شقة قديمة تواجه خطوط السكك الحديدية .. تتحول الى كنز عقاري في باريس

كان التحدي كبيرا لكن الإمكانيات أكبر مما حفز مالكيه على تجديده بأسلوبهما
كان التحدي كبيرا لكن الإمكانيات أكبر مما حفز مالكيه على تجديده بأسلوبهما

عندما قرر توم بودنغ وزوجته جوليا جوفيل، الانتقال لباريس من لندن عام 2008، واجها خيارين: إما العيش في شقة ضيقة بقلب باريس، أو استكشاف الأحياء الموجودة على أطراف المدينة بحثا عن مساحة وقيمة أكبر.


وبالنظر إلى الجرأة التي يتميز بها الزوجان، اللذان كانا يعملان في إدارة اثنين من المعارض الفنية الراقية بباريس - بودنغ، 33 عاما، في «غاليري فالوا»، وجوفيل، 26 عاما، في غاليري «دانييل تمبلون» في ضاحية ماريه، سرعان ما أقدما على البحث في الأحياء الأقل روعة.

وقال بودنغ، الذي ولد ونشأ في شرق لندن، عن بحثهما الدؤوب عن شقة على أطراف باريس «في لندن، كنا نعيش في هاكني ويك، وهو نفس نمط ما كنا نبحث عنه». أما جوفيل، وهي فرنسية ولدت في هونغ كونغ، فتؤمن بشدة بأن «المرء يفقد الشعور الحقيقي بالمدينة فقط عندما تغادر مركزها السياحي».

بعد شهور من البحث دون جدوى، أثمرت الجهود، وعثرا على شقة مؤلفة من غرفتي نوم في ماركس دورموي، وهي منطقة متواضعة على الطرف الشمالي من جادة 18، بالقرب من سانت أوين، وتضم غرفتي نوم.

كانت الشقة قديمة، ويواجه المبنى خطوط سكك حديدية، كان في السابق عبارة عن مصنع للكابلات الكهربائية وبالتالي كان خاليا منذ عقود. اليوم، من الصعب أن يتخيل المرء أن هذا المكان كان مصنعا، ففي ثمانينات القرن الماضي تم تحويله لمبنى سكني مع تحول المنطقة ببطء إلى ضاحية أكثر رقيا.

وتمتد الشقة الموجودة في الطابق الثاني، الذي كان يضم في الأصل وحدتين صغيرتين ضمهما مالكون سابقون لبعضهما البعض، على مساحة تتجاوز 113 مترا مربعا تقريبا، أو قرابة 1.200 قدم مربع. وقد دفع الزوجان قرابة 700.000 دولار (500.000 يورو) لشراء الشقة، بجانب نحو 70.000 دولار (50.000 يورو) أخرى لتجديدها على امتداد ثلاثة شهور، حيث جرى تغيير الأرضية وتجديد السقف وإصلاح المطبخ بالكامل.

تقول جوفيل: «أدركنا من البداية أن المكان يحمل إمكانات كبيرة، ويتيح مساحة كبيرة للغاية في باريس بالنسبة لميزانيتنا، لكننا علمنا أن المكان سيحتاج مجهودا كبيرا لاستعادة رونقه. يذكر أن جوفيل تركت العمل في عالم المعارض الفنية واتجهت لفتح شركة تعمل عبر الإنترنت بمجال التصميم الداخلي.

يفتح باب الشقة الأبيض الخالي من النقوش على مساحة تشبه العلية تلفت النظر باللون الكريمي المهيمن عليها. وتشرح جوفيل «بعد الفترة التي قضيناها في العمل في المعارض الفنية رغبنا في التمتع بمساحة بسيطة لاستعراض كنوزنا بها».

حتى الكتب المصفوفة على أرفف المكتبة كانت مغطاة بورق بني اللون تماما نظرا لأن ذلك كان من الألوان الأساسية الغالبة. وحرصت جوفيل على انتقاء كل قطعة من الأثاث أو الخزف بغية إضفاء وحدة متناسقة على الشقة. فبالنسبة للأرضية، اختار الزوجان أرضا بسيطة من دون أدنى نقوش أو صور فوقها طبقتان من طلاء رمادي به مسحة من اللون الأزرق.

وبعد إزالة الأجزاء المتهدمة من السقف، تم طلاء الطبقة الأساسية منه باللون الأبيض وتركيب نظام إضاءة منخفض الكلفة يتميز أيضا باللون الأبيض، فضلا عن مصابيح ورقية اشتراها الزوجان من «تشاينا تاون» في جنوب شرقي باريس.

عن ذلك، قالت جوفيل: «كان ذلك من بين أرخص العناصر التي قمنا بتركيبها في الشقة. ومن بين الأمور التي تتعلمها لدى عملك في المعارض الفنية، أن كل الأشياء تبدو جيدة عندما تكون الخلفية باللون الأبيض».

ويضم أثاث غرفة المعيشة، الواقعة في منتصف الشقة، أريكة مغطاة بجلد كريمي اللون ومقعدين من تصميم غاي أولنتي، وهو مصمم معماري إيطالي يعمل أيضا بمجال التصميم الداخلي. وخاضت جوفيل مفاوضات عصيبة حول سعر القطع الثلاث استمرت عاما بأكمله وانتهت بصفقة رابحة بالاتفاق على سعر 1600 دولار تقريبا (1100 يورو).

وتصطف القطع الثلاث حول طاولة مصنوعة يدويا، صنعها الزوجان باستخدام قطعة من الزجاج عثرا عليها ووضعاها فوق أربعة أكوام ضخمة من المجلات.

وأوضحت جوفيل «لم تكن لدينا ميزانية كبيرة وبالتالي رغبنا في فعل الكثير بالاعتماد على أنفسنا بقدر الإمكان».

بالقرب من الأريكة، توجد خزانة زجاجية تضم أحذية بكعوب عالية مصفوفة بدقة داخل الخزانة كان بودنغ قد استعادها من المعرض الفني الخاص به. وتخص الأحذية جوفيل التي درست التاريخ ومارست الرقص خلال سنوات الدراسة في جامعة ماكغيل في مونتريال. وقالت «كلاهما تذكار ويتميزان بشكل رائع».

نال المطبخ، الذي هيمن عليه في السابق اللونان الأحمر والأصفر، الاهتمام الأكبر من جانب الزوجين، حيث رغبا في إضفاء شكل عام عليه على غرار الأثاث الياباني الذي ساد في خمسينات القرن الماضي. وبالفعل، استعانا بعامل من باريس متخصص في الأعمال الخشبية.

وقال بودنغ «الفكرة الأساسية أننا لم نرغب في أن يبدو كمطبخ، لذا تعمدنا إخفاء جميع المعدات التقليدية المرتبطة بالمطبخ خلف خزائن خشبية».

وخلف الخزائن الخشبية الملونة بلون عسلي يختبئ الفرن ودولاب أدوات المائدة. حوض الصنبور هو الشيء الوحيد الذي يكشف أن هذا الجزء من الشقة هو المطبخ.

على الجهة المقابلة من المطبخ توجد غرفة النوم التي تتميز برحابتها ولونها الأبيض. وقال بودنغ «قررنا أن نضع بها أقل قدر ممكن من الأثاث والتجهيزات، ذلك أننا نرى الكثير من الأكوام طوال اليوم ونرغب في النهاية في النوم في مكان رحب بسيط».

غرفة الضيوف أيضا تبدو مختلفة تماما، حيث استحدث الملاك السابقون نافذتين في جدار غرفة النوم المطل على الشقة بأكملها.

وقرر الزوجان زخرفة الجدار بالنافذتين على نحو فكاهي ليبدو وكأنه واجهة عرض لمتجر تجاري، وأضافا آنية من الزهور أسفل النافذتين، بجانب منصة لعرض البطاقات البريدية وضعا عليها البطاقات الخاصة بهما.

في الواقع، يحلم الزوجان بافتتاح متجر خاص بهما ذات يوم، لكن بالنسبة للوقت الراهن، يكتفيان بالاستمتاع بشقتهما المتميزة.

وعن ذلك، يعلق بودنغ: «هذه الأشياء جميلة للعين، لكنها تحمل أيضا ذكريات عزيزة. وهذا ما أشعر به تجاه هذه الشقة، إنها خزانة كنوز».