي نحو الكمال في إتمام هذه المهام. ولذا، عندما تحدث المتنبي عن أكبر ما يراه عيبا في أداء «القادرين»، قال:

«ولست أرى في الناس عيبا كنقص القادرين عن التمام» ودون الحديث عما يحصل في مناطق الفقر والمجاعات والحروب والكوارث، حيث تنعدم فرص تحقيق نجاح معالجة الأمراض، فإننا لو نظرنا إلى أحد الأمراض الشائعة، كارتفاع ضغط الدم مثلا، نجد أن الظروف مهيأة لنجاح تحقيق خفض الارتفاع فيه، وخاصة في المجتمعات المتقدمة. ذلك أن الدافع موجود، وهو أن تحقيق خفض ارتفاع ضغط الدم وسيلة لحماية أرواح الناس وحماية صحتهم من التدهور.

وإذا ما توافر الطبيب، وتوافرت وسيلة قياس ضغط الدم، وتوافرت معرفة المريض بمقدار ضغط دمه الحالي والمقدار الذي يجب عليه أن يكون لكي يعتبر منضبطا، وتوافرت له الأدوية، فإن النتيجة المنطقية هي نجاح خفض ارتفاع ضغط الدم.

ولكن، ما يحصل مع معالجة ارتفاع ضغط الدم في المجتمعات المتقدمة التي تتوافر فيها كل الظروف لنجاح ذلك، هو بالفعل مثير للدهشة والاستغراب. وكـ«مثال»، دعونا ننظر إلى سيناريو ما يجري لضغط الدم في الولايات المتحدة التي لا يجادل أحد اليوم في أن نظام الخدمة الطبية فيها هو أحد الأنظمة الجيدة، وما هو متوافر في مستشفياتها من أطباء وممرضين وأجهزة وأدوية، لا يتوافر في كثير من مجتمعات العالم. كما أن مستوى الثقافة الصحية جيد بين المرضى، خاصة وجهود الإعلام الطبي فيها متقدمة على غيرها من المجتمعات، في الصحافة والتلفزيون والإنترنت وغيرها.

ومع هذا وغيره من الظروف الإيجابية، فإن تقرير «المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية» CDC، الصادر في أواخر أكتوبر الماضي، تحدّث بنوع «المرارة» عن نسبة نجاح الجهود الطبية في تحقيق خفض ارتفاع ضغط الدم لدى المصابين به.

ذلك أن التقرير ذكر أن نسبة النجاح في خفض ضغط الدم لدى المصابين به لم تتجاوز 48%! هذه هي فقط نسبة من نجحوا في خفض ضغط دمهم إلى مستويات أقل من 140 على 90 ملم زئبق. ومعلوم أن هذا الخفض هو مجرد «الخطوة الأولى» في خطوات مكافحة ومنع حصول مضاعفات وتداعيات ارتفاع ضغط الدم.

وكان التقرير قد ذكر خمس حقائق كافية لإثارة الدهشة حول هذه النتيجة. وهي:
- نحو 32% من عموم البالغين في الولايات المتحدة مصاب بارتفاع ضغط الدم. وهي نسبة لم تنقص خلال العشرين سنة الماضية.

- هناك زيادة واضحة في الوعي بأن ارتفاع ضغط الدم «عامل خطورة رئيسي» للإصابة بأمراض شرايين القلب وضعف القلب وفشل الكلى، وخاصة في أوساط من تجاوزوا الأربعين من العمر.

- ارتفاع ضغط الدم هو السبب وراء وفاة أكثر من 326 ألف شخص سنويا.

- في عام 2010، ستكون التكلفة المادية لمرض ارتفاع ضغط الدم أكثر من 76.6 مليار دولار، وذلك كتكلفة مادية لخدمة الرعاية الطبية لمرضى ارتفاع ضغط الدم، وتكلفة أدوية علاجهم، وخسائر تغيب المرضى عن العمل جراء حصول مضاعفات لهذا المرض. أي إننا نتحدث عما يوازي ميزانيات دول.

- لا يزال أكثر من 20% من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم، أي واحد من بين كل خمسة، لا يعلم أنه مريض بارتفاع ضغط الدم. كما لا يزال 26% من مرضى ارتفاع ضغط الدم الذين يعلمون أنهم مصابون به، والذين تم لهم وصف أدوية لعلاجه، لا يتناولون تلك الأدوية.

وللعلم، فالحديث هو عن ارتفاع ضغط الدم الذي تؤكد المصادر الطبية أن من السهل تحقيق خفض ارتفاعه إذا ما انتظم المريض في برنامج المتابعة وتناول الأدوية. وليس الحديث عن مرض كأحد أنواع السرطان أو فشل الكبد أو فشل الكلى أو جلطة قلبية أو جلطة دماغية أو غيرها من الأمراض المعقدة، بل نتحدث عن ارتفاع ضغط الدم.

التقرير يثير الكثير من علامات الاستفهام، خصوصا أن مرض ارتفاع ضغط الدم منتشر بشكل واسع وعلى نطاق عالمي. وإحصاءات المنظمات الصحية العالمية تتحدث عن أن أعداد المصابين به عالميا يصل إلى ألف مليون شخص، وأن العدد من المتوقع أن يصل بعد 15 سنة، أي عام 2025، إلى ألف وخمسمائة مليون شخص! وأن خفض ارتفاع ضغط الدم إلى ما دون 140 على 90 ملم زئبق سيقلل من الإصابات بالسكتة الدماغية بنسبة 40%، وسيقلل من نسبة الإصابات بنوبة الجلطة القلبية بنسبة 25%، وسيقلل من حصول حالات فشل القلب بنسبة 50%.