أسبوع لندن للموضة .. يظل فرصة المواهب الشابة

أظهر أسبوع لندن للموضة عن قدرة هذه العاصمة على تفريخ مصممين مفعمين بروح الشباب المندفعة والمتحفزة للابتكار
أظهر أسبوع لندن للموضة عن قدرة هذه العاصمة على تفريخ مصممين مفعمين بروح الشباب المندفعة والمتحفزة للابتكار

أسبوع لندن للموضة الأخير، الذي أسدل الستار عنه يوم الثلاثاء الماضي، لم يكن عن الأزمة المالية بقدر ما كان عن المواهب الصاعدة وعن قدرة هذه العاصمة على تفريخ مصممين مفعمين بروح الشباب المندفعة والمتحفزة للابتكار.


صحيح أن تأثيرات الأزمة كانت واضحة بدرجة يصعب تجاهلها، مع غياب أسماء كبيرة مثل أماندا وايكلي، وحذر المشترين، الذين رغم حضورهم، أعلنوا سياسة التقشف، الأمر الذي يعني أن كثيرا ممن عرضوا هذا الأسبوع لن يحصلوا على صفقة العمر، كما كانوا يأملون.

لندن تعرف هذا تماما وتتوقعه، فهي لم تكن يوما محظوظة ماديا وكانت منذ بدايتها تعرف ان قوتها تكمن في دمائها الشابة وخيالهم الخصب، وهذا بالضبط ما ركزت عليه في هذه الفترة التي تعرف فيها كل عواصم الموضة العالمية شحا في الإمكانيات، وهذا ما سيساعدها ربما على تجاوز المحنة بمرونة اكبر من غيرها من العواصم المدللة ماديا.

 لندن التي أعطت العالم جون غاليانو، الكسندر ماكوين، ستيلا ماكارتني، حسين تشالايان، وغيرهم، لا تزال في قمة عطائها من هذه الناحية، بدليل الجيل الجديد من مبدعيها، الذين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، كريستوفر كاين، ماريوس شواب، لويز غولدين، إيرديم، وهلم جرا.

بعض هؤلاء لم يمر على تخرجهم أو طرح أسمائهم في السوق، سوى بضع سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة، لكنهم نجحوا في رفع رأس عاصمتهم عاليا، وبدأوا يستقطبون لها وجوها لم تكن تفكر في السابق في حط الرحال فيها، كونها محشورة بين أسابيع العواصم الأخرى، مما يجعلها تعبا إضافيا يمكن الاستغناء عنه.

أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية، مثلا، حضرت، في سابقة غير معهودة، عرض كريستوفر كاين، منذ أكثر من سنة، كذلك المصممة دوناتيلا فيرساتشي، التي كانت تريد خطفه للعمل معها لولا انه رفض مفضلا التركيز على طرح ماركته الخاصة.

 كريستوفر كاين، قدم هذا الأسبوع تشكيلة «نظيفة» من حيث قصاتها التي تبدو بسيطة ظاهريا، بخطوط مقلمة من قماش المخمل استعملها لخلق أشكال هندسية على فساتين من الأورغنزا، ليؤكد انه لا يزال الطفل المدلل للعاصمة ووسائل الإعلام على حد سواء.

المصممة لويز غولدين، التي لفتت الأنظار عام 2005 بتصميمات استعملت فيها الكثير من الصوف، ولعبت فيها على إيحاءات من العالم الإسلامي من خلال قلنسوات كبيرة وأغطية رأس غطت الوجه أيضا، استعملت لموسمي الخريف والشتاء المقبلين الكثير من الجلد الطبيعي على شكل قطعة فوق أقمشة ناعمة. لكنها لم تنس الصوف الخشن، ماركتها المسجلة، في جاكيتات شابة بأكمام من الفرو.

أما ماريوس شواب، وهو أيضا من خريجي معهد «سانترال سانت مارتنز» وسبق له الفوز بجائزة الموضة البريطانية عام 2006، فلعب على الحجم من خلال فساتين منحوتة بألوان الورد الفاتحة والأبيض إلى جانب الكثير من المعادن والخرز والساتان الملفوف على شكل كشاكش.

 الأسود لم يغب عن هذه التشكيلة، حيث كانت هناك «بلوزات» بفتحات عند الياقة والخصر تظهر من تحتها أحجار الكريستال.

يمكن القول إن شواب سجل في هذه المجموعة عودة إلى ما يتقنه جيدا: التصميم المنحوت والفساتين ذات الألوان الجريئة والنقوشات الثلاثية الأبعاد.

من جهته قدم الشاب إيرديم موراليوغلو، الذي أطلق ماركته عام 2005 ويتلقى دعما ماديا من غرفة الموضة البريطانية، مجموعة رائعة غلب عليها التفصيل المحدد عند الخصر مع التركيز على الأكتاف العالية بعض الشيء.

كان فيها أيضا طابع رومانسي واضح من خلال أقمشة مترفة ونقوشات طبيعية أغلبها من الورود التي طبعت فساتين مستقيمة، وتنورات مستديرة، مما جعل عرضه يبدو وكأنه واحة من الجمال الهادئ، حسب وصف سوزي مانكس، محررة الأزياء بجريدة «الهيرالد تريبيون».

الشابة دانييل سكات، مزجت من ناحيتها، الأناقة بالإثارة في أزياء تضج بالحيوية، تجلت في فساتين ضيقة وبنطلونات بفتحات تظهر من تحتها بشرة الجسم.

مزجت أيضا الخطوط الواضحة مع الألوان الجريئة، فمثلا كانت هنا تنورة سوداء مستقيمة مطرزة بأشكال تجسد نيرانا مشتعلة بالأحمر على الجيوب، فضلا عن كورسيه من الجلد الأسود بتفاصيل باللون الأحمر أيضا.

لم تكن الكلمة في هذا الأسبوع للشباب فحسب، بل أكد الكبار من جهتهم أنهم لم ينسوا أن بدايتهم اتسمت بالرغبة في إثارة الانتباه، لكنهم في الوقت ذاته، باتوا يعرفون أن التجاري والكلاسيكي هو المضمون.

ومن هذا المنطلق أعطونا درسا ممتعا في الأناقة الراقية لكن بعيون لندنية بحتة. أكبر مثال على هذا، التشكيلة التي قدمها المخضرم بول سميث، التي استوحاها كعادته من الحياة البريطانية بكل أشكالها، من دون أن ينسى أن يطعمها بنفحات مرحة وشقية.

كان هناك الكثير من الصوف في قطع عملية، كما كانت هناك الكثير من التنورات المستديرة والمنفوخة إلى جانب ما يتقنه جيدا؛ ألا وهو التايورات المفصلة من الصوف الخفيف والمقلمة.

فنحن لا ننسى أن بول سميث بدأ كمصمم للرجال ولم يتوجه للنساء إلا بعد نجاحه الساحق فيه بسنوات. النقوشات الوردية لم تكن جديدة، فقد رأيناها حتى في تشكيلته الخاصة بالجنس الخشن، لكن الجديد كان هو إدخاله اللون الأخضر الكاكي، الذي ارتبط بالجنود والحياة العسكرية، ونجح في حقنه بجرعات قوية من الإثارة والجمال.

أما هو ففسر توجهه هذا بقوله: «هذا اللون أنثوي ومثير، ولا يقتصر على العسكر فحسب، السر يكمن في كيفية تعاملك معه»، وبرهن على قوله هذا بطرح مجموعة من الجاكيتات «السبور» والمعاطف والفساتين المفصلة بشكل يجعله ينافس أكثر الألوان كلاسيكية وأنوثة.

تخرج من العرض ولسان حالك يقول إنها قد تكون تشكيلة موجهة للخريف والشتاء، لكنها أبعد ما تكون عن الكآبة، وتعجب بهذا المخضرم الذي لا يخاف من الجمع بين التناقضات التي يحولها إلى أسلوب يتنفس الحياة البريطانية بكل غرائبها وعجائبها وروائعها، ويؤكد أنه لا يزال في جعبة الكبار الكثير مما يمكن أن يعلموه للمبتدئين، لا سيما أن بدايته كانت متواضعة من لا شيء ليبني إمبراطورية مترامية في كل أنحاء العالم، عايشت عدة أزمات اقتصادية وتجاوزتها بنجاح.

وما دام الحديث عن الكبار، لا بد من التطرق إلى عرض أوسي كلارك، الاسم الذي لعب دورا كبيرا في ساحة الموضة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، فقد عاد مصمم الدار آش غور، ليلعب على إرثها وعلى هاتين الحقبتين، بطرحه فساتين طويلة منسابة بشكل رائع ولذيذ.

رغم أنها تصميمات ليست مبتكرة أو جديدة، كوننا نرى نسخا كثيرا منها في محلات الموضة الشعبية، إلا أن التنفيذ يفرق كثيرا.

من نجوم الأسبوع أيضا، يمكن القول إن سيينا ميلر كانت نجمة متألقة مساء يوم الأحد الماضي. فعوض أن تحضر حفل توزيع جوائز الأوسكار، كما يتوقع أي متابع لمشوارها الفني، كانت تقدم عرضها الخاص والأول من نوعه في أسبوع لندن للموضة للأزياء.

سيينا مع أختها سافانا ميلر طرحتا ماركتهما الخاصة في عام 2007 تحت اسم «توانتي 8 تويلف» تاريخ ميلاد سيينا، وبالرغم من أن هذه الأخيرة أيقونة موضة، تقتدي بأسلوبها الكثير من الشابات، كما ألهمت بعض المصممين، إلا أن أختها سافانا هي المحترفة في هذا الثنائي العائلي بحكم أنها خريجة معهد أزياء وتصميم.

مساء أول من أمس، قدمتا عرضا يعكس شخصيتهما، تتباين فيه تصميمات «البوهو» و«البانكس» وجاكيتات مستوحاة من تلك التي يلبسها راكبو الدراجات النارية مع أحذية مناسبة، بالإضافة إلى الكثير من الكشمير والتطريزات والترصيعات.

كان الهدف من هذه التشكيلة واضحا؛ وهو مخاطبة كل الأذواق، وهو ما نجحتا فيه. ولأن سيينا نجمة كان لا بد أن يحضر عرضها مجموعة من الصديقات والرفيقات من مثيلات كورتني لوف، أليكسا تشانج، فرانشيسكا فرساتشي، دافني غينيس، جايد جاغر، والعارضة المخضرمة تويغي، وغيرهن ممن جعلن عرضها من العروض الساخنة في مساء كان يفترض فيه أن تقتصر السخونة على حفل توزيع جوائز الأوسكار.