معرض خليجي للسلع الفاخرة في لندن

رغم محاولات «دمقرطة» الموضة في العقد الأخير، والتي كان الهدف منها إدخال المرأة ذات الإمكانات المحدودة عالم الموضة من باب المحلات الكبيرة والأزياء التي تنقل لها آخر خطوط الموضة بسعر التراب، إلا ان محاولاتها هذه اهتزت أخيراً تحت وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها على الولايات المتحدة الأميركية أولا قبل ان تنتقل إلى أوروبا، وبالذات إلى بريطانيا.


وكانت النتيجة الحتمية تراجع مبيعات الأزياء والاكسسوارات الرخيصة، بشكل أثار المخاوف من أن العديد منها قد يغلق أبوابه ويختفي تماما عما قريب.

ولأن المصائب لا تأتي فرادا، فقد بدأ اسمها يرتبط باستغلال العمالة في الدول الفقيرة واستعمال خامات وطرق غير صديقة للبيئة وهلم جرا من الاتهامات التي لا تصب في صالحها على الإطلاق وطفت على السطح مرة واحدة.

لكن إذا كان عرش المنتجات الرخيصة قد اهتز، فإن العكس يمكن ان يقال عن المنتجات المترفة والباهظة الثمن، التي لا تزال تعيش اوجها، إن لم نقل انها تزداد قوة، لسبب واضح ووجيه وهو أن العادي كان دائما في واد وفوق العادي في واد آخر.

الأسبوع الماضي كان أكبر دليل على هذا القول، ففيه تحولت منطقة «بارك لاين» الراقية والواقعة وسط لندن إلى سوق مفتوح عرضت فيه كل المنتجات التي قد يحتاجها المتسوق الذي يريد ان يعيش الحياة «اللذيذة» وليست له أدنى علاقة بالعادي، وبالنتيجة لم تمسه الأزمات الاقتصادية لا من بعيد أو قريب.

المناسبة كانت المعرض السعودي الخليجي للسلع الفاخرة الذي تم تنظيمه بهدف توطيد التعاون بين بريطانيا وبين دول مجلس التعاون الخليجي.

وهكذا على مدى يومين، اصطفت بفندق «الانتركونتيننتال» سيارات «أستن مارتن» الفاخرة إلى جانب قطع الماس التي تتنافس مع نفسها من حيث البريق والصفاء والجودة، فضلا عن أغلى أنواع السيجار والشوكولاته ومستحضرات العناية بالجمال والعقارات والساعات وما شابه.

كما شارك في هذه الفعالية مصممون عالميون من أمثال دونا كاران، زيلي وبروس أولدفيلد، والمصممة السعودية أمينة الجاسم وغيرهم، ممن عرضوا اجمل وارقى الأزياء.

أزياء إن لم تكن مرصعة بالأحجار الكريمة، وبالذات الماس، أو مطرزة بخيوط الذهب، فهي حتما تخاطب النخبة بتصميماتها وخاماتها.

بطلة هذا الاستعراض الذي يلهب الخيال والحواس على حد سواء، كانت بلا شك، عباءة مرصعة بالماس من تصميم البريطاني بروس اولدفيلد، قال عنها المصمم إنها أول عباءة تليق بمناسبات السجاد الأحمر، وهي بالفعل كذلك عند الاقتراب منها ومن تفاصيلها العصرية التي تجعلها مزيجا بين العباءة العربية التقليدية والمعطف الطويل الذي كانت تلبسه سيدات المجتمع الأوروبي لحضور حفلات الأوبرا.

يقدر سعر العباءة بـ350.000 دولار، وهو ما قد يبدو رقما خياليا بالنسبة لعباءة تتجذر بعمق التاريخ العربي وبأناقة الجدات البسيطة، إلا ان ميزتها هنا انها مرصعة بحوالي 4.668 ماسة يقدر وزنها بـ85.13 قيراط بزنه 359.7 من الذهب الأبيض، إضافة إلى أنها ثمرة تعاون بين المصمم بروس اولدفيلد وشركة «غروسلي دايموندز» العالمية المتخصصة بالماس.

قد يبدو للبعض ان اختيار المكان والزمان يدعو لبعض الاستغراب، على اساس انه نظم في عز الأزمة الاقتصادية، ووسط الأحاديث عن انهيار سوق العقار في بريطانيا وغلاء المنتجات الاستهلاكية البسيطة وارتفاع أسعار البنزين والغاز وغيرها، إلا ان الحقيقة التي يجهلها هؤلاء بحسب ما قاله المصمم بروس أولدفيلد في لقاء خص به الـ«الشرق الأوسط» أن الأمر ليس جديدا: «الأزمة الاقتصادية واقع مؤلم بالنسبة للكل، لكن هناك دائما من لا يتأثر بها ولا تصيبه شظاياها.

فهؤلاء لديهم قوة مناعة ضدها. صحيح ان الحديث عن الأزمة، من جهة، وما نراه من منتجات مترفة ومدى الإقبال عليها، من جهة ثانية، فيه بعض التناقض، لكنه ليس بالأمر الجديد».

أما تبرير منظمي المعرض، فكان أن التوقيت واختيار المكان مدروسان، لأنه يتزامن مع تدفق السياح العرب والخليجيين، بالذات، إلى العاصمة البريطانية هربا من حرارة الصيف، خصوصا وان قدراتهم الشرائية تعززت في الآونة الأخيرة، بشكل كبير، بفضل ارتفاع اسعار البترول، مما جعل الأعين تتوجه إلى المنطقة، أملا في زبائن جدد أو تجديد ولاء زبائن قدامى.

كما ان لندن نقطة جذب مهمة، كونها مركزا تجاريا عالميا لا يستهان به رغم كل ما يقال عن تردي الأوضاع الاقتصادية.

والحقيقة ان حجم الإقبال على المعرض خلال اليومين، الثاني والثالث من شهر أغسطس، يدعم هذه التفسيرات ويؤكد مدى صدقها.

فقد تحول فندق «الانتركونتيننتال» إلى شبه خلية نحل بالنسبة للمنظمين، وإلى ما يشبه رحيق الزهور من حيث جذبه المهتمين والمشترين.

كل شيء فخم ويتعلق بمناحي الحياة المترفة كان هنا، بدءا من وسائل السفر وأفخم البيوت إلى الملابس الداخلية والاكسسوارات.

لكن تبقى العباءة هي الأكثر إثارة، لما تتضمنه من معاني تجمع بين ثقافة الشرق ولمسات الغرب وترف الماس وبريقه، هذا عدا ان مصممها، بروس اولدفيلد، مخضرم له باع طويل في مجال الأزياء الراقية.

ولا يمكن لأحد ان يتجرأ ويتهمه، بأنه يميل إلى الحل الوسط، أو إلى التنازل عن اصول الأناقة لمجرد الديموقراطية ومخاطبة عامة الشعب، بمعنى الذوق العام.

تمسكه بالخياطة الراقية وعدم تنازله عن أصولها، أمر يسهل فهمه إلى حد كبير، فقد أسعفه الحظ وتعامل مع أجمل نساء العالم وأكثرهن اناقة، من أمثال الأميرة البريطانية الراحلة ديانا وملكة الأردن، رانيا العبد الله، وغيرهما، لذلك ليس من المستغرب ان لا يقدم سوى الانيق والمتميز.

لكن المستغرب هو ان يصمم قطعة لها تاريخ طويل ومتجذر في ثقافة قد تكون غريبة عنه بعض الشيء، لكنه رد بسرعة على هذا التعليق بقوله: «كمصمم يطلب مني دائما تصميم أشكال كثيرة ومتنوعة، قد تكون ملابس خاصة بعمال ماكدونالدز أو بموظفي «برج العرب» بدبي، أو فستان زفاف لملكة الأردن رانيا العبد الله، لذلك فإن تصميم عباءة كان مجرد تحد أو مهمة أخرى.

حتى أفهم معانيها اكثر، كل ما قمت به هو الحديث مع زبوناتي الشرق اوسطيات لكي أفهم مدى عمليتهما كزي خاص بالأيام العادية والمناسبات.

وأنا سعيد بالنتيجة، بغض النظر عن سعرها. فهي رائعة بكل المقاييس، وتتميز بفخامة واضحة لأني استعملت فيها قماشا اكثر سمكا من القماش الذي يستعمل في العباءة العادية، وصممته بطريقة تشبه معاطف الأوبرا في الخمسينات والستينات».

وأضاف: «من الصعب ان لا يتأثر المصمم بما يجري من حوله وأن يتفاعل معه. بحكم استقراري في لندن، فأنا معرض لمواجهة ثقافات مختلفة، وبالتالي لا أحتاج إلى الذهاب إلى متحف أو مكتبات، فالحياة غنية هنا، وأنا معرض لمواجهة ما يجري حولي وفي العالم بمجرد ان افتح باب بيتي صباحا.

بالنسبة لي، لكي أرى شكل العباءة عن قرب، كل ما علي هو ان اقوم بجولة لمحلات «هارودز»، فهذه الجولة تكفي..العالم اصبح قرية صغيرة، وأصبح لزاما علينا ان نتقبل ونحترم خصوصية الآخر وأن نعانق الاختلاف والثقافات الاخرى».

وتابع: «بعد أن عرضتها على بعض زبوناتي، أبدين إعجابهن بها من دون قيد. صحيح انها رسمية لكنها تليق بأي اميرة متوجة أو غير متوجة، ما دامت لها الإمكانات وتتمتع بالذوق.

أتمنى ان ارى نسخة منها بالأبيض تستعمل كمعطف زواج. لو أسعفني الحظ وصممت هذه العباءة منذ عشرين عاما لكانت الأميرة الراحلة ديانا أعجبت بها، ولبستها في إحدى جولاتها للشرق الاوسط. كما اعتقد ان الملكة نور، ستبدو رائعة فيها».

تجدر الإشارة إلى العباءة التي راعى المصمم ان تكون باللون الاسود وبتطريزات من كل الجوانب بالأبيض والاسود، ستباع بـ175.000 جنيه استرليني وسيتم التبرع بجزء من المبلغ لصالح منظمة العون الإسلامي وأطفال فلسطين، بعد ان يتم بيعها.

يقول بروس: «القضية التي سيذهب ريع الفستان إليها تعنى بأطفال العالم أجمع، لكني في هذه الحالة بالذات ارتأيت أن ذهابها إلى أطفال فلسطين وإلى قضية شرق أوسطية منطقية أكثر».