أسبوع لندن لموضة ربيع وصيف 2009 ينطلق بتهديدات من نيويورك

بعد أشهر من الطقس الممل والرمادي، أخيرا اشرقت الشمس في عاصمة الضباب، لتجعل أول يوم من ايام أسبوعها للموضة، لربيع وصيف 2009، يتحلى بالجمال على كل الاصعدة.


نعم إنه اهم وأكبر حدث في ساحة الموضة البريطانية، وشئنا أم أبينا فإن هذا الأسبوع، على خلاف أسابيع نيويورك وميلانو وباريس، هو الخلية التي نتذوق منها طعم الابتكار والحداثة، وطوال أعوامه الـ24 هذا العام، استطاع ان يكون له شخصية خاصة، أصبح من الصعب منافستها.

فحتى عندما مرت لندن بفترة صعبة من الركود التجاري والمادي، وحاولت عواصم اخرى ان تزحزحها عن مكانتها، ونذكر منها على سبيل المثال العاصمة مدريد، باءت كل المحاولات بالفشل.

فلندن، ليست مركزا تجاريا عالميا مهما فحسب، بل ايضا قلب الموضة الشبابية والحيوية النابض، ومهدها أيضا.

وليس هناك خير من لخص روح لندن من هيلاري ريفا، رئيسة منظمة الموضة البريطانية المسؤولة عن تنظيم الأسبوع: «لن نكون ميلانو أو باريس في يوم من الأيام، لكن في ما يتعلق بالابتكار والتنوع فهي الافضل».

ويوافقها المصمم جايلز ديكون، الذي عمل مع دار «غوتشي» في السابق وفاز بجائزة مصمم العام لـ2006: «أسافر كثيرا واستقي افكاري من كل مكان، لكن أجواء لندن تشجعني على المغامرة، اللعب والاستقلالية.

فقد لا نكون أكبر مؤسسة في البلد، لكننا نتلقى دعما معقولا، فأنا مثلا استفيد من برنامج «فاشن فوروارد» لمساعدة المصممين الصاعدين، وعملي مع محلات مثل «نيو لوك» تجربة رائعة من حيث كونها توفر لي المال ومخاطبة شرائح اكبر من الزبائن».

ككل سنة، انطلق اسبوع الموضة اللندني امس الأحد، بحماس وترقب، وإن كانت الأجواء السائدة لا تختلف عن تلك التي عرفتها مدينة نيويورك، التي اختتمت اسبوعها يوم الجمعة الماضي، أي مشوبة بغمامة الأحوال الاقتصادية غير المطمئنة، التي تحتاج إلى حقنات كبيرة من التفاؤل في الألوان والتصاميم للتمويه عنها.

لكن مع ذلك اكتظت ساحة المتحف البريطاني الطبيعي الواقع بمنطقة ساوث كينسنغتون بالحضور الذين اصطفوا في طوابير طويلة لدخول الخيمة المنصوبة به، وهم غير مصدقين تغير الأحوال الجوية، وكيف أن الشمس اصطفت إلى صالحهم.

الخيمة، رغم حجمها، لم تستطع استيعاب كل الحاضرين، من مشترين لمحلات كبيرة عالمية أو اصحاب المحلات الخاصة، أو من وسائل الإعلام أو المهتمين، ممن أتوا لمتابعة ما لا يقل عن 50 عرضا رسميا، فضلا عن عروض أخرى جانبية ومعارض.

فهذه هي المناسبة التي يحصلون فيها على إشارات واضحة عما ستكون عليه اتجاهات الموضة القادمة، كما أن هذه الصناعة، أصبحت تقدر بـ750 مليون جنيه استرليني، وتصل صادراتها وحدها إلى 500 مليون دولار في العام، لذلك من الصعب الاستهانة بها.

ما يزيد من سخونة الأجواء هنا، أن العديد من الطيور المهاجرة عادت إلى لندن، مثل المصممتين لويل في العام الماضي وأليس تامبرلي هذا الموسم، بعد ان بدأوا ينتبهون إلى أهميتها الاقتصادية والثقافية على حد سواء.

فقد بدأت العاصمة منذ حوالي ثلاث سنوات تتلقى تمويلا لا بأس به من قبل بعض المؤسسات، مثل متاجر «توب شوب» و«يايجر»، إلى جانب تبنيها إيقاعا جديدا تعلمته من نيويورك، ويتمثل في تنظيم حفلات يراد منها إضفاء البريق والترويج للأسبوع. فسارة براون، مثلا، زوجة غوردن براون، رئيس الوزراء البريطاني ستقيم حفلا خاصا مساء اليوم، احتفاء بصناع الموضة والمهتمين، وناعومي كامبل ستستضيف يوم الأربعاء القادم حفل «فاشن فور ريليف»، وهو الحفل الذي سيتخلله عرض خاص تقدمه مجموعة من صديقاتها النجمات والشهيرات، مما يجعله العرض الأكثر شعبية.

واللافت في هذا الموسم، مشاركة اسماء مهمة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ستيلا ماكارتني بتشكيلتها الخاصة لـ«أديداس» بعد نجاح تجربتها السابقة مع الشركة، فيفيان ويستوود، جوليان ماكدونالد، إيرديم، نيكولا فارحي، وبعد سنوات من الغياب، أليس تامبرلي التي كانت قد فضلت العرض سابقا في نيويورك.

لكن الأهم هو مشاركة كم من المصممين الذين شهدوا ولاداتهم هنا منذ سنوات، وأنضجتهم السنين.

وهذا النضج وهذه الخبرة هي التي يترقبها المتحمسون لأسبوع لندن، الذين يتنفسون الصعداء وهم يؤكدون انها بدأت أخيرا تحصد ما زرعته طوال السنوات الماضية.

فقوة هذه الأخيرة، مقارنة بباريس وميلانو ونيويورك، تكمن في أنها اكثر من يعطي الفرص للأسماء المغمورة والمبتدئين، بتقديمها الدعم لهم، والسماح لهم بالعرض فيها بدون شروط تذكر، سوى ان يتحلوا بالابتكار والقدرة على الإبداع، وهذه قد تكون مغامرة لا نراها في أي من العواصم الأخرى، التي بدأت تشيخ.

فمن هنا انطلقت ستيلا ماكارتني، وجون غاليانو، والكسندر ماكوين وغيرهم ممن وجدوا في اسبوع لندن المنصة التي ينفسون فيها عن إبداعاتهم بعد التخرج مباشرة من معاهد الموضة، وهذا ما يميز العاصمة ويجعلها تتفوق على كل من سواها.

لكن ما يميز اسبوع لندن ليس كونه المسرح الذي نشاهد فيه الكثير من الابتكار أو تفريخ المواهب فقط، بل ايضا الحلبة التي نسمع فيها الكثير من الجدل، سواء تعلق هذا الجدل بمرض الانوركسيا ومقاس الصفر أو بشح الدعم المادي أو باستغلال اليد العاملة في الخارج وحماية البيئة وغيرها.

الجدل هذا الموسم يدور حول التهديد الذي يترصدها من نيويورك.

فهذه الأخيرة تتكلم على تأخير أسبوعها للعام القادم ببضعة أيام، مما سيؤثر حتما على لندن التي كانت ولا تزال تعاني من ضيق الفارق بين الأسبوعين.

فما أن ينتهي أسبوع نيويورك يوم الجمعة مساء حتى يبدأ اسبوع لندن رسميا يوم الأحد صباحا، مما يجعل بعض وسائل الإعلام المهمة والمشترين تحجم عن حضوره، وتفضل ان ترتاح قبل التوجه إلى ميلانو، الذي سيفتتح اسبوعه بعد خمسة أيام. وفي حال تم تغيير تاريخ اسبوع نيويورك، فإن هذا يعني انه على لندن تقليص أسبوعها من ستة أيام إلى أربعة فقط على أحسن تقدير.

وإذا كنا من المقتنعين بالمؤامرة، فإننا بلا شك سنقول ان نوايا نيويورك ليست بريئة، وأنها تحارب لندن بأسلوب الضرب من تحت الحزام بعد ان حققت هذه الأخيرة قفزة كبيرة في السنوات الأخيرة، إلى حد بدأت معه تسحب السجاد من تحت أقدام التفاحة الكبيرة، بل نجحت في العامين الماضيين، في أن تخطف الأضواء من كل العواصم بتوثبها وروحها المستقبلية وابتكاراتها.

وفي حال تكرم الأميركيون وحاولوا مساعدة لندن للخروج من هذا المأزق، فإن اقصى ما يمكن ان يقبلوا به عدم تخصيص الايام الأخيرة من أسبوع نيويورك للاسماء الكبيرة.

وهو أمر صعب إذا أخذنا بعين الاعتبار ان هناك اتفاقا أزليا ينص على أن تعرض المصممة دونا كاران دائما في الساعة الثالثة ظهرا في آخر يوم من أيام الأسبوع. نيويورك من جهتها، تدافع عن نفسها وتفسر خطوتها هذه بأنها ضرورية، لأن العديد من المعامل الأوروبية تكون مقفلة في موسم الإجازات، شهر أغسطس (اب)، مما يؤخر المصممين ويجعلهم غير مستعدين لتقديم تشكيلاتهم بشكل لائق في التاريخ الحالي.

رغم ان عروض الازياء الرسمية بدأت امس بعرض المخضرم بول كوستيلو في الساعة 9.30 صباحا، إلا ان الاسبوع بدأ يوم السبت بالعديد من الحفلات والفعاليات التي شهدت محررات الموضة والمشتريات في أحذية بكعوب مدببة رفيعة وأخرى عالية لا شيء فيها يوحي بالراحة، وكل ما يشفع لها انها آخر صرعات الموضة.

فقليلات يهتممن بالراحة هنا، لأنهن يعرفن حق المعرفة ان الأعين لا تكون كلها مصوبة على منصات العروض، وبأن فترات الانتظار، ومتابعة دخول حضور المقاعد الأمامية متعة بحد ذاتها، يمكن التعرف فيها على آخر الاتجاهات، وربما أيضا على ضحايا الموضة.

كعادته كان أول عرض هو الذي قدمه المخضرم بول كوستيلو. عرض غلبت عليه التصاميم العسكرية من خلال معاطف بدرجات البنفسجي وأزرار كبيرة فوق فساتين ناعمة وقصيرة، تتباين الوانها بين الترابي والألوان المتوهجة بالوردي والأصفر، ليعطي الشرارة بان ربيع وصيف 2009 سيكون بألوان الطبيعة.

نفس الروح غلبت على تشكيلتي كل من المخضرمة كارولينا تشارلز وأوسي كلارك، اللذين ارتبطا في يوم من الايام بالأميرة الراحلة ديانا، وربما هذا ما يفسر الاسلوب الراقي الذي يتميز به كلاهما، خصوصا عندما يتعلق الأمر بفساتين السهرة والمناسبات.

طبعا الأمر كان مختلفا تماما في عرض «بي.بي.كيو» الذي يتميز بالحيوية والحداثة بالوان صارخة إلى حد التنافر، لكنها دائما تنجح في انتزاع الإعجاب، بدليل طابور المترفات الصغيرات المعجبات بالماركة، ونقصد هنا فتيات المجتمع والنجمات البريطانيات، مثل المغنية ليلي آلن والعارضة أجينيس دين، ودايزي لو، ممن حضرن العرض. أكثر ما ميز التشكيلة انها متأثرة بفن الرسم مما يفسر الطبقات الكثيفة والمتعددة للالوان.