إلسا شياباريلي وميوتشا برادا في متحف المتروبوليتان

أهم ما يميزه أنه يعطي صورة إيجابية عن الموضة كفن من الفنون التي تستحق الدخول إلى المتاحف والاحتفال بها
أهم ما يميزه أنه يعطي صورة إيجابية عن الموضة كفن من الفنون التي تستحق الدخول إلى المتاحف والاحتفال بها

يوم الاثنين الماضي، تابع كل مهتم بالموضة والفن، الحفل السنوي الذي ينظمه متحف المتروبوليتان للفنون والأزياء، الذي أصبح يعتبر واحدا من أهم فعاليات عالم الموضة، خصوصا بعد أن تولته أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوج» الأميركية. 
فهو يستضيف فقط النخبة من النجوم ومن المؤثرين على الموضة، فالنجمة ليندسي لوهان، مثلا وحسبما يقال، تحاول منذ سنوات الحصول على دعوة لحضوره من دون أن توفق إلى ذلك.
أهم ما يميزه أنه يعطي صورة إيجابية عن الموضة كفن من الفنون التي تستحق الدخول إلى المتاحف والاحتفال بها، وهي الفكرة التي لقيت ترحيبا كبيرا بها، بدليل أن معرض «جمال متوحش» الذي احتفل في العام الماضي بالراحل ألكسندر ماكوين، شهد 660 ألف زائر بين مهتم بالموضة ومن لا علاقة له بها على الإطلاق.
لكن كل هؤلاء الزوار وجدوا أنفسهم منجذبين إلى عالم من الجمال طرحت فيه عدة تساؤلات فلسفية حركت العلاقة القديمة بين الفن والموضة منذ عهد المصمم المستشرق بول بواريه، ومنذ أن وضع سلفادور دالي وجان كوكتو أعمالهما السريالية على تصميمات الأزياء لإلسا شياباريلي. 
ولم يختلف معرض هذا العام عما سبقه، وإن كان يحتفي لأول مرة بمصممتين من حقبتين مختلفتين تماما: الأولى هي إلسا شياباريلي، التي اشتهرت في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي بمعانقتها الفن الذي طرزته على الكثير من إبداعاتها، وكانت المنافسة الأولى لكوكو شانيل وعدوتها اللدودة في الوقت ذاته. 
والثانية هي ميوتشا برادا التي لا تزال تعيش بيننا وتؤثر على أذواقنا بأسلوبها المتميز. وعلى الرغم من اختلاف الزمان والمكان، فإن الواضح أن حب الفن والقدرة على تطويعه لخدمة الموضة والمرأة على حد سواء، صفة لصيقة بكلتيهما. 
المعرض، الذي افتتح بشكل رسمي يوم الخميس الماضي، يحمل عنوان «شياباريلي وبرادا: حوارات مستحيلة» في إشارة واضحة إلى لقائهما المجازي والخيالي؛ ففي أحد أشرطة الفيديو المسجلة التي لا بد للزائر أن يمر عليها، قول إلسا شياباريلي لبرادا: «تعرفين ميوتشا، أكره الحديث مع المصممين، إنه الأسوأ، لهذا فإن هذا الحوار المستحيل هو الاستثناء».
وبالفعل يمكن القول إن كل ما في المعرض استثنائي. أما فكرة الجمع بين هاتين المصممتين، فجاءت حسب ما صرح به المتحف، من موضوع لميغيل كوفاروبياس، نشر في مجلة «فانيتي فير» في الثلاثينات من القرن الماضي بعنوان «لقاءات مستحيلة»، تصور فيه حوارا بين أدولف هتلر وهيوي لونغ إلى جانب آخرين.
لكن المعرض، كما أصبح يعرف مع الوقت، ليس فقط عن الفن والاحتفال بالموضة كوجه من الأوجه الفنية المعاصرة، بل هو أيضا عرض فخم ينافس حفل توزيع جوائز الأوسكار في ضخامته وأهميته، فأغلب ضيوفه يعتبرون من المؤثرين، سواء كانوا من المصممين أو عارضات الأزياء أو النجوم، ويتم اختيارهم بعناية فائقة حتى يحتفظ بخصوصيته وبريقه ويبتعد عن أي شيء يمكن أن يثير الجدل، ويسرق الضوء من فكرة المعرض الأساسية، التي تتمثل في الاحتفال بالأزياء والموضة. 
وجرت العادة فيه أن تظهر النجمات على السجاد الأحمر في أزياء مستوحاة من موضوع المعرض وفكرته، إن كان مستقبليا أو كلاسيكيا أو حداثيا. بيد أنهن، يوم الاثنين الماضي لم يتقيدن بهذا التقليد، وجاءت أزياؤهن كلاسيكية ومضمونة إلى حد كبير، على الرغم من أن كل من شياباريلي وبرادا يعشقان الفن ويجسدانه في تصاميمهما بشكل أو بآخر، رغم أن الأخيرة قالت في أحد حواراتها بأن المرأة تفقد الكثير من الجاذبية عندما تعانق المضمون وتعزف عن الجريء والصاخب. 
التصاميم التي ظهرت على السلم المغطى بالسجاد الأحمر والمؤدي إلى المتحف، لم تكن جريئة في تصميمها ولا قوية في ألوانها، إذ سادها الأسود إلى جانب الألوان المعدنية، مع ومضات قليلة من الألوان المتوهجة، مثل الأصفر والوردي، ولفتة خفيفة جدا إلى حقبة العشرينات تمثلت أكثر في الماكياج وتسريحات الشعر.
ومع ذلك لم تفقد المناسبة بريقها، فلائحة الحضور كالعادة ضمت باقة من النجوم، نذكر منهم على سبيل المثال: توم فورد، مارك جايكوبس، سارة جيسيكا باركر، بروك شيلدز، جيسيكا ألبا، غوينيث بالترو، بيونسي، ريهانا، كولين فيرث، جاستين تيمبرلايك، تيم تيبو.. وهلم جرا. 
طبعا كان الصعب حصول أي واحدة منهن على زي من أزياء شياباريلي، بحكم أنها نادرة وأصبحت المتاحف تتعامل معها كأنها ورق بردي من العصر الفرعوني، إلا أنهن عوضن هذا النقص بارتداء فساتين من ميوتشا برادا بدءا من المضيفة أنا وينتور، إلى الممثلة البريطانية كاري موليغان، غوينيث بالترو، إيفا مانديز، جيسيكا بيل، أوما ثيرمان، والعارضة ليندا إيفانجليستا.
وإذا كان الكثير من المتابعين يقارنون المناسبة بحفل توزيع جوائز الأوسكار، الذي يعتبر أيضا من الفعاليات التي يتودد فيها المصممون إلى النجمات للظهور بفساتين سهرة من تصميمهم، فإن الاختلاف بين المناسبتين يظهر في تفاصيل قليلة، منها أن الحاجة إلى طرح السؤال على النجمة عن مصمم فستانها تنتفي، لأن المصمم يكون مرافقها في الكثير من الأحيان، في تقليد أصبح متعارفا عليه ومرحبا به لأنه يغني عن السؤال. 
المصمم مايكل كورس، مثلا، ظهر مع هيلاري سوانك، وجايسون وو مع العارضة كارلي كلوس، والعارضة كارولينا كوركوفا مع رايتشل زو، التي قيل إنها صممت الفستان خصيصا للعارضة، والمصمم جوزيف ألتوزارا مع المغنية لانا ديل راي، والمصمم رولان موريه مع العارضة دوتزن كروز.. وهكذا.
بين شياباريلي وبرادا:
يضم الحوار المستحيل بين المصممتين ثمانية أشرطة قصيرة من إخراج باز لوهرمان. وتعتبر هذه الأشرطة العمود الفقري في المعرض، إلى جانب أقوال مأثورة لكل من المصممتين، أخذت من السيرة الذاتية لشياباريلي: «شوكينغ لايف» (حياة صاخبة)، التي صدرت أول مرة في عام 1954، ومن لقاءات صحافية أجراها أندرو بولتون، أمين المتحف، مع برادا.
أهم ما فيها أنها تسلط الضوء على أوجه الاختلاف بينهما، وفي الوقت ذاته القواسم المشتركة التي تجمع بينهما، وعلى رأسها حب الموضة والفن، عدا أن أعمال برادا قد تكون نسخة عصرية لما كانت تقوم به شياباريلي، لكن بطريقتها الخاصة.
برادا: «أحاول أن أجعل الرجل أكثر إنسانية والمرأة أكثر قوة».
برادا: «قيل لي إن النساء اللواتي يرتدين تصاميمي مختلفات تماما بعضهن عن بعض. طبعا أتمنى أن يتمتعن بالذكاء والتميز، أتمنى أيضا أن تكون أزيائي جعلت حياتهن أسهل إلى حد ما، وأدخلت السعادة إلى أنفسهن. ليس بالضرورة أن تجعلهن أجمل، بل فقط تعكس شخصيتهن.. أحاول أن أجعلهن يشعرن بالقوة من دون أن يفقدن أنوثتهن».
برادا: «تميل النساء دائما إلى ترويض أساليبهن عندما يتقدمن في العمر، لكن أجملهن هن اللواتي يحافظن على أسلوب جريء أقرب إلى المتوحش. التفكير في عامل السن والهوس به أكبر قيد تكبل به النساء أنفسهن».
شياباريلي: «أشعر بأن الأزياء يجب أن تكون هندسية: بأنه لا يجب نسيان الجسد بل استعماله كأساس للبناء مثل أي بناية.. كلما تم احترام الجسد، اكتسب الفستان حيوية وقوة، وهذه حقيقة فهمها الإغريق القدامى جيدا، مما ساعدهم على إضفاء الكثير من الجمال والأناقة على آلهتهم، إلى جانب ذلك الإحساس الرائع بالحرية والانطلاق».
شياباريلي: «يحترم الرجل المرأة القوية».
«عندما بدأت، لم تكن لدي فكرة عن تصميم الأزياء أو الخياطة. كنت جاهلة تماما في هذا المجال، في المقابل كانت شجاعتي بلا حدود وعمياء، حيث اكتسبت تصاميمي جرأة متزايدة، لمست كل جزء من الجسم، من الأكتاف والصدر إلى الخصر الذي أعدت إليه دوره الحقيقي بعد أن تم تجاهله في السابق».