متلازمة القولون العصبي .. أعتمد طبياً كمرض عضوي

منذ عقود طويلة، يعاني مرضى ما اصطلح على تسميته متلازمة الأمعاء المضطربة (Irritable Bowel Syndrome)، ما يعرف على سبيل التبسيط بالقولون العصبي، الوقوع بين مطرقة أعراض المرض المزعجة، وسندان الشك العلمي في حقيقة وجود مثل هذا المرض، حيث يتهم المصابون به بكونهم متوهمين للمرض (Hypochondriacs).


بما أن العلم لم يتمكن من سبر غور الأسباب العضوية للمرض بطريقة مثبتة علميا حتى الآن، حتى أن تشخيص المرض يعتمد بالأساس على استبعاد كل الأمراض الأخرى التي قد تسفر عن أعراض مماثلة أولا، تحول تشخيص هذا المرض في أذهان الأطباء والمرضى إلى فئة الأمراض التي يطلق عليها «النفسية - الجسدية» (Psychosomatic)، التي يوجه الاتهام فيها إلى اضطراب الحالة النفسية والمزاجية للمريض وتتسبب في حدوث أعراض عضوية، وبالتالي يتجه العلاج رأسا إلى العقاقير المثبطة للجهاز العصبي أو المهدئات التي لا تنجح غالبا في حصول المريض أو الطبيب على حالة الرضا الكامل من العلاج الدوائي.

بؤر التهابية
ولكن علماء جامعة ألمانية تمكنوا مؤخرا من إثبات تغيرات من شأنها أن تغير وجهة نظر الأطباء والمجتمع إلى هذا المرض الذي يعاني منه أكثر من 10 في المائة من إجمالي البشر على وجه الكرة الأرضية، وتصل نسبة المصابين به إلى أكثر من 40 في المائة في دول مثل البرازيل والمكسيك وعدة دول شرق أوسطية، وتحول أعراضه، مثل الانتفاخ والإمساك والإسهال والمغص المعوي والغثيان، حياة المصاب إلى جحيم متصل، وخاصة عندما تؤثر الزيارات المتكررة للمرحاض على نوعية حياة المريض من حيث طبيعة النوم أو الإصابة بالصداع.

وقد تمكن علماء قسم علم الأحياء البشري بجامعة ميونيخ للتقنية (Technishe Universitaet Muenchen) للمرة الأولى من تأكيد وجود بؤر التهابية غاية في الصغر في الأغشية المخاطية للأمعاء، الخاصة بالمرضى بمتلازمة الأمعاء المضطربة، من شأنها أن تثير حساسية تلك الأغشية المخاطية، مما يؤثر على توازن الأمعاء ويستثير الجهاز العصبي المعوي.

وباستخدام طرق تعتمد على تقنيات ضوئية معقدة، تمكن العلماء من قياس مواد وسائطية (mediators)، تقوم بنقل الأوامر التي تثير التفاعلات الالتهابية بين الأنسجة والخلايا المصابة وتهيج النهايات العصبية للأمعاء. وحسب البروفسور مايكل شيمان، أستاذ كرسي علم الأحياء البشري، فإن المواد المفرزة التي تمكن الباحثون من قياس وجودها على وجه اليقين، من شأنها أن تسبب الأعراض المقيتة التي يشعر بها المصابون بالمتلازمة.

جرعات علاجية
وكخطوة لتأكيد النتائج، وبالتعاون مع فريق علمي من جامعة أمستردام الهولندية، أثبت العلماء تحسن أعراض مرضى متلازمة الأمعاء المضطربة بعد تلقيهم جرعات من أحد أصناف مضادات الهيستامين (مضاد للحساسية) التي تثبط عمل الخلايا (mast cells) المسؤولة عن جزء من التفاعلات الالتهابية.

وبما أن معظم المراجع الطبية تشير إلى أنه لا يوجد علاج نهائي معروف لمتلازمة الأمعاء المضطربة، وإن كانت هناك علاجات فعالة في معالجة الأعراض المختلفة، فإن الاكتشاف الجديد يبشر بأمل تعافي مرضى متلازمة الأمعاء المضطربة، في حال التوصل إلى طرق لتوصيل العقاقير المضادة للهيستامين إلى تلك البؤر الالتهابية.

كما يسهم الاكتشاف في رفع الضغط النفسي الهائل عن كاهل المرضى، نتيجة رؤية المجتمع المحيط لهم بنظرة تشكك في كون الأعراض التي يعانون منها هي نتيجة مباشرة لاضطراب نفسي بالأساس، وهو الأمر الذي يزيد من تفاقم الأمور لدى المرضى ويخفض من حالتهم المعنوية.