لندن تستخدم الأولمبياد كحافز للبريطانيات للتمتع باللياقة

بمجرد أن قفز ثلاثة من الرجال ممشوقي القوام يرتدون أحذية الجيش والزي الرسمي له من شاحنتين في الهايد بارك، تجمعت حولهم سيدات من مختلف الأعمار وذوات أوزان مختلفة.
لقد استعددن للقيام بتمرينات الساعة التاسعة الرياضية مع شركة «بريتيش ميليتري فيتنس» التي تحقق على نطاق ضيق ما تحاول الحكومة البريطانية تحقيقه مع اقتراب دورة الألعاب الأوليمبية، ألا وهو حثّ النساء على الحركة.
في ظل ثقافة تهيمن عليها لعبة كرة القدم والكريكيت والرغبي الذكورية، تمارس واحدة من كل ثماني سيدات بريطانيات التمرينات الرياضية بانتظام في مقابل واحد من كل خمسة رجال بحسب «سبورت إنغلاند»، وهي هيئة حكومية تستثمر أموال اليانصيب القومي البريطاني في مبادرات شعبية تستهدف البالغين. 
الجدير بالذكر أن سيدة من بين كل عشر سيدات تنتمي للفئات المحرومة. ورصد الباحثون مجموعة متنوعة من الأسباب سواء العملية أو الثقافية وراء هذه النتيجة ومن بينها إدراك الكثير من السيدات أن النشاط أمر غير جذاب.
ولا تمثل الرياضة جزءا أصيلا من الثقافة العامة في بريطانيا، لكنها الرفاهية التي يمارسها الأثرياء الذين تتوافر لهم وسائل متقدمة ويحظون بتدريب ويشاركون في منافسات في ملاعب المدارس الخاصة. ويفسر هذا أن أكثر من ثلث الأبطال البريطانيين الذين حصلوا على جوائز في دورة الألعاب الأوليمبية في بكين عام 2008 تلقوا تعليما خاصا.
أما فيما يتعلق بموقف الفتيات من الألعاب الرياضية، فيعود ذلك إلى مزيج من الضغوط الثقافية والقضايا المتعلقة بالطبقة الاجتماعية، حيث يتم تشجيع الشابات في بريطانيا على السلبية والحرص على الظهور بمظهر جذاب والنحافة، لا الحرص على الصحة.
وتقع اللائمة على نموذج هذا الجيل العارضة الشهيرة كيت موس، التي قالت: «لا شيء يضاهي الشعور بالنحافة جمالا». 
وتواجه الولايات المتحدة قضايا مشابهة، لكنها حققت نجاحا كبيرا في التعامل معها من خلال العصا القانونية وهو تعديل قانوني يعرف باسم «تايتل 9» الذي منح منذ صدوره عام 1972 الفتيات والفتيان والشابات والشباب فرص متكافئة في المدارس التي تحصل على أموال الحكومة الفيدرالية.
وفي حين لا يوجد قانون مشابه في بريطانيا، واجه تمويل ودعم الألعاب الرياضية للسيدات مشكلات على حد قول سو تيبولز، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الرياضة واللياقة البدنية للسيدات، أبرز مؤسسة تعمل في مجال رياضة السيدات.
فجوة بين الأجيال:
يوجد هنا في الهايد بارك عدد كبير من السيدات المتحمسات يرتدين صديريات بألوان مختلفة يحمل كل منها معنى مختلفا يتعلق بمستوى اللياقة ويشكلن ثلاث مجموعات قبل أن يبدأن الهرولة في أنحاء المتنزه بالأمر.
ويقول بول أحد المدربين بنبرة تشجيعية مضبوطة: «عدن بأكتافكن إلى الوراء، ارفعن ركبكن ورؤوسكن. انطلقن أيتها السيدات، أسرع قليلا، رائع». بعد ذلك يهرولون باتجاه تل حاملا على ظهره حقيبة محمّلة بزجاجات المياه للفريق الذي يدربه، بينما تأتي وراءه المجموعة التي ترتدي صديريات زرقاء.
ويمثل متنزه هايد بارك، الذي كان يوما ما مكانا يسهل العثور فيه على الأمراء في واحد من أرقى أحياء لندن، بقعة محببة للصف الذي يمارس تمرينات رياضية مدتها ساعة، حيث لا تبدو تمرينات البطن وتسديد اللكمات في الهواء مرهقة وقاسية عندما تكون خلفيتها بجعات تتزحلق على البحيرات وسكان لندن الذين يتهادون على ظهر خيول.
مع ذلك لا يخفى على أحد أن السبب الرئيسي الذي يجذب الكثير من السيدات إلى «بريتيش ميليتري فيتنس» هو «الرجال الجذابون الذين يرتدون زيا رسميا» على حد قول واحد من المدربين ضاحكا. وأوضح قائلا: «ليس عليهم القيام بتدريبات بجوار شباب يتصببون عرقا أو بعض الشهوانيين في صالة ألعاب رياضية».
استثمرت «سبورت إنغلاند» العام الماضي نحو 15,5 مليون دولار في 20 مشروعا تهدف إلى جذب السيدات إلى الملاعب والساحات الرياضية خاصة الأمهات والسيدات المحرومات اللاتي يقلن إنه ليس لديهن الوقت والطاقة اللازمتان لممارسة الرياضة.
ولا يمثل هذا المبلغ سوى جزء ضئيل من إجمالي ميزانية «سبورت إنغلاند»، لكن يُنظر إليه باعتباره وسيلة لترسيخ الكثير من الأفكار أملا في أن تثمر بعضها. 
من بين المشروعات الواعدة مشروع «نيتبول إن ذا سيتي» «كرة الشبكة في المدينة»، الذي ينظم مباريات للسيدات محدودات الدخل في المناطق الحضرية. وتعد كرة الشبكة شكلا من أشكال كرة السلة وتمارس في حصص التربية الرياضية في المدارس البريطانية.
ويحاول هذا المشروع إعادة الحماس لهذه الرياضة في النفوس من خلال تقديم مبلغ إضافي مقابل الشعور بالمرح ورعاية للطفل، ولا تتطلب ممارسة هذه اللعبة ارتداء الزي القبيح الذي يرى الباحثون أنه من أسباب إفساد المتعة في حصص التربية الرياضية بالنسبة للكثير من الفتيات البريطانيات.
ويقول فيل سميث، مدير الرياضة في «سبورت إنغلاند»: «ليس لدينا المدرب الذي يمسك بلوح الكتابة والصفارة. 
ولا يوجد التزام وصرامة ولا أهمية للفوز ببطولات». بحسب مؤسسة الرياضة واللياقة البدنية للسيدات، تبدأ الفجوة بين الجنسين في ممارسة الرياضة في المدارس عند سن العاشرة تقريبًا عندما تمتنع الفتيات عن الاستمرار في ممارسة الرياضة نتيجة عدة عوامل ثقافية.
وقالت أكثر من نصف الفتيات، اللاتي شملتهن عينة المسح، الذي أجراه معهد رياضة الشباب بجامعة لفبورو، إن تجاربهن في حصص الألعاب الرياضية دفعتهن للابتعاد عن النشاط. وأوضحت ربع الفتيات أن ممارسة الألعاب الرياضية أو إجادتها أمر «رائع»، في حين قالت 30 في المائة من الفتيات إنهن لم يحببن ملابس التمرين. 
وقالت تيبولز: «لا يزال يُنظر إلى الألعاب الرياضية باعتبارها نشاطا للرجال. بوجه عام، يتجه كل من الفتيان والفتية إلى ممارسة أنشطة مختلفة، حيث يمارس الفتية رياضة كرة القدم والكريكيت والرغبي، بينما تتجه الفتيات إلى ممارسة الباليه وامتطاء الخيول».
وأضافت:
«مع ذلك بدأت الأمور تتغير بين الشباب، حيث يرى الكثيرون كرة القدم كرياضة تناسب الفتيات والفتية. وينطبق هذا أيضا على كرة الشبكة. وهناك فرق شاسع بين نظرة الشباب إلى الرياضة ونظرة كبار السن لها». 
أما على مستوى الجامعات، فلا تزال الفرق الرياضية وليدة. ويفسر هذا إلى حد بعيد لماذا كانت الميداليات العشرون التي فازت بها البريطانيات خلال دورة الألعاب الأوليمبية في بكين عام 2008 في الألعاب الفردية مثل ركوب الدراجات والسباحة وألعاب القوى والفروسية والتجديف والإبحار.
على الجانب الآخر كانت هناك تغطية كبيرة لزيارة دوقة كامبردج، كيت ميديلتون سابقا، لفريق الهوكي البريطاني بالحديقة الأوليمبية خلال الربيع الحالي. وركلت الدوقة، التي كانت قائدة فريق الهوكي في مدرستها الثانوية، الكرة بضع ركلات موفقة وسرعان ما ومضت أضواء الكاميرات.
ولا تقل بيبا، الشقيقة الصغرى للدوقة، والحاصلة على منحة دراسية رياضية في إحدى الكليات، حماسة تجاه الرياضة عن شقيقتها. وأكدت بيبا أن فضل هذا الجسد الممشوق والبنية القوية إلى مدربها بيلاتس، وكان هذا كفيلا بجعله شهيرا على الفور. وقد انتهى مؤخرا من تشكيل فريق للمشاركة في «الترياثلون» (السباق الثلاثي) وماراثون تزحلق الضاحية. 
يمكن أن ينجح ظهور السيدتين في المشهد العام بالبلاد في أن يثير جنون الرشاقة واللياقة البدنية مثل أي مبادرة حكومية عامة.
ويقول دانييل سيلوود، أحد مؤسسي مجلة «سبورتسيستر» البريطانية التي تهدف إلى حثّ الفتيات والسيدات على اتباع نمط حياة صحي نشيط: «من المؤكد أن ممارسة السيدات البارزات لأنشطة يساعد كثيرا، وسيكون من الرائع رؤية كيت أو بيبا تركضان أو تركبان دراجة، بينما يتصبب العرق منهما مثلا».
مع ذلك لا يمثل هذا سوى عنصر واحد من بين عناصر أخرى لازمة لتغيير التوجهات المتعلقة بالألعاب الرياضية الخاصة بالسيدات في بريطانيا. 
ويضيف سيلوود:
«لا يوجد حل سريع» مشيرا إلى قائمة بالأماني من بينها تغطية إعلامية أشمل تهتم باللاعبات الرياضيات، وزيادة الاهتمام بالرياضة في المدارس، وزيادة عدد الفتيات اللاتي تمارس أمهاتهن أنشطة بدنية، وتوفير المزيد من الأشياء الرائجة والمحببة التي تحفز على ممارسة الرياضة. وأوضح أخيرا قائلا: «ما من شك أن الألعاب الأوليمبية لها تأثير، لكنها ليست سوى قطعة واحدة من قطع الأحجية».