زوجان يحولان منزلا مهدماً في نيو أورليانز الى منزل صغير مستخدمين كل ما هو قديم وبال

إعصار كاترينا جعل صاحبته تتمسك بفكرة ألا يكون كل شيء كاملا
إعصار كاترينا جعل صاحبته تتمسك بفكرة ألا يكون كل شيء كاملا

المعمار يكذب أحيانا، فقد بدا المنزل الطويل الضيق لكارينا جنتينيتا وزوجها أندرو جيمس ماكلير في حي ليكفيو، مثل منزل كلاسيكي في نيو أورليانز استطاع الصمود في وجه إعصار كاترينا.


فطراز شيش النوافذ المرتفعة قديم وتبدو كرانيش السقف كأنها تعود إلى 150 عاما مضت. وفي الداخل يشي الأثاث القديم بثراء أصحاب المنزل السابقين الذي تناقص مع الظروف أو بسبب المغامرات.

إنه منزل يضم سجادا شرقيا باليا ومقاعد فرنسية وإيطالية بعضها مغطى بكسوة من الكتان ومرايا تحمل صدأ الزمن الذي لا تخطئه العين. وتبدو اللوحة المعلقة على جدار غرفة نوم الزوجين وكأنها تعود إلى مدينة البندقية في القرن السادس عشر.

لكن في الحقيقة هذا المنزل شيد منذ ثلاث سنوات فقط على قطعة أرض كان مبنيا عليها منزل آخر لهما في الماضي تهدم عندما ضرب الفيضان شارع سيفينتينث ستريت كانال الذي يبعد عن منزلهما بضع بنايات ووصلت المياه إلى الباب الأمامي للمنزل.

كذلك كان لإعصار كاترينا تأثير على أموال الزوجين وحياتهما العملية وزواجهما. فقد أدمن ماكلير، الذي كان يعمل وكيل عقارات، الكحول. وسرق المقاول الذي استعانا به لبناء المنزل الجديد في نيو أورليانز بعد الإعصار 100 ألف دولار منهما، وبالتالي كان عليهما تسديد قيمة الرهن العقاري لمنزل لم يعد موجودا.

لكن بفضل حماس كارينا، التي كانت تعمل محامية في وقت من الأوقات، استطاعت تجهيز المنزل الجديد بالأثاث مقابل 12.477 ألف دولار فقط باستثناء الأجهزة الكهربائية.

فقد وجدت طنفات سقف يعود تاريخها إلى 150 عاما مضت في متجر للسلع المستعملة. واشترت أشياء تعود إلى حقبة الخمسينات من متجر للسلع المستعملة.

لم تنج أكثر مقتنيات الأسرة من إعصار كاترينا، لكن من القطع التي تمكنوا من إنقاذها، مكتب قامت كارينا بطلائه وصقله باللون الرمادي ويبدو الآن مثل قطعة أثاث سويدية، بالإضافة إلى صينية فضية أهداها ماكلير إليها في ذكرى زواجهما في العام الذي شهد الفيضان. لكن الصدأ يعلوها الآن وتغير لونها بحيث لا يمكن إصلاحها وتوجد في مدخل المنزل.

إن جمال المقتنيات المعدنية أمر مثير للاهتمام، فالدمار الذي ألحقه الفيضان بالصينية أضفى عليها سحر الزمن والغموض. لكن إذا لمست المرايا الإيطالية الثقيلة التي توجد في غرفة نوم كارينا فستجدها بلاستيكية. تقول كارينا: «لقد اشتريتها مقابل 16 دولارا، وصمدت أمام إعصار كاترينا وتساوي مليون دولار حاليا، وأطلق عليها اسم كاترينا باتينا».

لا يستطيع بعض الناس تجاوز الخسائر الكبيرة، لكن كارينا التي تبلغ من العمر 42 عاما تتمتع بإرادة حديدية، حيث اتفقت وزوجها البالغ من العمر 45 عاما على اتخاذ موقف حاسم قوي كما يفعل المهاجرون. تقول: «لقد كان أبي يقول دائما إن الشيء الوحيد الذي لا مفر منه هو الموت، وأي شيء آخر يمكنك التحكم فيه».

لقد كانت كارينا في الثانية عشرة من العمر عندما جاء والدها، التاجر الأرجنتيني، بزوجته وأبنائه الأربعة إلى هذا البلد حيث عمل سائق سيارة أجرة.

حينها شعرت كارينا بالحرج لكونها الفتاة الوحيدة التي تحصل على وجبة الغداء بقسائم. وفي النهاية حصلت على منحة بجامعة تولين حيث اعتزمت الالتحاق بقسم الفنون لكن والدها نصحها بألا تفعل ذلك. وتقول كارينا: «لقد قالوا لي إنه عليّ البحث عن تخصص يمكنني أن أجني رزقي منه.

في تلك الليلة ذهبت إلى الاستوديو وألقيت بكل التماثيل التي نحتها». وامتهنت كارينا مهنة المحاماة. وتتمتع كارينا بالقدرة على مسايرة الموضة والادخار في الوقت ذاته. ففي عام 2002 عندما تزوجت ماكلير كان فستان الزفاف الذي ارتدته مسايرا للموضة.

واشترى الزوجان منزلا صغيرا على مساحة 1300 قدم مربع شيد عام 1892 في المنطقة الراقية بنيو أورليانز. وفي مارس (آذار) 2005، بعد إنجابهما أول طفل لهما وانتظار الآخر قاما ببيع المنزل وانتقلا إلى منزل أكبر مكون من طابقين في حي ليكفيو مقابل 389 ألف دولار.

وبعد خمسة أشهر عندما ضرب إعصار كاترينا المنطقة نزحا من الحي ثم تمكنا من العودة بعد بضعة أسابيع، لكن بعد بضعة أسابيع أخرى تدمر منزلهما من الداخل. تقول كارينا: «إنك تحاول أن تهيئ نفسك، لكن الأمر صادم عاطفيا».

ولم تستطع كارينا سوى إنقاذ القليل من المقتنيات ووضعها في منزل تملكه أسرة زوجها في كوفينغتون في لوس أنجليس على الضفة الشمالية من بحيرة بونتشارترين.

وبدأ الزوجان يعانيان من مشاكل مالية بسبب إعادة بناء المنزل، لكنهما حصلا على مبلغ تأمين على المنزل من الفيضان قدره 250 ألف دولار، دفعا منها 200 ألف دولار لتسديد الرهن العقاري، فيما سرق المقاول منهما 100 ألف دولار بعدم قيامه بالعمل الذي كان ينبغي القيام به.

وفي هذا الوقت أيضا فقد ماكلير وظيفته كوكيل عقارات وبدأ ينغمس في شرب الكحول وأصيب بخلل في التركيز، وهو ما تعتقد كارينا أنه سبب المشكلة.

وجدت كارينا في رحلة الذهاب والعودة اليومية من وإلى كوفينغتون، حيث يقع مقر عملها كمحامية، سلواها في مجلات المنازل وهي تنسج أحلاما بشراء منزل.

وبدأت شراء الأثاث وإصلاحه الذي تجاوز أعمال الطلاء، حيث تضمن الصقل واستخدام الشمع والرمال. وتقول كارينا: «يحتاج الناس إلى الأمل، وهكذا قمت بالأمر. وعندما حان وقت الانتقال إلى المنزل الجديد، كنت أعرف أين سأضع كل قطعة. لقد استغرق اختيار المكان ثلاث سنوات».

في النهاية وبمساعدة منحة من الدولة قدرها 100 ألف دولار وقرض قدره 240 ألف دولار، تمكن الزوجان من إعادة بناء المنزل. لكنهما لم يتحملا الرحيل عن الحي، لذا زادا مساحة الأرض المبني عليها المنزل بنحو أربعة أقدام. وكان المنزل الذي عاشا فيه من قبل مصدر إلهام كارينا.

تقول: «إن السعادة ليست في امتلاك منزل كبير بل في عيش الحياة معا، فهذا ما يخلق الذكريات. لقد كان الحمام الرئيسي ضخما ويحتوي على حوضين للاستحمام.

وكان آخر منزل استقر بهما المقام فيه يحتوي على حمامين وثلاث غرف نوم صغيرة وغرفة مكتب ومطبخ كبير وغرفة معيشة وبلغت تكلفة بنائه 356 ألف دولار.

وحدث تغير آخر كبير في حياة كارينا عام 2010 عندما توفي والدها، إذ شعرت بالتحرر. فقد جعلها موته تدرك مدى قصر الحياة وأن على المرء أن يفعل ما يحقق له السعادة.

وتخلت كارينا عن مجال المحاماة وبدأت العمل في قطع الأثاث القديمة وهي الآن تمتلك متجر «ديزينيو كارينا جينتينيتا» في شارع مغازين وتسوق منتجاتها في متجر «فيرست ديبس» في منهاتن وعلى شبكة الإنترنت.

وكان منزلها يشمل قطعا باهظة الثمن مثل مكتب على الطراز الفلورنسي في غرفة النوم ثمنه 700 دولار والمقعد الفاخر بجانبه الذي اشترته مقابل 350 دولارا من متجر على شبكة الإنترنت لم ترغب في الكشف عن اسمه.

لكنّ هناك أيضا قطعا زهيدة الثمن مثل زوج من المقاعد في غرفة المعيشة ثمنهما 5 دولارات وعلى كل منهما كسوة بلجيكية من الكتان ثمنها 35 دولارا.

ومن ضمن تلك القطع أيضا مصباحا طاولة تطلق عليهما «هوليوود ريجينسي» يبلغ ثمن الواحد 45 دولارا واشترتهما من متجر لبيع السلع المستعملة، ثم أعادت تصنيع كل منهما من خلال قطع القائم الطويل واستبدال كمة المصباح بكمة مستطيلة الشكل بلغ سعرها 165 دولارا.

وكلفت حرفيا متخصصا في أعمال الخشب بإعادة صناعة إطار اللوحة الرأسية التي توجد في مقدمة السرير المستوحاة من الطراز السويدي في غرفة النوم الرئيسية بمحاكاة الإطار الموجود في صورة استوحتها من مجلة.

وكان سعر السجادة البالية التي اهترأ نصفها في غرفة المعيشة 85 دولارا من قائمة «كرايغسليست»، واشترتها لتضعها فوق الجزء المهترئ مقابل 15 دولارا من متجر لبيع القطع الفنية القديمة في موسم التخفيضات.

تشرح كارينا: «تبدو جميع القطع قديمة وهذا جميل، لكنّ هناك خللا فينا جميعا على نحو ما، فلماذا لا نحب شيئا له تاريخ، فهل تلفه أو قدمه يعنى أنه ليس جميلا؟ لقد كنت من الذين يبحثون عن الكمال وساعدني إعصار كاترينا على تقبل فكرة ألا يكون الشيء كاملا».