تفاصيل اليوم الثاني لأسبوع باريس للهوت كوتير

في اليوم الثاني لأسبوع باريس للهوت كوتير .. «ديور» تأخذنا إلى الزمن الجميل .. «شانيل» إلى ترف الماس.. وستيفان رولان يتفنن في التكنولوجيا
في اليوم الثاني لأسبوع باريس للهوت كوتير .. «ديور» تأخذنا إلى الزمن الجميل .. «شانيل» إلى ترف الماس.. وستيفان رولان يتفنن في التكنولوجيا

عندما يتشح المستقبل بالغموض ولا شيء يصبح مضمونا، فإن الأنظار تتوجه فجأة إلى الماضي، الذي يتخلص من أي سلبيات ويصبح هو الزمن الجميل، وهذا بالتحديد ما قام به جون غاليانو لدار «ديور» أول من أمس في 30 أفينو مونتين، المقر الرئيسي للدار الفرنسية العريقة.


فقد عاد بأنظاره إلى الوراء، لينسج قصيدة شعرية لامرأة تجمع بين الأنوثة والقوة في آن واحد. امرأة مستقلة، لكن تعيش في الماضي، تمتطي جوادها نهارا لتنطلق به في الهواء الطلق، تشحذ طاقتها وتستعد لأن تلبس أجمل ما لديها لحضور حفلات السمر والسهر ليلا.

قوتها، في نظر غاليانو، تكمن أساس في أنوثتها، بحيث تبدو مثيرة بقبعتها العالية وسوطها وتنورتها الطويلة التي عوضت عن بنطلونات الخيالة الضيقة، التي تميزت بطيات فنية تجعلها تبدو كأنها متطايرة بفعل الهواء، لتظهر من تحتها أحذية عالية الساق بكعوب منحوتة تحاول مناطحة السحاب.

للوهلة الأولى، تبدو الصورة كاريكاتورية أو من الكليشيهات التي تطالعنا من كتب التاريخ، لكن ما إن تقترب إليها، تتضح الصورة لتذكرنا بإرث الدار وبالتحديد ثورة الـ«نيو لوك»، التي اندلعت على يد المؤسس بعد الحرب العالمية الثانية، وتمرد فيها على التقشف بإعادة الأنوثة إلى المرأة من خلال تحديد خصرها ومنحها تنورات بأمتار طويلة من القماش.

وهذا ما فعله غاليانو كأنه يتمرد على البساطة، أو فقط يحاول من خلالها أن يعيش الزمن الجميل، مستغلا الفرصة لكي يستعرض فنيته وحرفيته، مرة من خلال استعمال فن الأوريجامي، ومرة أخرى باستعمال أزرار من نفس القماش واللون لتشد جزءا من التنورة إلى الخصر أو فقط للزينة.

لكن يبقى مزجه الألوان في الفستان الواحد الميزة التي تحسب له هنا، فباستثناء عدد من الفساتين ذات اللون الواحد، استعمل في كل فستان سهرة لونين مختلفين، مثلا الأخضر في الصدر والرمادي الضارب إلى الاخضرار في التنورة، أو الأحمر النبيذي مع البنفسجي، وهكذا.

لا شك أن لمسات جاليانو لـ«ديور» كانت واضحة إلى حد قد يدفع البعض إلى أن يقول إن ما قدمه أول من أمس يشبه إلى حد كبير ما قدمه في الموسمين الماضي والذي قبله، لكن الحقيقة أن هناك تفاصيل صغيرة تشير إلى أن المصمم لم يفقد خصوبة خياله بعد، وأنه لا يزال في جعبته الكثير، لكن ضمن مؤسسة «ديور» وشخصيتها.

فهو لكي يعيش الحاضر والمستقبل عليه أن يتنفس الماضي.

وكانت النتيجة عبارة عن تشكيلة حالمة في بذخها ورقيها، سواء في ما يتعلق بالتفصيل الذي لا يُعلَى عليه في الجزء الأول من العرض والذي شمل المجموعة التي تميزت بأسلوب أزياء الفروسية، أو في الجزء الثاني الذي تضمن فساتين السهرة والليالي الملاح، قصيرها وطويلها.

لكن انتبهي إلى أنك ستحتاجين إلى شخصين يفتحان لك الأبواب، وشخصين آخرين يساعدانك على الدخول بحمل التنورة بتأنٍّ حتى تتمكني من الدخول بسهولة، فأغلبها يتكون من عدة أمتار من التولّ أو الدانتيل، بالإضافة إلى الطيات والبطانة وغيرها، لكن إذا كانت النية إحداث تأثير درامي في أي مناسبة، فإنك ستجدين بغيتك هنا وكل الأثقال التي ستجرّينها وراءك ستهون لأنك ببساطة ستكونين محط كل الأنظار.

تجدر الإشارة إلى أن جون جاليانو تعاون كعادته مع ستيفن جونز لتصميم قبعات، خدمت الدرامية التي كان المصمم يتوخاها بضخامتها وابتكارها.

في الساعة التاسعة من نفس اليوم، وبعد عدة أيام من الغضب والاتهامات التي نفّس بها جيورجيو أرماني عن نفسه، قدم تشكيلة كل ما فيها يقول إنه أرادها أن تنتقم له ولكرامته، لأنها فعلا أخذت له حقه وأكدت أنه لم يكن يحتاج أن يحرق أعصابه بالنظر إلى حجم الحضور، بمن فيهم النجمة آن هاثاواي، التي صرحت بعد العرض أنها أحبت كل شيء وأنها أُعجبت بسبعة فساتين ستطلبها منه لحضور بعض المناسبات الكبيرة.

غضب جيورجيو أرماني كما يعرف كل متتبع للموضة كان منصبّا على دار «ديور» التي سرقت منه توقيتا استراتيجيا، بعد أن قررت أن تنظم عرضين في آخر لحظة بدل عرض واحد: الأول مخصص لوسائل الإعلام في الساعة الثانية والنصف، والثاني للشخصيات المهمة في الساعة الخامسة من نفس اليوم، مما اضطر أرماني أن يؤخر عرضه من الساعة السابعة والنصف إلى الساعة التاسعة.

المثير أن هذا التأخير خدمه من حيث لا يدري لأنه كان مناسبا لما قدمه، إذ إن كل ما في التشكيلة كان وعدا للمرأة بمناولتها القمر والنجوم، ذلك أن كم البريق كان لافتا، سواء في أزياء الكوكتيل التي شملت فساتين قصيرة وبنطلونات ضيقة وكورسيهات، أو في أشكال القمر ووجوهه المتنوعة التي زيّن بها الكثير من القطع.

فقد جاء القمر مرة على شكل هلال يزين جانبا من جاكيت أو تنورة، ومرة على شكل بدر مستدير عند منطقة الأكتاف أو الخصر بل حتى تسريحات الشعر أخذت شكلا من أشكاله كذلك الأزرار وحقائب اليد الصغيرة، وهكذا.

ولأنها تشرئب إلى السماء والنجوم فهي تخاطب النجمات بقوة لا سيما أن حفلات توزيع جوائز الأوسكار على الأبواب، مع العلم أنها مغازلة مكشوفة وليست جديدة على أرماني الذي دخل مجال الهوت كوتير أساسا لمخاطبة هذه الشريحة، وإن لم ينسَ هنا إرثه الخاص أو ماركته المسجلة، ألا وهي التايور الذي أسهب فيه، مع فرق كبير بين التايور الذي أطلقه إلى العالمية في الثمانينات وبداية التسعينات، والترجمة التي طالعنا بها مساء أول من أمس.

فهذه الأخيرة محددة على الجسم أكثر تبرز جمالياته بنفس القدر الذي تبرز فيه إمكانيات المصمم الفنية التي جسدها أولا وأخيرا في التفصيل الرائع وثانيا في التفاصيل التي زينت أحيانا الأكتاف وأحيانا أخرى الخصر أو مقدمة تنورة.

بعبارة أخرى، فقد فكك التايور من جديد، لكن هذه المرة من إيحاءات القوة التي أسبغها عليه في بداية انطلاقته، وأعطاه وجها رومانسيا بفضل الأقمشة المترفة والناعمة، والألوان التي شملت الفضي والماسي والأسود والأزرق النيلي وكل ما يوحي بالسماء وبريق النجوم.

الألوان أيضا كانت مميزة في دار «شانيل» صباح أمس، إذ اختفى الأسود تماما باستثناء ربطة عنق يتيمة زينت قميصا كلاسيكيا أبيض، وحلت محله ألوان الجواهر الكريمة وألوان حلوى «لاديري» الفرنسية الشهيرة.

وهذا غريب على دار بنت مؤسستها، الآنسة كوكو شانيل، شهرتها العالمية على ما أصبح يعرف اليوم بالفستان الأسود الناعم، لكن مع ذلك لم يشتكِ أي أحد من هذا الغياب أو يشتَق إليه في ظل لذة هذه القطع التي يسيل لها اللعاب وتجعل النفس تتوق إليها مهما كان الثمن.

لعلها أيضا أكثر تشكيلة قدمتها الدار المعروفة بأزيائها الكلاسيكية العصرية، سخاء في استعمال البريق والتطريزات التي تجعل من كل فستان أو جاكيت يبدو كأنه قطعة جواهر مرصعة بالماس ثم الماس ثم الماس.

تايور التويد أيضا سجل غيابه، وإن لم يتخلَّ كارل لاغرفيلد عن الجاكيت الذي أخذ أشكالا قصيرة وأكثر اتساعا، لكنه هذه المرة جاء مع «شورتات» واسعة بدل تنورات أو بنطلونات.

فكرة التشكيلة كما وصفها لاغرفيلد كانت باروكية بألوان النيون من أصفر أسيدي إلى سكر نبات وأخضر فستقي هادئ، ألوان جسّدَها برقي وروعة في فساتين الكوكتيل والسهرة.

المثير في الأمر أننا دخلنا متوقعين رحلة مطبوعة بذكريات من رحلته الأخيرة في شنغهاي، لكننا خرجنا بشعور أنها موجهة إلى امرأة شرقية تحب الترف وتعشق الماس بالنظر إلى كم التطريز الذي أدخله عليها لاغرفيلد، ربما لمغازلة هذه السوق أو ربما فقط من باب التحية والاعتراف بدور الورش التي تعمل وراء الكواليس لإبداع هذه التحف بدءا من دار «لوساج» أو «لوماري» للتطريز إلى دار «ماسارو» التي أبدعت أحذية أيضا بلون الماس مزينة بلآلئ على الجانب.

اللعب على الماس وألوان الحلوى، غلبت على مكان العرض أيضا في شارع غامبون، حيث غطيت الكراسي بقماش اللاميه بهذا اللون بينما زينت أنابيب على شكل أعمدة بألوان النيون جوانب المكان لتضفي عليه لونا وبهجة.

ولا شك أن هذا التجديد الذي يفاجئنا به المخضرم لاغرفيلد كل موسم هو الذي يجعل إبداعات دار «شانيل» مطلوبة وتبيع، في الوقت الذي تعترف فيه الكثير من بيوت الأزياء أن خط الـ«هوت كوتير» هو مجرد «بريستيج» لا يغني من جوع.

وبالنظر إلى ما قدمه أمس فإن النجاح مفهوم. ستيفان رولان، مصمم آخر أكد أن «الهوت كوتير» يمكن أن تشبع وتسمن، بدليل أنه لا يقدم خطا للملابس الجاهزة بعد، ومع ذلك حقق نجاحا كبيرا في وقت قياسي.

أمس قدّم سادس تشكيلة له بعد استقلاله عن دار «شيرير» أمام حضور قوي من المعجبات من الشرق الأوسط وأوروبا ومن وسائل الإعلام، الذي كان البعض يعرفه من أيام عمله في «بالنسياجا» و«شيرير» وجاء البعض الآخر لاكتشافه مدفوعا بالفضول بعد أن لبست له كل من ملكة الأردن، رانيا العبد الله، عدة فساتين في مناسبات كبيرة، والمغنية البريطانية شيريل كول، التي تظهر أيضا في برنامج «إكس فاكتور» البريطاني الناجح.

وما إن بدأ العرض حتى اتسعت الأعين وفُتحت الأفواه، فالعارضات لم يكُنّ يتخايلن في مجرد فساتين راقية، بل في تحف فنية أعادتنا فعلا إلى الزمن الجميل.

زمن كانت فيه الـ«هوت كوتير» قائمة على تقديم إبداعات جديدة يمكن للمرأة أن تلبسها بسهولة في كل المناسبات وتميزها عن غيرها.

فقد اعتمد فيها المصمم الشاب على تقنية عالية حوّل فيها الطلاء والصبغات إلى مادة طيعة يمكن الرسم بها على الحرير أو الساتان فيما تميزت التصميمات بانسيابية رائعة تجعلها مناسبة لامرأة تتميز بالكلاسيكية والجرأة معا، خصوصا أنها جاءت منحوتة على الجسم.

أحجار الكريستال كانت موجودة لكن في تطريزات خفيفة وفي أجزاء استراتيجية من الفستان، في حين ركز على استعمال قطع من الزجاج تبدو شبيهة بالعاج في أشكال ملفوفة بفنية حول الأكتاف أو الأكمام أو على ذيل فستان ضخم يتهيأ لك أنه بيانو كانت العارضة تجره وراءها بصعوبة.

من المؤكد أن ستيفان رولان قد نام نوما عميقا ليلة أمس، بعد أيام من الترقب والاستعداد والتوتر، لكنه بلا شك سيفيق خائفا وهو يتساءل إن كان سينجح في أن يتفوق على نفسه في الموسم القادم، لأن التحدي مع نفسه سيكون صعبا.