الاستنشاق الترفيهي للأوكسجين .. تقليعة ليس لها أية تأثيرات فسيولوجية مفيدة

قد يكون من القريب جداً لدينا، أن نجد رجلاً يضيق «خِلْقه» من «قعدة» البيت والاستماع إلى «زَنّ» الزوجة أو «دَوْشة» الأولاد، ويُقرر أن «يشمّ» هواءً نقياً يُعيد إلى جسمه ودماغه شيئاً من الحيوية.


 وبدلاً من أن يذهب إلى إحدى الحدائق أو إلى الكورنيش أو غيرها من الأماكن المفتوحة والمُفعمة بالنسيم العليل، نجده يذهب مباشرة إلى المقهى المُجاور لمنزله.

وهناك سيُرحب به «الغرسون»، الذي يعرف الطلب المعهود لزبونه، صارخاً بأعلى صوته لزملائه في داخل القهوة: «وعندك واحد أوكسجين وصلّحه»! الأمر ليس نكتة أو مزحة، بل هي حقيقة اليوم.

ومن آن لآخر، تهب على العالم تقليعات غريبة في ظاهرها، لكنها تبدو للبعض منطقية في مضمونها، ما يدفع الكثيرين إلى تقليدها والسير في موجتها، إما تقليداً أعمى أو قناعة متبصرة.

ومما هو متوفر في كثير من عواصم ومدن العالم اليوم، مقاهي أو بارات الأوكسجين، والتي يتم فيها تقديم هواء غني بالأوكسجين للزبائن.

تجارة المنتجات الصحية
ويُعتبر الأوكسجين، كأحد الأصناف التي تُقدمها المقاهي وغيرها، تجارة مُربحة. ذلك أن سعر الدقيقة الواحدة من استنشاق الأوكسجين في غالبية مقاهي الولايات المتحدة التي تُؤمنه للزبائن، لا يقل البتة عن دولار واحد. هذا مع العلم أن غالبية الزبائن تستنشقه ما بين خمس إلى عشر دقائق، أو أكثر.

وأهمية عرض موضوع الاستنشاق الترفيهي للأوكسجين من قبل الأصحاء، تنبع من تفشي أنواع التقليعات التي يزعم مروجوها بأنها صحية.

ولأننا في عالم يعيش اليوم هاجس الصحة إلى حد الوسوسة أحياناً لدى البعض، ظهرت ونمت وتضخمت إلى حد حجم الديناصورات، قطاعات تجارية تتلاعب بكل ما يخدع الكثيرين في الظاهر حول الجدوى الصحية لها، كما نمت قطاعات أخرى تخدم الصحة والعافية.

وفيما يُدندن العرض حوله، هناك بالإضافة إلى مقاهي الأوكسجين، معلبات الأوكسجين التي تُباع في السوبر ماركت كأي منتج غذائي.

 وموضة المياه المُحتوية على الأوكسجين. ولئن كان التعليق على المعلبات تلك بأنها طريفة، والبعض فنان في كيفية هدر أمواله، فإن المياه المُعززة بالأوكسجين لم يثبت علمياً قط أي فائدة منها بالرغم من كل الدعايات ومن محاولة عدة دراسات طبية معرفة أي جدوى لها في زيادة نشاط الجسم.

وكما تقول إدارة الغذاء والدواء الأميركية، فإن الغريب انتشار تناول تلك النوعية من المياه حتى بين الرياضيين، مع أن أمعاء الإنسان لا تملك القدرة على امتصاص الأوكسجين الممزوج بأي طعام أو شراب، ومع أيضاً، أن تأثير الأوكسجين الذائب محصور في التفاعل مع عصارات الجهاز الهضمي لإعطاء الناس مزيداً من الغازات في البطن.

وكأن الكثيرين لا يشكون من تلك المشكلة ويُريدون المزيد من أسباب تفاقم غازات البطن لديهم! هذا ناهيك عن تقليعات الدعايات غير المنطقية، وغير المثبتة علمياً، لتفضيل الحرص على تناول المنتجات الغذائية العضوية على تلك المنتجات الزراعية العادية، بالرغم من أن معدل سعر الصنف من المنتجات العضوية يبلغ أكثر من 35% مقارنة بسعر المنتجات العادية.

وناهيك أيضاً عن إخطبوط قطاع منتجات تجارة حبوب المعادن والفيتامينات والمركبات الكيميائية الأخرى لمعالجة قائمة لا نهاية لها من الأمراض والاضطرابات الصحية، وهي المواد المتوفرة أصلاً بغزارة في المنتجات الغذائية الطبيعية.

وأمسى يُشكل جسم شركات إنتاجها وتجارة ترويجها واستهلاكها، وهماً قائماً بذاته ومثلاً فريداً لما لا داعي أو جدوى صحية له طالما لم يكن ثمة نقص ثابت الوجود لدى المرء في أحد أنواع المعادن أو الفيتامينات.

وإن شئت المزيد، فلك أن تتخيل حجم تجارة مستحضرات التجميل للشعر والبشرة والأظافر وغيرها. أو سوق برامج التخسيس وإنقاص الوزن، والتي أصبح اليوم اختراعها وتسميتها مرتبطاً بشخصيات المشاهير في عالمي الفن والموضة، أسوة بالعطور والأزياء. وأمسى لدينا حمية فلانة وبرنامج فلان للتخسيس.

وفي كل هذا وغيره، نفتقر إلى أدلة علمية واضحة، وإلى إرشادات طبية صريحة، حول جدواها وأمان استخدامها أو تناولها.

تقليعة يابانية
قصة مقاهي الأوكسجين بدأت في أواخر التسعينات الماضية، حيث أتحف اليابانيون العالم بموضة جديدة، أسموها بارات «الأوكسجين»، التي تُقدم استنشاقه لزبائنها ضمن قائمة «المينيو».

 ولأن ثمة دوماً سحراً لما يأتي من الشرق، سرعان ما انتقلت هذه الصرعة اليابانية شرقاً مباشرة، وإلى لوس أنجليس ولاس فيغاس وغيرهما من مدن الرفاهية والترفيه الأميركية.

ثم أكملت مشوارها في مزيد من التوغل شرقاً، نحو أوروبا وبقية مناطق العالم. ولا يُعرف اليوم بالضبط، المدى الفعلي لانتشار المقاهي التي تُقدم دقائق من الأوكسجين للزبائن.

ولكن ما يُعرف هو أن توفير استنشاق الأوكسجين للزبائن، انتشر خارج المقاهي أو مقاصف اللهو، لتوضع تلك الخدمة في الأندية الصحية وصالونات تصفيف الشعر والمنتجعات السياحية والمطاعم والمطارات والكازينوهات وغيرها من الأماكن التي يرتادها الكثيرون.

ومنذ ملايين السنين، يُشكل غاز الأوكسجين نسبة 21% من الغازات الموجودة في الهواء عند سطح البحر. وهو ما اعتاد البشر عليه، وعاشوا طوال تلك السنين به.

ولعوامل تتعلق بانخفاض الضغط الجوي كلما ارتفعنا عن سطح البحر، تبدأ تلك النسبة لغاز الأوكسجين في الهواء بالنقصان.

ولذا يُواجه الناس، والمرضى على وجه الخصوص، صعوبات حين الانتقال إلى المناطق المرتفعة. ولأن جسم الإنسان دائم التفاعل مع تغيرات الظروف البيئية المُحيطة، تنشأ تدريجياً لدى الإنسان قدرة أفضل للتكيف مع نقص أوكسجين هواء المناطق المرتفعة.

إلا أن المشكلة تظل مُؤثرة، لمرضى الرئة أو القلب أو فقر الدم، ولمن تتطلب أعمالهم القيام بمجهود بدني حال انتقالهم مباشرة إلى تلك المناطق المرتفعة، مثل لاعبي المنافسات الرياضية.

أجهزة توفير الأوكسجين
وفي حالة مقاهي الأوكسجين، تم البدء باستخلاص وتوفير الأوكسجين من الهواء المحيط بنا، وذلك عبر أجهزة تركيز صناعية industrial oxygen concentrator، أي أجهزة تجارية غير طبية non-medical وغير متخصصة في إنتاج أوكسجين نقي من الهواء المحيط.

 وبهذه الأجهزة يتم تنقية الهواء من غاز النيتروجين وغيره من الغازات الموجودة في الهواء المحيط بنا مباشرة. ومن ثم تُعطينا هواءً متدفقاً، ذا أوكسجين بنسبة تُقارب 95% عبر خرطوم صادر عن ذلك الجهاز.

ونظراً لطريقة تقريب سيل تدفق الأوكسجين من الأنف، يجري اختلاط الأوكسجين بهواء الغرفة. أي أن الشخص سيستنشق نسبة أقل من الأوكسجين في الهواء الذي يتنفسه من خرطوم الجهاز. وإذا ما كانت نوعية الهواء ذات عبير عطري، فإن نسبة الأوكسجين ستقل أكثر. وغالباً ستكون محصلة نسبة الأوكسجين المُستنشق أقل من 50%.

وبالإضافة إلى هذه الأجهزة الصناعية، هناك الأجهزة الطبية لإنتاج أوكسجين عالي النقاوة، وهناك ما يُسمى بأوكسجين الطيران Aviators breathing oxygen (ABO). وهو نوع من الأوكسجين ذو درجة طبية medical-grade oxygen أدنى من الأوكسجين الطبي النقي، ولكن نقاوته تظل عالية ولا تقل عن نسبة 99%.

والهدف من إنتاجه هو الاستخدام لغايات الطيران التجاري أو الخاص، من حربي وغيره. ووفق ما تراه إدارة الغذاء والدواء الأميركية، فإن أوكسجين الطيران لا يجب استخدامه لغايات طبية علاجية أو ترفيهية، لا للبشر ولا للحيوانات.

 هذا مع العلم أن بعض مقاهي تقديم الأوكسجين تستخدم أوكسجين الطيران في ما تُقدمه لزبائنها.

ولأن كل سلعة قابلة للتطور في وسائل عرضها وتوفيرها لجذب الزبائن، انتشرت وحدات أجهزة بيع الأوكسجين Oxygen Vending units، أسوة بوحدات بيع المشروبات الغازية أو القهوة أو السندوتشات، التي تُشبه الصندوق الكبير القائم، والتي تعمل بإدخال قطعة من العملة المعدنية.

وتوزعت تلك الأجهزة في النوادي الصحية بالقرب من أجهزة الجري على الدواسة، أو ما تُسمى التردميل treadmills. وفي الفنادق والنوادي الليلية وغيرهما. ولذا انخفض سعر العشر دقائق من استنشاق الأوكسجين إلى خمسة دولارات فقط.

وأصبح هواء الأوكسجين الصادر عن تلك الأجهزة متوفرا بروائح عطرية شتى، للزهور والغابات وغيرهما.

طريقة الاستنشاق
وبالعموم، ثمة عدة طرق طبية لإيصال الأوكسجين إلى حويصلات الرئة. وذلك إما عبر أنبوبين يُثبتان في فتحتي الأنف، أو عبر كمامات تُثبت على الفم والأنف، أو إدخال الشخص إلى حجرة صغيرة (كبينة) مزودة بضغط عال من الأوكسجين.

والشائع في المجال الترفيهي لمقاهي الأوكسجين، أن يستنشق الزبون ذلك الهواء، ذا التركيز العالي نسبياً بالأوكسجين، من خلال أنبوبين لفتحتي الأنف nasal cannula، أو عبر أنبوب يُقرب من فتحي الأنف ويُثبت على الرأس بما يُشبه القوس المُستخدم في سماعتي «الهد فون». وبطريقة أنبوب الأنف، يُمكن توفير هواء بنسبة 33% من الأوكسجين حينما تكون كمية تدفق الهواء عبر الأنبوب حوالي 3 لترات من الهواء في الدقيقة الواحدة.

وحينما يُلجأ إلى إعطاء كميات أكبر لتدفق الهواء عبر أنبوب الأنف، يُمكن توفير كميات أعلى من الأوكسجين للتنفس، إلا أن ذلك لن يكون مُريحاً للشخص حال استنشاقه ذلك الهواء.

 وفي الاستخدامات الطبية بالمستشفيات وغيرها، يُمكن تأمين تنفس هواء ذي نسبة 100% من الأوكسجين عبر ضخ الهواء بكمية تدفق تبلغ 6 لترات في الدقيقة، واستخدام كمامات خاصة لتغطية كامل الوجه، وذات مزايا لا تسمح للمرء بإعادة استنشاق ما زفره من هواء خارج من الصدر.

اعتراضات طبية
وأدى ظهور توفير الأوكسجين للزبائن في المقاهي، وإقبال الكثيرين عليها، إلى إثارة اعتراضات من الهيئات الطبية في الولايات المتحدة على استخدامها. والاعتراضات الطبية المبدئية، كانت مبنية على ثلاثة أمور، الأول: لماذا ؟، والثاني: لماذا ؟، والثالث: لماذا ؟

ولماذا الأولى، كانت حول الداعي إلى استنشاق الأوكسجين وإعطاء رئته مزيداً منه، طالماً كان الإنسان صحيحاً وسليماً من الأمراض. ولماذا الثانية، كانت حول الأجهزة التجارية لاستخلاص الأوكسجين، مع كل الملاحظات العلمية على ما توفره من نوعية للأوكسجين. ولماذا الثالثة، كانت حول الأماكن التي تتوفر فيها تلك الخدمة، والتي بالأصل مشبعة بالدخان وبالصخب وبكل ما يُرهق الجسم. وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد أصدرت تقريراً يتيماً في عام 2002 ضمن عدد نوفمبر- ديسمبر من مجلة المستهلك للإدارة المذكورة حول الاستنشاق الترفيهي للأوكسجين.

إلا أنها حتى اليوم لم تُصدر تقارير متابعة حول الأمر، خاصة مع انتشار استخدام الأوكسجين على نطاق أوسع بكثير مما كان الحال عليه في عام 2002، وتفنن مروجو وموفرو تلك الخدمة الاستهلاكية في التغلب على مضمون وشكل الاعتراضات التي طرحتها الإدارة آنذاك.

وهذا الأمر أدى بدوره إلى اختلافات في إصدار العديد من الولايات في أميركا للقوانين التي تسمح أو تحظر بموجبها توفير «أصناف فاخرة» وعالية الترْكيز من «وجبة» الأوكسجين تلك إلى الزبائن المتلهفين إلى «شمّ هواء نظيف»، أي منع توفير هواء ذي تركيز أوكسجين أعلى من 30% (ثلاثين بالمائة)،

ومنع استخدام الأجهزة الصناعية التجارية في إنتاج أوكسجين ترفيهي للزبائن، مثل ولايات تكساس وأيوا وماساشوستس وغيرها. وعليه بقي توفير أوكسجين للاستنشاق بنسبة لا تتجاوز 30% قانونياً ولا غبار عليه في العديد من الولايات الأخرى.

ولأن مضمون المكتوب يُقرأ ويُفهم من عنوانه، كان عنوان المقال ذاك مطاطاً، بقوله « بارات الأوكسجين: هل استنشاق هواء نقي يستحق ذلك؟»

والإجابة العفوية لأي إنسان ستكون: «نعم» لأن البعض قد يعيش في مدن أو أجواء مفعمة بالهواء الملوث أو بالهواء المتدني المحتوى من الأوكسجين، أو ببساطة يُريد البعض ذلك طالما كان غير ضار.

وبالرغم من مرور حوالي عقد من الزمان على بدء انتشار هذه الخدمة الاستهلاكية، لا تزال المحافل والهيئات الطبية متأخرة في إصدار إرشادات طبية واضحة حول مدى جدوى هذه الوسيلة التنشيطية.

وهي وإن كانت واضحة في اعتبارها الأوكسجين أحد الأدوية التي يجب أن تُنظم شؤون تناوله عبر تلك الهيئات الطبية، مثل إدارة الغذاء الأميركية، إلا أن تقاريرها ليست حاسمة في إيضاح ما على الناس فعله إزاء انتشار توفرها في أماكن شتى.

مناقشة طبية أفضل
والمناقشة الطبية لمثل هذه الحالة الفريدة وغير المسبوقة في الظهور المفاجئ لخدمات توفير الأوكسجين للناس على قارعة الطرقات ومتى ما شاءوا، مبنية بالأساس على عدة اعتبارات يتبناها الوسط الطبي بالنسبة للأوكسجين منها:

أن الأوكسجين مادة تُستخدم كدواء في معالجة العديد من الحالات الصحية الحرجة والخطرة على سلامة حياة الإنسان وسلامة أعضائه وسلامة نشاطه وعافيته.

ولذا تعتبر الهيئات الطبية من مسؤولياتها تقنين استخدام الأوكسجين بأي صفة كانت. والوسيلة التي يقوم بها محل ما بتوفير غاز الأوكسجين للاستنشاق المباشر، إنما هو في النهاية «إعطاء دواء لإنسان ما».

 يتم توفير الأوكسجين للاستخدام حال الضرورة في ظروف معينة خلال بعض أنشطة الحياة العملية اليومية. مثل الطيران وتسلق الجبال والغوص.

 وهنا تتدخل الهيئات الطبية بإبدائها إرشادات طبية واضحة حول كيفية وجدوى الاستخدامات الحياتية الضرورية هذه.

 ينتشر اليوم، وبشكل غير مسبوق، استخدام الأوكسجين في المنازل ودور الرعاية الصحية، أي خارج المستشفيات، على نطاق واسع. وذلك لمعالجة العديد من الحالات الصحية المرضية التي قد تطال الصغار والكبار ومتوسطي العمر.

وكان الأفضل لو أنه تمت أولاً مناقشة وتقرير مدى الجدوى والحاجة لاستهلاك الأوكسجين من قبل الأصحاء من الناس، قبل تشتيت الحديث بذكر أمور فرعية.

وهذا هو المطبّ الذي وقع فيه تقرير إدارة الغذاء والدواء، ذلك أن التقرير أطنب في بدايات حديثه عن أضرار الأجهزة الصناعية التجارية المُستخدمة في إنتاج الأوكسجين من الهواء المحيط بنا، ومقارنة ذلك بالأجهزة الطبية المُستخدمة لتلك الغاية الإنتاجية للأوكسجين.

كما تحدث التقرير عن الهواجس التي لدى الإدارة حيال المواد المُستخدمة في إعطاء رائحة زكية للهواء الغني بالأوكسجين المُقدم للزبائن في مقاهي الأوكسجين.

وأبدت الإدارة تفريقها بين استخدام مواد عطرية وبين الزيوت العطرية، وذلك باعتبار أن وصول الدهون العطرية عبر الهواء إلى الأنسجة الداخلية للرئة قد يُؤدي إلى التهابات دقيقة وسيئة على المدى البعيد.

وتحدث التقرير عن جوانب تتعلق بالسلامة إزاء احتمال حصول الحرائق نتيجة سهولة حصول الاشتعال في وجود مصدر قريب للأوكسجين. والطريف بحق أن التقرير بدأ بالحديث عن ثمن تلقي «وجبة» الأوكسجين، وكيف أنها تبلغ بضعة دولارات.

هذا مع أن من المعلوم أن مقدار ارتفاع الثمن ليس عيباً في فاعلية الدواء، لأن كثيراً من الأدوية أو الوسائل العلاجية أو الفحوصات الطبية هي بالأصل غالية الثمن، ولكن بالرغم من ذلك يقبل الإنسان علي امتلاكها أو الاستفادة منها رجاء نيل فائدتها.

ولذا لا تعاب المراكز الطبية المتقدمة أو الأدوية الأصلية على ارتفاع ثمنها. وهذه الأمور الأربعة، والتي تم التركيز على ملاحظتها في تقرير إدارة الغذاء والدواء الأميركية، من السهل جداً التغلب عليها من قبل أصحاب المقاهي وغيرها طالما أصروا على دخول هذا «البزنس».

الحاجة إلى الأوكسجين
والسؤال الأهم: هل استنشاق كميات أوكسجين أعلى مما هو موجود في الهواء الطبيعي، سيؤدي إلى دخول كميات أكبر من الأوكسجين إلى الجسم عبر الرئة؟ أم أن الناس الأصحاء لا يستطيعون بالأصل استخلاص سوى ما نسبته 5% من أوكسجين الهواء، والباقي، أي 14%، يخرج بكامله مع هواء الزفير.

 بمعنى هل ان توفير مزيد من الأوكسجين لهواء التنفس ستمتصه أنسجة حويصلات الرئة؟ أم أن تلك الزيادة لا تستطيع الرئة امتصاصها أسوة بما لا تستطيع الأمعاء امتصاصه من أوكسجين مُضاف إلى المياه المعززة بالأوكسجين والمُعبأة في القناني الخاصة.

تقول الدكتورة ماري بيريكير، المتخصصة في طب الرئة من مركز أبحاث تقييم الأدوية في الوكالة المذكورة، اننا عشنا لملايين السنين في أجواء ذات نسبة 21% من الأوكسجين في الهواء.

والحقيقة أن أحدنا، وفي أحلك الظروف المهددة لسلامة الحياة، يستطيع الاستفادة من استنشاق هواء زفير شخص آخر، وهذا هو الأساس في إعطاء النفس من الفم إلى الفم خلال عملية الإنعاش القلبي الرئوي CPR.

والواقع أن الرابطة الأميركية للرئة قالت صراحة «من غير المحتمل أن يكون استنشاق الأوكسجين في بارات الأوكسجين ذا تأثيرات فسيولوجية مفيدة». لكنها أردفت مباشرة بالقول «لا توجد أدلة علمية على أن ذلك الاستنشاق لمستويات منخفضة من تدفق الأوكسجين، والمُستخدم في بارات الأوكسجين، خطير على صحة الأشخاص العاديين من الناس».

أما المُصابون بحالات صحية، فالأمر لديهم مع هذه البارات شأن آخر. والبعض منهم قد يحتاج فعلاً إلى أوكسجين، لكن عليه أن لا يذهب إلى هذه البارات للحصول عليه، كما تقول الدكتورة بيريكير. وأضافت، أن من لديهم بعض أنواع أمراض القلب، أو الربو، أو فشل القلب، أو ارتفاع الضغط الرئوي، أو أمراض السد المزمن الرئوية، يحتاجون إلى عناية طبية لضبط نسبة الأوكسجين في دمهم بشكل صحيح، ولو استنشقوا كميات أعلى مما يجب من الأوكسجين، فقد يتوقف التنفس لديهم.

وبالرغم من الدراسات على الحيوانات، والتي تحدثت عن تأثيرات ضارة، وخاصة الإسراع بظهور الشيخوخة، على منْ يعيشون في أجواء عالية المحتوى من الأوكسجين في الهواء، إلا أنه لا توجد إثباتات علمية على أي تأثيرات ضارة للكميات المُستنشقة في مقاهي الأوكسجين. وعلى العكس، ثمة حديث عن دورها في رفع القدرات على بذل الجهد البدني من قبل الرياضيين، خاصة حينما يوجدون لفترات قصيرة في مناطق مرتفعة. وإلى تحسين القدرات الذهنية، من التفكير والحفظ والاستذكار.

وكانت دراسة صادرة في عدد أواخر يوليو الماضي من مجلة «كوشيران» العلمية للمراجعات الطبية، قد ذكرت أن نتائج مراجعة تسع دراسات، تمت فيما بين الفترة 1981و 2004، حول تخفيف شدة الشعور بالألم حال الإصابة بالصداع النصفي migraine، باستخدام العلاج عالي الضغط من غاز الأوكسجين hyperbaric oxygen therapy. وتخفيف الصداع العنقودي cluster headaches، عند استنشاق الأوكسجين في ضغط طبيعي لتدفقهnormobaric oxygen therapy.