هل تقضي الساندوتشات على عادة تناول وجبة الغداء الفرنسية؟

فرنسا .. إنها حصن الغداء الذي يستغرق ثلاث ساعات أولا تأتي المقبلات، ثم الطبق الرئيسي، ثم الجبن والحلوى، ثم القهوة في النهاية، لكن الصراع الاجتماعي بين متطلبات الاقتصاد الصناعي الحديث وتقاليد تناول الط
فرنسا .. إنها حصن الغداء الذي يستغرق ثلاث ساعات أولا تأتي المقبلات، ثم الطبق الرئيسي، ثم الجبن والحلوى، ثم القهوة في النهاية، لكن الصراع الاجتماعي بين متطلبات الاقتصاد الصناعي الحديث وتقاليد تناول الط

في الوقت الذي لم يتخل فيه الفرنسيون عن حبهم للطعام، يزداد لجوء الشعب الفرنسي إلى الساندوتش المتواضع في وجبة منتصف النهار، بل ويتناوله بعضهم مع مشروبات غازية أثناء الجلوس إلى مكاتبهم، وذلك إلى درجة أن استهلاك الساندوتشات في فرنسا زاد بأكثر من الربع على مدار الأعوام الستة الماضية، إلى 1.8 مليار دولار سنويا، وزاد بنسبة 10 في المائة في العام الماضي، وفقا لباحثي السوق.


وبالإضافة إلى ذلك، يأتي التغيير على حساب المقاهي القريبة، حيث ما زال الغداء يعني الطبق الساخن الذي اعتادت الجدات على إعداده، والجلوس حول المنضدة لمدة ساعة للحديث مع الأصدقاء أو الزملاء، وقد انخفضت أعداد المطاعم والمقاهي والبارات في فرنسا منذ 50 عاما من 200.000 إلى 38.600، وفقا لجمعيات متخصصة في ذلك المجال، وقد أغلق ما يزيد على 2.000 مطعم في العام الماضي وحده، حيث بدأ تنفيذ حظر على التدخين في الأماكن المغلقة، وأصابت الأزمة الاقتصادية العالمية الميزانيات.

ويعد تغير العادات في تناول الغداء، التي تتضح بصورة أكبر في المدن الكبرى مثل باريس، جزءا من الصراع الاجتماعي في فرنسا بين متطلبات الاقتصاد الصناعي الحديث والتقاليد العزيزة بتناول طعام من إنتاج وإعداد متخصصين بارعين في مهنتهم، ويشير انتشار رؤية موظف فرنسي شاب يسير في الشارع وهو يلتهم ساندوتشا إلى أن هذه العادة تفقد وضعها مع مرور الزمن.

وأوضح جين روسي الباحث في الأسواق في شركة «غيرا فود الاستشارية»، الذي كان يحقق في تلك الظاهرة «إذا كانوا في المنزل أو بالقرب من المنزل، فربما يتناولون وجبة حقيقية، ولكن تبتعد مكاتبهم عن منازلهم بمسافة ساعة أو أكثر، ومع محدودية قدرتهم على الشراء، يعتبر الساندوتش هو الحل الواضح».

وعلى سبيل المثال، تشهد محلات «ماكدونالدز» زيادة في نشاطها في فرنسا في الأعوام الخمسة السابقة، حيث استفادت تماما من ذلك التطور، وقد ارتفع الإيراد فيما يزيد على 1.100 فرع في فرنسا بنسبة 11 في المائة عام 2008، على الرغم من الأزمة الاقتصادية، بحسب ما أوردت الشركة.

وما زال معظم الفرنسيين يفضلون تناول الغداء كاملا عندما يستطيعون، ليتبعوا بذلك عادة قديمة في البلاد، وفي الدول اللاتينية المجاورة، مثل إسبانيا وإيطاليا.

 ونتيجة لذلك، لا يزال معدل استهلاك الفرد للسندوتشات أقل منه في دول أخرى. وعلى سبيل المثال، يتناول البريطانيون طعامهم على عدة مرات، كما يفعل الفرنسيون.

ويحذر نوفل طرابلسي، نائب رئيس التسويق والاتصال في «ماكدونالدز» في فرنسا قائلا «إن الغرض من تناول الطعام في فرنسا ليس مجرد الحصول على طاقة، ولن يكون كذلك مطلقا».

ولكن، كما يشير روسي وآخرون، يكمن التغيير في أن رغبة الفرنسيين تزداد في التخلي عن عادة الجلوس لتناول الغداء إذا واجهوا قيودا، أو كانوا لا يملكون المال الكافي، ويضيف قائلا «إنه من الأسهل على الشباب اتخاذ ذلك القرار».

وكان بانيس أثينز، مهندس الكومبيوتر البالغ من العمر 24 عاما، من هؤلاء الأشخاص الذين يتحدث عنهم روسي، وقد أنفق أثينز حوالي 5 دولارات في أحد الأيام لشراء ساندوتش سلمون مشوي من كشك صغير خارج مقهى بنجامين في شارع ريفولي، في منطقة تسوق مزدحمة شمال السين، وقال أثينز إنه يجلس لتناول الغداء في أي وقت يمكنه ذلك، ولكن كثيرا ما يلجأ إلى الساندوتشات، نظرا إلى ضيق الوقت.

ويقول وهو يمسك بالساندوتش «في الحقيقة، سأتناول هذا وأنا أقود السيارة، فلديَّ مواعيد، وعليَّ أن أذهب، وليس لديَّ وقت للجلوس وتناول وجبة كاملة».

ويقول خافيير ماتسوني، الذي يدير الكشك، إنه ترك وظيفته في مطعم تقليدي منذ ما يزيد على عامين، ليفتح كشك الساندوتشات، ويستأجر المكان من صاحب المقهى.

 وبينما كان الزبائن يقفون صفا، قال ماتسوني (42 عاما)، إن عليه الاستيقاظ في الساعة 5 صباحا لإعداد الساندوتشات، من تونة ولحم وجبن وسلمون، ولكنه يجد رواجا كافيا يحقق له دخلا جيدا، ويمول خطته لقضاء عطلة على الشاطئ في الصيف الحالي مع ولديه.

ويقول نادل يجوب حول مناضد المقهى التقليدي الذي يقع على بعد عدة أقدام منه «إن كشك ساندوتشات ماتسوني يقلل من نشاط تقديم الطعام في المقهى، الذي يعلن في لافتة مكتوبة بحروف ذهبية على الحائط «مطبخ تقليدي»». ويقول «ولكن يجب أن نتعايش مع ذلك».

وبعد أن وضع الكولا أمام امرأة في العشرينات من العمر ذات شعر أسود مرسل، أخرجت من حقيبتها ساندوتشا وأخذت تلتهمه، وانتقل النادل، بدون تأثر، لخدمة زبائن آخرين.

ويقول ماتسوني إن المشكلة هي ظهور حوالي خمسة أكشاك أخرى في الحي منذ وصوله تحاول الاستفادة من ازدهار سوق الساندوتشات، وفي جميع أنحاء فرنسا، ارتفعت أعداد المحلات التي تبيع السندوتشات إلى ما يزيد على 32.000 لتحقق 13 مليار دولار، كما تشير أبحاث السوق.

ولكن ربما تنخفض الزيادة في نموذج المبيعات الجديد قليلا في عام 2009، ومنذ بداية العام الحالي، لاحظ ماتسوني أن الأزمة الاقتصادية خلفت انخفاضا حتى في استهلاك الساندوتشات، مع تحول بعض من المستهلكين المنتظمين سابقا إلى إحضار وجبة الغداء معهم من المنزل إلى المكتب.

ويمكن أن تعود الزيادة الكبيرة في مبيعات الساندوتشات، وخاصة في العام الماضي، إلى حد ما إلى الأزمة، التي أصابت ميزانيات الطعام في دولة تقدم فيها العديد من الشركات دعما على وجبات الغداء للموظفين.

 ويتراوح سعر الساندوتش والمشروب الغازي ما بين 4 و6 دولارات، بينما يبلغ سعر الغداء الكامل ما بين 18 و20 دولارا، حتى في مقهى بسيط.

ولكن تعكس زيادة استهلاك الساندوتش أيضا تغيرا في الأجيال على المدى البعيد في طريقة رؤية الشعب الفرنسي، وخاصة الشباب في المدن، لوجبة منتصف النهار، وعلى الرغم من أن الأكبر سنا يتمسكون بفكرة ضرورة الوجبة الكاملة كجزء من اليوم، إلا أن مَنْ هم أقل من 40 عاما لا يرون أن هناك ضررا في تناول ساندوتش إذا كان سيوفر المال أو الوقت.

وكان ركاب الدرجة الأولى في رحلة القطار التي تستغرق ثلاث ساعات بين باريس وبروكسل في الثمانينات معتادين على الاستمتاع بتناول الوجبات الغداء لفترة طويلة يقدمها نُدُل يرتدون ملابس بيضاء، وفي المقابل، يقدمون أربعة أصناف من الطعام، ويصبون النبيذ الجيد في كؤوس بلورية، وتستغرق الرحلة ذاتها حاليا ما يزيد على الساعة قليلا، ويحق للمسافرين الاختيار في عربة الأطعمة ما بين الساندوتشات، أو علب يمكنهم حملها إلى مقاعدهم في القطار، ومعها أكواب من البلاستيك وزجاجات صغيرة على طريقة شركات الطيران، أو علب من الصفيح.