انطلاق أسبوع باريس للأزياء الجاهزة لخريف وشتاء 2010

بعد نيويورك ولندن وميلانو، حطت أوساط الموضة الرحال يوم الثلاثاء الماضي في باريس. فعاصمة الجمال والسحر ستكون آخر محطة لموسمي الخريف والشتاء المقبلين، وهذا يعني أنه لم يبق سوى أسبوع واحد يستعيد بعده المتابعون أنفاسهم ويعودون إلى أرض الواقع، وهو أننا في موسمي الربيع والصيف، وأن ما عرض طوال هذا الشهر لن يتوافر في الأسواق قبل شهر سبتمبر المقبل.


وإلى الآن، فإن السمة التي اشتركت فيها جميع العواصم هي الحزن على موت واحد من أهم المصممين الشباب، البريطاني لي ألكسندر ماكوين، الذي غيبه الموت يوم 11 من شهر فبراير الماضي، أول يوم انطلقت فيه دورة الموضة العالمية في نيويورك. ولم تنس أي واحدة من هذه العواصم أن تترحم عليه وتذكر إبداعاته، لكن مما لا شك فيه أن باريس ستفتقده أكثر، كونه كان يعرض فيها بشكل منتظم، إلا أن عرضه الذي كان مقررا في التاسع من هذا الشهر ألغي بعد أن قررت «بي بي آر» المجموعة المالكة لـ51% من أسهم داره أن تختزله في معرض مصغر لحفنة من الناس، وبموعد مسبق. أما عما إذا كان هذا سيؤثر على مجريات أسبوع باريس، فلا أحد يعتقد ذلك، لأن العاصمة الفرنسية معتادة على هذه الأمور، وبالتالي تدربت على التعامل معها بهدوء أعصاب.

ففي الموسم الماضي، مثلا، فقدت كريستيان لاكروا، أحد أهم مصمميها، بل يمكن القول إنه كان ولمدة عشرين عاما مؤسسة فرنسية قائمة بحد ذاتها في مجال الأزياء الراقية على الأقل.

لاكروا الذي فشل في إيجاد مشتر ينقذ داره سيغيب أيضا هذا الأسبوع، وربما للأبد، إلا أنها، أي باريس، لم ترفع الراية البيضاء، ولا تزال واقفة بكبرياء من يريد القول إنها عاصمة الموضة بلا منازع، ولن تترك الفرصة لأي أحد أو أي شيء أن يزعزعها عن هذه المكانة. لهذا كان قرارها واضحا، وهو أن العرض يجب أن يستمر، فلا فقدان مصممين سيفقدها بريقها، ولا حتى قرار أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوج» الأميركية وعرابة الموضة العالمية، ألا تحضر الأسبوع بكامله، سيجعلها تهتز.

فهي لن تكون مثل ميلانو التي قامت ولم تقعد بعد أن سمعت أن أنا وينتور ستحضر ثلاثة أيام امتدت إلى أربعة أيام فقط، الأمر الذي خلق بلبلة في صفوفها ونزاعات طويلة بين المصممين والمسؤولين، أدت إلى تقزيم أسبوعها وازدحامه بشكل مؤلم في أيام معدودات اقتصرت على نهاية الأسبوع. أمر مثل هذا لا يمكن أن يحدث في باريس التي سيمتد أسبوعها كالعادة إلى تسعة أيام، من 2 إلى 10 مارس.

سبب عدم بقاء وينتور في أوروبا مدة أطول، والذي يعود إلى رغبتها في حضور حفل جوائز الأوسكار يوم الأحد المقبل، لم تره باريس ضربة لها، فهي واثقة من أن برنامجها لا يحتاج إلى أي تغييرات، وبالتالي فإننا ابتداء من يوم الاثنين سنتابع عروض بيوت أزياء مهمة من أمثال إيف سان لوران، شانيل، كلوي، فالنتينو، لوي فيتون، هيرميس، ميوميو، ستيلا ماكارتني، إيلي صعب وهلمّ جرا.

مجموع العروض سيكون نحو 89 عرضا فقط، مقارنة بـ94 في العام الماضي. صحيح أن قطاع الموضة بدأ يخرج من الأزمة المالية العالمية، إلا أن تأثيراتها لا تزال حاضرة، بدليل غياب أسماء مثل تيم هاملتون، و«دريس 33»، وجون ريب، إلى جانب أغنيس بي التي فضلت أن تقدم تشكيلتها كمعرض صغير لمن يأخذ موعدا مسبقا، فيما قرر المصمم كريس فإن هاش، الذي يعمل كمصمم فني لدار «ديور أوم» أي الخط الرجالي، أن يركز على تصميم الملابس الرجالية هذا العام.

لحسن الحظ أن هناك مشاركين جددا سيثرون الأسبوع، مثل البلجيكي أنتوني فاكاريلو، اليوناني الألماني نيكولاس أندرياس تاتاليس، الذي سبق له العمل في دار «ديور» تحت إشراف مصممها السابق هايدي سليمان، والمصمم الفرنسي كوانتن فيرون، والكرواتي دامير دوما. كما ستشهد لائحة المشاركين عودة أربعة مصممين آخرين هم مارتان غرانت، فالونتان تشيروتي، الذي استعان بالمصمم البريطاني ريتشارد نيكول كمصمم فني، وثيري موغلر، الذي يعود مستعينا بالمصممة روز ماري رودريغيز.

وهذا يعني أن باريس، حتى من دون لاكروا وماكوين، ستقدم طبقا متنوعا يلبي كل الأذواق، وفي الوقت الذي ستقدم فيه «شانيل»، «ديور»، «صعب» «هيرميس»، «لوي فيتون» وغيرها درسا في الترف والأناقة الراقية والعصرية، ستقدم أسماء أخرى، مثل البلجيكي دريز فان نوتن، والثنائي الهولندي فيكتور آند رولف، والبريطاني غاريث بيو، والدار اليابانية «كوم دي غارسون» دروسا في الابتكار والمقترحات المستقبلية. فباريس، قال رئيس غرفة الموضة الفرنسية، ديدييه غرامباش، إنها «لا تزال تحتل مكانة لا تحتلها أي عاصمة أخرى، فهي تضم أفضل الأسماء العالمية، من فيفيان ويستوود، إلى الياباني إيسي مياكي، والإيطالي فالنتينو، الذي اختار العاصمة الفرنسية منذ عام 1974 إلى أن تقاعد، ومع ذلك لا تزال داره تعرض هنا. لا أظن أن هذا التقليد سيتغير، لأني أومن بأن المستقبل مربوط بالماضي».

اليوم الأول من الأسبوع شهد مشاركة البريطاني جايلز ديكون الذي فاز في العام الماضي بجائزة «اندام» وتقدر بـ160 ألف يورو، بتشكيلة تخاطب النهار والمساء، وإن كانت النقوشات التي تجسد العناكب تغطي بعضها، إلى جانب فساتين بتنورات مستديرة وتايورات مكونة من تنورات قصيرة باللون الذهبي. الألوان كانت زاهية تتنافس مع النقوشات الغريبة، فحتى فساتين المساء تميزت بألوان الطبيعة من برتقالي ووردي إلى أصفر. ويبدو أنه أعجب بفكرة ميوتشا برادا التي استعانت بعارضات رشيقات يتمتعن بمقاييس أنثوية عوض عارضات نحيفات إلى درجة الأنوركسيا، ووظف نفس العارضات من مثيلات روزي هانتينتون وايتلي، أليساندرا امبروزيو، إيزابيل غولار، وكارولينا كوركوفا، علما بأن هذه الباقة تعمل مع «فيكتوريا سيكريت»، وهي ماركة تتطلب مقاييس معينة أهمها أن تكون العارضة تتمتع بصدر بارز.

أما الفرنسية آن فاليري هاش، فقد عادت هذا الموسم لفتيات المدارس تستقي منهن تصميمات تشكيلتها التي قالت إنها استوحتها منهن ومن الشارع عموما. إلى جانب البنطلونات الضيقة والكنزات الكبيرة التي يتميز بعضها بقلنسوات، لعبت أيضا على ازدواجية الأقمشة الشفافة والسميكة، لا سيما في فساتين الكوكتيل القصيرة وفساتين المساء الطويلة.

من جهته، قدم البلجيكي دريز فان نوتن، أول من أمس، تشكيلة تؤكد أنه فعلا من اللاعبين المهمين في الساحة حاليا. تشكيلة استوحاها من الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، ومزج فيها بإتقان النعومة بالخشونة، في تلاعب واضح على مفهومي الرجولة والأنوثة وعلى الإيحاءات العسكرية، وهذا يشير إلى أن باريس انضمت إلى باقي العواصم في تأكيدها أن الموضة القادمة تحتفل بالمرأة القوية.

تجدر الإشارة إلى فان نوتن، الذي دخل عالم الأزياء في الثمانينات، توارى عن الأنظار في فترة التسعينات مع ظهور موضة القليل كثير، لكنه عاد في عام 2000 أكثر قوة، وفي عام 2008 فاز بجائزة أحسن مصمم عالمي من غرفة الموضة الأميركية. وطوال مشواره، أكد أن التفصيل لعبته وميدانه، خصوصا البذلات الرجالية، الأمر الذي ينعكس على التايورات والجاكيتات، وحتى الفساتين التي يقدمها للمرأة. وإذا عرف سبب إتقانه التفصيل بطل العجب، فهو يسري في دمه وجيناته، بحكم أن والده كان يمتلك محلا للأزياء الرجالية، وجده كان خياطا.