علماء ألمان يشيرون إلى صعوبة تغيير العادات الغذائية للأطفال بعد البلوغ

 يتناول الأطفال في ألمانيا يوميا كثيرا من اللحوم وقليلا من الخضراوات والفواكه، مما يجعلهم عرضة لأمراض العصر الحديث؛ من البدانة إلى ضغط الدم إلى السكري، عند البلوغ. والأدهى من ذلك أن الوالدين، وحتى الذين يهتمون منهم بموازنة تغذية أطفالهم، لا ينتبهون إلى أن أطفالهم لا يشربون يوميا ما يكفي من الماء.
 
التغذية والطفولة 
إلى هذه النتيجة توصل معهد أبحاث تغذية الطفل الألماني في دورتموند (غرب) من خلال دراسة متعددة الجوانب على الأطفال، تابعت طوال سنوات، عادات تغذيتهم، وتطورهم الجسدي والعقلي، ومن ثم صحتهم في مرحلة البلوغ. وشملت الدراسة 525 عائلة من مختلف المشارب والطبقات والمستوى التعليمي، واهتمت بتغذية وتطور الأطفال من عمر يقل عن 3 سنوات، ثم تابعت تطورهم إلى مرحلة الشباب.
 
وذكرت الباحثة أنيته هيلبغ، المتخصصة في تغذية الطفل، أن حجر أساس تغذية الإنسان في مرحلة النضوج يوضع عادة في مرحلة الطفولة، خصوصا في مرحلة الانتقال من تغذية الطفل على العصيدة (الأغذية غير الصلبة) إلى مرحلة الغذاء الاعتيادي وتناول الطفل لطعامه على مائدة طعام العائلة.
 
وأضافت الباحثة، التي ترأست فريق البحث، أن من الصعب تغيير عادات التغذية التي يكتسبها الطفل في سنواته الأولى، وترافقه هذه العادات لاحقا في مرحلة النضوج؛ إذ من الصعب تماما تغيير نمط ومحتويات غذائه بعد سنوات طويلة جعلت هذه التغذية جزءا من ساعته البيولوجية. وقد يواجه الإنسان البالغ، الذي تعلم عادات تغذية معينة في الطفولة، اضطرابا في عملية الأيض (التمثيل الغذائي) تمهد لظهور الأمراض المزمنة.
 
مآكل ومشارب 
ورصدت الدراسة أن الطفل الألماني عموما يتناول كثيرا من اللحم والنقانق، ومنتجات اللحوم الأخرى، والكثير الكثير من الحلوى على حساب تناول الخضراوات والفواكه. والمهم أيضا أن الطفل الألماني لا يتناول سوى 0.4 لتر من السوائل، خصوصا الماء، في حين أن الحد الأدنى اللازم لتطوره الصحي المستقبلي هو 0.7 لتر على الأقل.
 
ويأكل الطفل كمعدل 50 غم من الحلوى، خصوصا الشوكولاته، وهذا ضعف الحد الصحي الذي يقترحه معهد أبحاث تغذية الطفل والبالغ 25- 30 غم. ويحتاج الطفل إلى طاقة بالطبع، لكن اقتصار هذه الطاقة على السكر، ستظهر في المستقبل في شكل داء السكري وبدانة وتسوس أسنان، ناهيكم بأمراض الجهاز الهضمي في مرحلة الطفولة والمراهقة.
 
وتضيف أنيته هيلبغ أن الطفل، في مرحلة الانتقال إلى مائدة العائلة، يأخذ معه عادات تغذية والديه، فهما نموج يحتذى بالنسبة له. وهذا يعني أن تربية الطفل على عادات التغذية الجيدة تبقى مرهونة بوعي وثقافة الأبوين. ولهذا يقع على الوالدين مهمة تنظيم طعام الطفل بما يضمن تطوره اللاحق خاليا من الأمراض المزمنة.
 
والقضية هي أن انشغال الأهل بالعمل، واقتصار مائدة العائلة على الأكلات الجاهزة والمجمدة، سيربي الطفل على هذه العادات. وتفتقد العديد من العائلات إلى المعلومات اللازمة عن فترة انتقال الطفل من العصيدة إلى الأكل الاعتيادي، وهذا يترك أثره على نمو الطفل البدني والعقلي بالطبع.
 
ومن الملحوظ، وهذا ما ظهر من الدراسة، أن العديد من العائلات تواصل تغذية الطفل على العصيدة رغم جلوسه إلى مائدة العائلة ورغم تخطيه سن 3 سنوات.
 
ربما هناك حالة رهاب (فوبيا) مشتركة؛ إحداها تصيب العائلة خشية من تغذية الطفل على الغذاء الاعتيادي، وثانيها معروفة لدى بعض الأطفال وتسمى «نيو فوبيا»، أي الخوف من الطعام الجديد الذي يقدم لهم. وهنا ينبغي تعويد الطفل على الطعام «الصلب» الجديد بالتدريج عبر وجبات متقطعة ومتنوعة.
 
إن التغذية السليمة للطفل لا تعني قسره على تناول السبانخ يوميا مثلا وحرمانه من أصابع البطاطا الجاهزة، لكن التغذية اليومية على البطاطا الجاهزة المقلية، لن تنقذ الطفل من البدانة وعواقبها.
 
والقضية هي ضرورة توفير وجبات غذاء متكاملة ومتوازنة فيها القليل من اللحم وكثيرا من الخضراوات والفواكه. ولا باس بالمعكرونة والأرز والسمك والحليب ومشتقاته والحبوب، ولكن ينبغي عدم نسيان الماء.
 
وتثبت الدراسة أيضا أن تغذية الطفل لا تخلو من جوانب طبقية، فالعائلات المرفهة، والأعلى تعليما، أفضل من غيرها في ألمانيا من ناحية موازنة غذاء الطفل صحيا. لكن هذه العائلات المرفهة لم تكن أفضل من غيرها من ناحية نسيان أهم عناصر التغذية الصحية وهو الماء.