الدليل الكامل لمشاكل الجهاز الهضمي الشائعة .. أثناء الحمل

منها القيء والإمساك والقرحة وحصوات المرارة
منها القيء والإمساك والقرحة وحصوات المرارة

فترة الحمل هي الفترة التي تمتد بين الإخصاب والولادة، وفيها ينمو الجنين وينضج داخل الرحم خلال 40 أسبوعا (نحو 9 أشهر) حتى موعد الولادة، وتقسم مدة الحمل إلى 3 مراحل (3 أشهر لكل مرحلة) تصاب المرأة خلالها بالعديد من الاضطرابات المتعلقة بصحة الجهاز الهضمي، تتراوح شدتها بين الأعراض البسيطة والحالات المرضية.
 
ومن الاضطرابات الهضمية الشائعة أثناء مراحل الحمل المختلفة:
الغثيان، والقيء المفرط، والارتجاع الحمضي، والقرحة الهضمية، والإمساك، والإسهال، والحصوات المرارية.
 
الغثيان
الغثيان (مع أو من دون القيء) يصيب نحو 50 - 90 في المائة من النساء أثناء الحمل، وبخاصة الـ 3 أشهر الأولى، وترتفع فرص الإصابة بالغثيان مع الحمل الأول والحمل في سن صغيرة، كما يصيب المدخنات والبدينات أكثر من غيرهن.
 
وقد يتكرر الغثيان مع تكرار الحمل؛ لكنه يحدث على فترات تقصر تدريجيا، ويسمى غثيان الحمل بـ «الغثيان الصباحي» (morning sickness) لحدوثه في معظم الحالات أثناء الصباح بعد الاستيقاظ من النوم. وعلى الرغم من تلك التسمية؛ فإنه يمكن أن يحدث في أي وقت أثناء اليوم.
 
وتلعب التقلبات الهرمونية واضطرابات الجهاز الهضمي ونقص إفراز الغدة الكظرية ونقص مستويات فيتامين «بي6» وأملاح المغنسيوم والأسباب النفسية والاجتماعية، دورا مهما في حدوث الغثيان والقيء المصاحب للحمل، بالإضافة إلى أسباب أخرى مثل: القرحة الهضمية، والنزلات المعوية، والتهابات القنوات المرارية والبنكرياس والكبد والزائدة الدودية والمجاري البولية والكلى، واحتمال زيادة الضغط داخل المخ نتيجة احتباس الماء والسوائل في الجسم، وقد يحدث الغثيان والقيء نتيجة الإصابة بتسمم الحمل أو زيادة كمية الماء حول الجنين.
 
ويعتمد علاج الغثيان والقيء على شدة الأعراض، فالحالات البسيطة يتم علاجها بطمأنة الحامل وتجنب العوامل المثيرة للأعراض مع الالتزام بتناول وجبات خفيفة متعددة وزيادة تناول الكربوهيدرات والإقلال من تناول البروتينات والدهون، كما يفيد تناول بعض الأعشاب مثل: الزنجبيل والنعناع البري والهندباء البرية ومنقوع أوراق توت العليق الأحمر.. في تخفيف حدة الغثيان.
 
كما يفيد تناول مكملات فيتامين «بي6» والمغنسيوم في الإقلال من الغثيان المتكرر، ويمكن استخدام العقاقير المضادة للقيء مثل «ميكليزين» (MECLIZINE) أو «بروميثازين» (promethazine)، كما يمكن استخدام عقار «ميتوكلوبراميد» (Metoclopramide)، وعلى الرغم من أنه لا يتسبب في حدوث تشوهات خلقية؛ فإنه قد يتسبب في حدوث حالة أشبه بتناول الكحول لدى الجنين.
 
القيء المفرط
القيء المفرط أثناء الحمل (Hyperemesis gravidarum) وهو القيء فقط (دون الشعور بالغثيان) يصيب نحو 22 - 55 في المائة من النساء أثناء الحمل. وهو يصيب نحو 3 - 5 حالات من بين كل ألف حامل، ويحدث غالبا خلال الأسابيع الـ 4 الأولى، وقد يمتد إلى الأسبوع العاشر، ويختفي في معظم الحالات بين الأسبوع الثامن عشر والأسبوع العشرين من الحمل.
 
وتلعب التغيرات الهرمونية والاضطرابات النفسية دورا مهما في حدوثه وترتفع فرص الإصابة بالقيء المفرط في حالات البدانة والسمنة وحمل التوائم والحمل العنقودي. ويتزامن القيء المفرط أثناء الحمل مع إفراز كميات كبيرة من اللعاب وفقدان للوزن مع احتمالات حدوث ألم في البطن وكيتونية وقلويدية أيضية بالدم، بالإضافة إلى انخفاض نسبة البوتاسيوم وارتفاع إنزيمات الكبد وإفرازات الغدة الدرقية وأعراض سوء التغذية.
 
ويعتمد العلاج على تعويض السوائل والأملاح المعدنية والفيتامينات المفقودة من الجسم، بالإضافة إلى مضادات القيء ومكملات فيتامين «بي1» (ثيامين) و«بي6» (بيريدوكسين)، وقد يتم العلاج باستخدام الكورتيزون تحت الاشراف الطبي، بالإضافة إلى المحاليل العلاجية والتغذية الوريدية الكاملة في بعض الحالات، كما يجب الاعتماد على نظام غذائي يعتمد على وجبات صغيرة متعددة مع الإكثار من تناول الكربوهيدرات والإقلال من الدهون.
 
الارتجاع الحمضي
يصيب الشعور بالحموضة والارتجاع نحو 45 - 80 في المائة من النساء أثناء الحمل، أكثر من 50 في المائة من الحالات تحدث خلال المرحلة الأولى، ونحو 25 - 40 في المائة خلال المرحلة الثانية، وتنخفض النسبة إلى نحو 9 في المائة خلال المرحلة الثالثة من الحمل، ويحدث الشعور بالحموضة والارتجاع الحمضي أثناء الحمل نتيجة التقلبات الهرمونية وبطء حركة المعدة وضعف انقباض العضلة العاصرة بين المريء والمعدة.
 
ويعتمد تشخيص الارتجاع الحمضي على التاريخ المرضي والأعراض التقليدية مثل حرقة الفؤاد أو الصدر، وأحيانا يصاحب الارتجاع أعراض غير تقليدية مثل: «السعال المتكرر والشعور الدائم باحتقان الحلق»، وقد يحتاج الطبيب لإجراء فحص بالمنظار الضوئي للمريء والمعدة، وأحيانا قياس الرقم الهيدروجيني لحمض المعدة على مدار 24 ساعة.
 
وتنصح المرأة الحامل التي تعاني من الحموضة والارتجاع برفع رأس السرير وتجنب أوضاع الانحناء أو الرقاد لساعات طويلة والحرص على تناول وجبات خفيفة متعددة وعدم تناول الطعام قبل النوم بساعتين على الأقل، كما يمكن تناول «مضادات الحموضة» وعقار «سيكرالفيت» لأنها لا تمتص إلى الدم؛ لكنها في الوقت نفسه قد تقلل امتصاص الحديد وقد تتسبب في حدوث الإمساك.
 
كما يمكن تناول عقاقير «مثبطات مستقبلات الهستامين» (H2receptor antagonists) مثل «رانيتيدين» أو «تاجاميت»، وإن كانت بعض الدراسات أشارت إلى أنها قد تعبر غشاء المشيمة وتصل إلى الجنين، كما يمكن تناول عقاقير مثبطات مضخة البروتون (proton pump blockers) مثل «لوسيك» أو «لانسوبرازول» التي أكدت الدراسات أنها لا تسبب عيوبا خلقية للجنين في حالة استخدامها خلال الأشهر الأولى للحمل، وبخاصة عقار «لانسوبرازول» (lansoprazole)، وبصفة عامة لا تمثل الحموضة أو ارتجاع الحمض أي مشاكل صحية للحامل، وإن كان تكرار حدوثها مع الحمل وارد في نسبة كبيرة من الحالات.

 


القرحة الهضمية
ترتفع مخاطر الإصابة بالقرحة الهضمية أثناء الحمل نتيجة التدخين وتناول المسكنات ومعاقرة الكحول والتوتر والاضطرابات النفسية والمشاكل الاجتماعية، بالإضافة إلى التاريخ المرضي للإصابة السابقة بالقرحة الهضمية أو جرثومة المعدة (H.Pylori)، وتتشابه أعراض القرحة الهضمية أثناء الحمل مع أعراض القرحة في غير الحمل، وتشمل الشعور بعسر الهضم والغثيان والقيء وحدوث ألم في منطقة فم المعدة، وقد يحدث نزيف من الجهاز الهضمي أحيانا.
 
ويفضل معالجة القرحة الهضمية أثناء الحمل باستخدام العقاقير «مثبطات مستقبلات الهستامين» مثل رانيتيدين، ويمكن استعمال عقار «لانسوبرازول» بأمان أثناء الحمل، ويجب إرجاء علاج الجرثومة الحلزونية النشطة بالمعدة إلى ما بعد الولادة واتمام الرضاعة، حيث إن المضادات الحيوية وبعض العقاقير المستخدمة في العلاج قد تؤثر سلبا على الجنين والرضيع.
 
الإمساك
الإمساك يصيب نحو 11 - 28 في المائة من النساء أثناء الحمل، نتيجة عدة عوامل ترتبط بالحمل مثل نقص مستوى هرمون «موتيلين» (MOTILIN) ونقص حركية الأمعاء والقولون، كما يؤدي تناول مكملات الحديد إلى زيادة فرص الإصابة بالإمساك أثناء الحمل.
 
ويعتمد التشخيص على التاريخ المرضي والمعاناة من الإمساك قبل حدوث الحمل والعادات الغذائية وتناول العقاقير والملينات، ويجب إجراء فحص بالدم لقياس مستوى هرمونات الغدة الدرقية والسكري والكالسيوم والبوتاسيوم، كما يمكن عمل فحص بالمنظار الشرجي أو القولوني في حالة حدوث نزيف من الشرج.
 
والجدير بالذكر أن الإمساك أثناء الحمل لا يشكل خطورة على صحة الجنين؛ لكنه يشكل عنصر مضايقة للأم، حيث يتوافق الإمساك غالبا مع حدوث انتفاخ وغازات في البطن وحدوث البواسير أو الشرخ الشرجي، ويجب معالجة الإمساك أثناء الحمل بواسطة الطبيب المختص، حيث إن أغلب الملينات محظورة ولا يفضل استخدامها أثناء الحمل، ويفضل معالجة الإمساك أثناء الحمل باتباع نظام غذائي غني بالألياف عن طريق الإكثار من تناول الفاكهة والخضراوات والحبوب الكاملة، مع ضرورة شرب كمية كافية من الماء وممارسة تمارين الرياضة والمشي والسباحة، بشرط عدم تعارضها مع حالة الحمل، وفي حالة استخدام الملينات يفضل تناول الملينات مكونات الكتلة مثل «بذور السيلييوم» أو الملينات الأسموزية مثل «لاكتيولوز».
 
الإسهال
الإسهال يصيب نحو 34 في المائة من النساء أثناء الحمل، وأشهر مسببات الإسهال هي الميكروبات المعدية، خصوصا ميكروب «السلمونيلا» و«الشيجيلا» و«كامبيلوباكتر» و«إي كولاي» والفيروسات والطفيليات، بالإضافة إلى التسمم الغذائي والدوائي والقولون العصبي. 
 
ويعتمد تشخيص الإسهال أثناء الحمل على المظاهر الإكلينيكية والتاريخ المرضي، بالإضافة إلى الفحص الميكروسكوبي للبراز وعمل مزرعة لتحديد نوع الميكروب ومدى حساسيته للعلاج المناسب، كما يمكن إجراء فحص للقولون باستخدام المنظار الضوئي في حالة استمرار الإسهال أو تكراره لفترات طويلة.
 
وعلاج الإسهال أثناء الحمل يعتمد على الحلول التحفظية مثل إعطاء السوائل التعويضية والمحاليل العلاجية اللازمة، ويجب إعطاء العقاقير المضادة للإسهال تحت الإشراف الطبي، وفي حالات القولون العصبي يجب تجنب مضادات الاكتئاب ومضادات التقلص.
 
حصوات المرارة
يزيد الحمل مخاطر تكون الحصوات المرارية، فنحو 30 في المائة من الحوامل يعانين من تكون الطمي في الحوصلة المرارية ونحو 2 في المائة يتكون لديهن حصوات مرارية أثناء الحمل، وتزداد مخاطر تكون طمي المرارة أو الحصوات المرارية خلال المرحلة الثالثة من الحمل وأثناء فترة ما بعد الولادة (النفاس) وتفيد الإحصائيات أن عملية استئصال الحوصلة المرارية تعتبر ثاني أكثر العمليات الجراحية غير النسائية التي تجرى أثناء الحمل بعد استئصال الزائدة الدودية.
 
ويرجع الباحثون أسباب تكون الطمي والحصوات المرارية أثناء الحمل إلى التغيرات الهرمونية المسؤولة عن زيادة لزوجة السائل الصفراوي وقلة تدفق السائل عبر القنوات المرارية وضعف انقباض الحوصلة المرارية، ويؤدي التهاب الحوصلة المرارية إلى حدوث ألم في الجانب الأيمن من أعلى البطن أو في منطقة فم المعدة، كما يؤدي إلى حدوث قيء وغثيان وارتفاع في درجة الحرارة، وأحيانا ارتفاع نسبة الصفراء وإنزيمات الكبد في الدم.
 
ويعالج الالتهاب الحاد للمرارة أثناء الحمل تحت الإشراف الطبي بالمضادات الحيوية ومضادات التقلص والمسكنات، بالإضافة إلى المحاليل العلاجية ويمكن إجراء منظار لتلوين القنوات المرارية (ERCP) في حالة التهاب القنوات المرارية أو الانسداد المراري، ويمكن إجراء استئصال للحوصلة المرارية عن طريق التدخل الجراحي أو المنظار الجراحي في حالة استمرار أو معاودة الأعراض، وأفضل الأوقات للتدخل الجراحي لاستئصال الحوصلة المرارية، هو المرحلة الثانية ما بين الشهر الرابع إلى الشهر السادس من الحمل.