أسبوع لندن لخريف وشتاء 2010، يبدأ بدقيقة حداد على روح لي ماكوين

لندن تستهل أسبوعها للموضة بدقيقة صمت على روح لي ماكوين ثم رفع حرارتها العماني عمرو علي
لندن تستهل أسبوعها للموضة بدقيقة صمت على روح لي ماكوين ثم رفع حرارتها العماني عمرو علي

دقيقة صمت على روح المصمم لي ألكسندر ماكوين يوم أمس كانت كافية لتختزل مشاعر عالم الموضة عموما والعاصمة البريطانية خصوصا. فكما قال الرئيس التنفيذي للأسبوع، هارولد تيلمان، في كلمته التي افتتح بها أسبوع لندن لخريف وشتاء 2010، فإن وفاته المفاجئة كانت خسارة كبيرة للعاصمة التي شهدت ولادته، لكنه وعد بأن أسلوبه سيبقى، لأنه أثر على جيل كامل من المصممين الشباب، لا سيما أن حضوره، أو بالأحرى تأثيره، كان ملموسا رغم أنه لم يعرض فيها منذ عام 2001، حيث عرض في نيويورك أولا ثم باريس.


لكنه في كل الحالات، لم يدر ظهره أبدا للندن التي شهدت ولادته، بل ظل ابنها البار، وأصر دائما على أن تكون مركز عمله والمكان الذي تنفذ فيه أفكاره، مؤكدا أنه لا يمكن أن يعيش بعيدا عنها مهما تغيرت الظروف والإمكانيات.

فحتى عندما عمل مع دار «جيفنشي» لفترة قصيرة، أعرب عن تعاسته في باريس رغم كل سحرها وجمالها، لأنه ببساطة، وحسب المقربين منه كان لندنيا قلبا وقالبا، وكانت بشوارعها وثقافتها هي الملهم الدائم له.

لهذا لم يكن غريبا أن تخيم سحابة حزن ثقيلة على أجواء يوم أمس، اختزلتها دقيقة صمت، وجدار طويل وعريض في القاعة المخصصة لوسائل الإعلام، يكتب عليه محبوه ومعجبوه ما يشاءون من أحاسيس تجاه مصمم مؤثر على ساحة الموضة منذ التسعينات، وظل لندنيا إلى آخر رمق.

ولا شك أن هذا الحب للعاصمة هو الذي جعل الأغلبية هنا يركزون على هذه النقطة وكأنهم يخافون على غيره من الموهوبين هجرها مرة أخرى بعد أن لم تصدق عودة «برينغل» و«بيربيري» و«ماثيو ويليامسون».

وعندما أعطيت الكلمة لسارة براون، زوجة رئيس الوزراء البريطاني، جوردن براون، أيدت بدورها كلمة هارولد تيلمان، وقالت إنها واثقة بأن هذا الأسبوع سيكون ناجحا مثل سابقه بفضل روح شبابه التواقة للابتكار والجديد.

تجدر الإشارة إلى أن سارة براون أصبحت وجها مألوفا في الأسبوع، فهي تدعمه بكل ما تملك من قوة منذ سنوات، دعما يتجلى في ارتدائها أزياء لمصممين شباب، مثل الفستان الذي ظهرت به أمس، وكان مرة أخرى من تصميم «إيرديم»، فيما كان الحزام مدورا، وكأنها تقول من خلاله إنها تدعم أيضا برنامج «إيستيتيكا» الذي يدخل ضمن البرنامج الرسمي للأسبوع، ويشجع على كل ما يتعلق بالتدوير والاستعمال الأخلاقي للمواد واليد العاملة وحماية البيئة وغيرها.

بحضورها تؤكد أيضا أنها والحكومة البريطانية يدركان أن قطاع الموضة من القطاعات الاقتصادية المهمة، إلى جانب قطاعات الإبداع الأخرى مثل الدعايات والإعلانات والسينما والمسرح وغيرها، فالأسبوع ينعش الاقتصاد اللندني بنحو 30 مليون جنيه إسترليني، وما يقدر بـ100 مليون جنيه إسترليني من الصادرات، فضلا عن الضجة الإعلامية العالمية التي تقدر بـ60 مليون جنيه إسترليني من الإعلانات وغيرها.

عندما سئلت ما إذا كانت ستحضر كل العروض، قالت إنها تنوي حضور عرض كل من مارك فاست، المتخصص في الأزياء الصوفية وماري كاترانزو، وهي مصممة شابة تعرف كيف تجعل الرسم خدعا بصرية، بينما ستتابع باقي العروض على الإنترنت. وهي هنا طبعا تروج لخطوة لندن الريادية في جعل الموضة ديمقراطية، حتى فيما يتعلق بعروض الأزياء، بعد أن أصبح بالإمكان متابعتها مباشرة على الإنترنت في أي مكان من العالم.

وهذا أمر لن ترحب به مدللات الموضة اللواتي كن حتى الأمس القريب يشعرن بالتميز لمتابعة هذه العروض والتعرف على توجهات الموضة قبل أي أحد، لهذا ليس ببعيد أن تغير هذه البادرة ثقافة عروض الأزياء إلى الأبد، لا سيما أن دار «بيربيري» البريطانية ذهبت إلى أبعد من هذا، وقررت أن تأخذ عرضها اللندني إلى خمس عواصم عالمية هي نيويورك، دبي، طوكيو، باريس، ولوس أنجليس، بواسطة نظارات ثلاثية الأبعاد سيشعر معها الحضور وكأنهم يتابعون الحدث في مكانه وزمانه.

فيما يتعلق بالأزياء، فإن أسبوع لندن لموضة الخريف والشتاء القادمين بدأ فاترا مقارنة بالموسم الماضي، حين احتفل بعامه الـ25، وعرف إيقاعا لم تعرفه العاصمة البريطانية من قبل على كل المستويات. والحقيقة أن موت لي ماكوين لم يكن هو السبب الوحيد، لأن التوقيت في اليوم الأول للأسبوع كان دائما مشكلة لبعض المصممين. فهو يأتي مباشرة بعد انتهاء أسبوع نيويورك، الذي اختتم فعالياته، مثلا، أول من أمس نحو الساعة الثامنة مساء، الأمر الذي لا يمنح الوقت الكافي لوسائل الإعلام والمشترين للتنقل من عاصمة إلى أخرى بسهولة وراحة.

بينما بدأ أول عرض في لندن يوم أمس نحو الساعة التاسعة صباحا، بمجموعة للمصمم الأيرلندي بول كوستيلو، مع العلم بأن هذا الأخير تعود أن يفتتح الأسبوع في التوقيت نفسه وكأنه يتفاءل به، رغم أن الكثير من المصممين قد يرونه غير مناسب على الإطلاق.

لكنه على ما يبدو يستغل حماس وسائل الإعلام والضيوف المحليين، بمن فيهم زبوناته الوفيات والمعجبات، والتعطش لانطلاق الأسبوع، خصوصا أنهم يحصلون على مقاعد أمامية، ما كانوا ليحصلون عليها فيما لو وصل المحررون العالميون والمشترون. رئيسة تحرير مجلة «فوج» الفرنسية كارين روكفايلد، مثلا، ستصل اليوم، بينما ستصل أنا وينتور، نظيرتها الأميركية، يوم الثلاثاء لحضور عرض «بيربيري».

ثقة بول كوستيلو تجلت أيضا في تشكيلته للخريف والشتاء المقبلين، فقد شملت تنورات قصيرة وقمصانا من التويد أو الجاكار، فضلا عن فساتين وجاكيتات مفصلة. تشكيلة تخدم أي امرأة تميل إلى الكلاسيكية والدفء، لكنها لا تهتم بأن تبدو مثيرة أو تعتمد على أنوثتها، بالنظر إلى أشكالها الضخمة وطولها الذي يمسح الأرض في بعض المعاطف.

لكن تشكيلته بدت أكثر أناقة، بعد متابعة عرض البريطانية كارولين تشارلز، التي قدمت تشكيلة بدت وكأنها لا تزال تتنفس وتعيش أجواء الثمانينات بكل حذافيرها. فهذه المصممة التي كانت المفضلة لدى الأميرة الراحلة، ديانا، وقدمت لها مجموعة من أجمل فساتينها، لا يبدو أنها تشعر بأن الوقت قد تغير، إذا كانت هذه التشكيلة هي المقياس.

صحيح أنه كانت هناك قطع أنيقة، مثل جاكيتات من التويد أو من الفرو، وبعض الإكسسوارات خصوصا القفازات، لكن الإحساس العام لم يكن مثيرا، لأنه لا يخدم أي امرأة. في البداية قدمت مجموعة من الـ«شورتات» القصيرة مع جوارب سميكة، بألوان البني والشوكولاته، ثم تلتها قطع منفصلة متنوعة أرادتها أن تخاطب كل الأذواق، لكن طول بعضها كان صعبا، لأنه يغطي نصف الساق.

وهذا طول تعرف أي امرأة أنه أصعب من الطويل (البوهو) أو القصير جدا الذي يمكن التلاعب عليه بأسلوب الطبقات. لكن أكثر ما جسد فكرة جمود المصممة في حقبة الثمانينات هو الفساتين المطرزة بالترتر والخرز، فقد يكون تفصيلها ناعما، إلا أنه لن يثير انتباه أي مواكبة للموضة.

في فندق الـ«وولدورف هيلتون»، كان الموعد مع عرض ماريا جراشفوجل، التي رغم أنها ظلت وفية للأسلوب نفسه الذي تبنته منذ بدايتها في عام 1994، إلا أنه على الأقل أسلوب يخدم المرأة، بانسيابيته واعتماده على تقنية «الدرابيه» لإخفاء بعض العيوب ومنح الجسم حركة وأنوثة، إلى جانب بنطلونات عالية الخصر وواسعة تعطي الانطباع بطول السيقان وبرشاقة قد لا تكون بالضرورة حقيقية.

عمرو علي، المصمم العماني المقيم في بريطانيا، والذي كان إلى عهد قريب سرا من أسرار النخبة، قبل أن تظهر نجمات هوليوود في تصميماته، نقل تقنية الدرابيه إلى مرحلة أخرى من الجمال، حيث قدم أمس تشكيلة مفعمة بالقوة والأنوثة.

القوة تمثلت في تفصيل يحدد الجسم، وأكتاف قوية، وأنوثة في أسلوب الدرابيه الذي يتقنه ويعتبر ماركته المسجلة، لكنه استعمل فيه هذه المرة أسلوبا جديدا يشد من الوراء على شكل ضفيرة.

وحتى في الفساتين المحددة كان له حضور عند الأكتاف أو حول الصدر.

وبالإضافة إلى التفصيل والتنورات المنفوخة أحيانا، ظهرت رسومات جديدة في بعض القطع، وكأن عمرو يريد أن يبدأ صفحة جديدة في مسيرته كمصمم يمكن أن يخاطب مناسبات النهار أيضا.

ومما لا شك فيه أنها صفحة تفوح بثقة سترفعها مبيعات الجوارب، أو بالأحرى السراويل الضيقة، التي جاءت منقوشة بالذهبي وكانت إضافة رائعة.