الشيخة موزة تنجح في الترويح لـ «العمامة» كعلامة عربية في عالم الموضة

العمامة .. تتودد للشرق لأن الشيخة موزة نجحت فيما فشلت فيه ميوتشا برادا
العمامة .. تتودد للشرق لأن الشيخة موزة نجحت فيما فشلت فيه ميوتشا برادا

هل هي مغازلة للشرق أم تودد واضح للمرأة العربية، أم هي فقط الموضة تحاول دوما استكشاف الجديد باللعب على القديم؟ معظم عروض الأزياء هذا الموسم تخاطب المرأة المغامرة والمستكشفة، تارة من خلال الأزياء، وتارة من خلال الإكسسوارات، كما تحاول نيل رضا المرأة العربية عموما والخليجية خصوصا، مما يعطي الانطباع بأن الأزمة المالية أعادت الكثير من الأشياء إلى نصابها، ومنها أن تحصل هذه الأخيرة على أزياء عصرية راقية بنكهة شرقية تتناسب وبيئتها.


فبعد كم رائع من الإيشاربات شهدتها المنطقة العربية من قبل كبريات بيوت الأزياء، رأينا في المدة الأخيرة محاولة للترويج لعمامات تلف الرأس وتخفيه من دون أن تخفي معالم الجمال ولا سمات الأناقة.

القصة تعود إلى عام 2006 حين قدمت الإيطالية «ميوتشا برادا» عمامات بأقمشة من الساتان اللماع بألوان صارخة مزجت فيها أجواء البيئة الأفريقية بأناقة هوليوود في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي.

ولأنها ميوتشا برادا، التي يحترمها الكل، وتعتبر من أهم المؤثرين على ساحة الموضة حاليا، فإن هذا الإكسسوار الجديد القديم لفت الانتباه، وجعل الأغلبية تتوقع له أن ينتشر مثل النار في الهشيم في شوارع الموضة.

الأمر الذي لم يتحقق، على الأقل ليس بالحجم الذي كان متوقعا. فقد أخذت المرأة وقتها في معانقته، واستغرق الأمر نحو 3 سنوات، قبل أن يظهر على هامات بعض الأنيقات، من مثيلات سلمى حايك، وكايت موس، وسولانج نولز (أخت المغنية بيونسي) وغيرهن. سبب خوف الأغلبية من هذا الإكسسوار مفهوم، فهو لافت، وليس مثل القبعة قد تتبناه امرأة تريد أن تخفي معالمها أو تموه على مظهر شعر غير مرتب.

على العكس تماما، فإن كل ما فيه مثير ومبهر، لهذا يحتاج إلى ثقة عالية من جهة، وإلى إطلالة مميزة أساسا، من جهة ثانية، وليس أدل على ذلك من مظهر الشيخة موزة المسند، قرينة أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، التي جعلت هذا الإكسسوار جزءا من إطلالتها ومن الصعب منافسة أي نجمة التفوق عليها فيه. فهي أكثر من أتقنه وجعله يبدو طبيعيا وكأنه جزء من جيناتها الوراثية.

وليس ببعيد أن يكون لإدراجها في لائحة فوربس كواحدة من أكثر نساء العالم قوة وتأثيرا دور في تحقيق ما لم تستطع ميوتشا برادا أن تحققه، أي تقبل العمامة كإكسسوار مبتكر، ومن ثم ظهوره في الكثير من عروض الأزياء الأخيرة مثل عروض جايسون وو، شارلوت رونسون، جيورجيو أرماني وغيرهم كثر.

طبعا لا نستبعد أن يكون لأهمية أسواق الشرق الأوسط المتنامية أيضا دور في هذا الإقبال على مغازلة كل ما له علاقة بأجواء الشرق ولو من بعيد، لا سيما أن ميكيافلية العاملين في صناعة الموضة غير خافية على أحد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الإكسسوار ظهر في أوروبا خلال القرون الوسطى وعصر النهضة، كما توضح لوحات الرسامين الكلاسيكيين في تلك الحقب. وفي القرنين الـ18 و19، أصبح موضة سائدة في صفوف النساء الأوروبيات.

ومع ذلك ارتبطت العمامة في المخيلة الغربية منذ بداية القرن الماضي بأجواء الشرق والأزياء العربية، وهي في هذا تدين بالكثير للمصمم المستشرق بول بواريه، الذي كان يعشق الشرق ويستقي الكثير من أفكاره من اللوحات الفنية الكلاسيكية.

بعبارة أخرى، فإن اسم بواريه يرتبط مع مفهوم الاستشراق في أجمل حالاته، سواء تعلق الأمر بتطريزات غنية أو بتصميمات استعمل فيها أقمشة سخية تلتف حول الجسم من دون حياكة أو إكسسوارات مثل العمامة.

وحتى عندما تبنتها إليزابيث تايلور وجلوريا وسوانسون وجوان كروفورد فيما بعد، فإن الفكرة منها كان خلق مظهر غامض ومثير يستحضر إما رومانسية غابرة، أو قوة وثقة بالنفس تشيران إلى انفتاح على الثقافات الأخرى.

وهذا ما تؤكده مؤرخة الموضة كارولين رينولدز ميلبانك، بكتابتها أن العمامة «منذ قديم الزمن ارتبطت بالمرأة المثقفة المنفتحة على العالم التي تعيش حياتها بالكامل من دون قيود».

ومع ذلك يلاحظ ارتفاع وانخفاض أسهمها في عالم الموضة، حسب الفترة والحالة الاقتصادية أيضا. ففي أوج موضتها، في الثلاثينات كان العالم يمر بأزمة مالية كبيرة مثل التي يمر بها العالم في الوقت الحالي، وإن كانت قد شهدت أيضا إقبالا معقولا عليها في الخمسينات والستينات مع مثيلات إليزابيث تايلور التي كانت تعشق خلق إطلالات متنوعة لها حسب التأثيرات التي تمر بها، سواء كانت رحلة إلى مدينة طنجة المغربية أو إلى سردينيا وصقلية.

كما ظهرت بها في فيلم «أربعاء الرماد» Ash Wednesday (عام 1973)، وكانت من تصميم فالنتينو، الذي عاد إليها في عرضه لربيع وصيف 2001. لكنه استعملها كمجرد بهار للإبهار لا أقل ولا أكثر ولم يفكر أحد أنه كان ينوي الترويج لها.

لكن عندما تظهر في عرض لميوتشا برادا فإن الحسابات تختلف، إذ حاول بعدها الكثير من المصممين الترويج لها تدريجيا، على أمل أن تلتقط فتيلها المرأة العصرية وتشعله رواجا وأرباحا لهم، أمر لم يتحقق بعد، لكنه في الطريق إلى ذلك.

فمن أجمل العروض التي ظهر فيها هذا الإكسسوار بشكل مثير ومغر كان للإيطالي جيورجيو أرماني، الذي أخذنا في رحلة رومانسية وأنيقة إلى عصر ألف ليلة وليلة بألوانه النيلية الساحرة وعمائمه الرجالية والنسائية على حد سواء، عدا عن الماكياج الذي يبرز فيه الكحل بشكل يستحضر صورة «لورانس العرب» كما صورته هوليوود، وأيضا صورة غريتا غاربو الغامضة.

الجميل في هذه العمامات الأرمانية أنها كانت مكملا للأزياء وليست مجرد بهار مفتعل وبدت كإكسسوار طبيعي يفتح الشهية عليها، ويمكن أن يناسب امرأة أيا كانت جنسيتها وبيئتها.

ولا شك أن تواجد أرماني القوي في منطقة الخليج في السنوات الأخيرة، من خلال افتتاحه فندقا من تصميمه في دبي، كذلك طرحه عطرا يعبق برائحة البخور والعود، له دور مهم في فهمه جماليات هذه المنطقة ومن ثم قدرته على ترجمة إيحاءاتها الرومانسية بشكل عصري ومقبول بعيد عن الأكليشيهات المعهودة.

لكن رغم هذه الجرعة المتوازنة من السحر الشرقي التي قدمها هذا الإيطالي المخضرم، فإن العمامة عموما تبقى إكسسوارا بحدين. فهي إما أن تضفي على المرأة بريقا يرقى بها إلى مصاف النجمات، أو تجعلها «دقة قديمة» وكأنها عاملة نظافة خمسينية ومن الخمسينات أيضا.

أكبر مثال على هذا أنه عندما ظهرت بها العارضة كايت موس عام 2009، خلال حفل متحف المتروبوليتان للفنون والأزياء بنيويورك، اكتسبت مباشرة بريقا وأناقة حملتها من مجرد عارضة عالمية مشهورة إلى نجمة هوليوودية.

أما بالنسبة إلى شوارع الموضة، وبالنسبة للمرأة العادية، فإن المظهر يعجبها لكن على منصات العروض وصفحات المجلات، ولم تستجمع قوتها بعد لمعانقته في حياتها اليومية، وإن كانت قد بدأت في المواسم الماضية تتحسس نبض هذه الصرعة من خلال أربطة الرأس والعصابات التي تلف على الرأس. فهي تعرف أنها مهما حاولت تجاهلها والتهرب منها، فإن المصممين لن يتوقفوا عن محاولاتهم تسويقها مستعملين شتى الإغراءات.

فمنذ عرض برادا عام 2006، مثلا، والعمامة تظهر في كل موسم تقريبا. فبعد عرض «كنزو» الذي أخذنا إلى أجواء أفريقيا منذ سنوات، اعتمرت بها هامات عارضات «رالف لوران» وأخيرا ظهرت في عروض جايسون وو وشارلوت رونسون لخريف وشتاء 2011، وأيضا في تشكيلات الكروز لكل من كريس بانز، ماركة «راغ اند بون» وييزال أزرويل وهلم جرا.

وإذا كان الخطر فيها أنها لا تناسب كل النساء ومن السهل أن تبدو فيها المرأة مفتعلة أو «دقة قديمة»، فإن الجميل فيها أنها تناسب موضة هذه الأيام، التي تحث على السفر والتعرف على ثقافات الغير. وهي نفسها الموجة التي ولدت منها موضة سراويل الحريم الفضفاضة والقفاطين التي تتمثل في فساتين منسدلة تعتمد على الطيات والـ«درابيه».

تصوري إطلالتك وأنت ببنطلون فضفاض نوعا ما مع «تي شيرت» أو قفطان مفتوح من الجوانب وعمامة عصرية؟، بل وحتى ببنطلون بقصة مستقيمة تميل إلى الاتساع لأنها مستوحاة من البنطلونات الرجالية مع كنزة بياقة عالية وقلادة اثنية؟

إطلالتك ستكون حتما مميزة وتعبر عن شخصية واثقة وذوق خاص. لكنها مع ذلك تبقى خيارا شخصيا ولن تقبل عليها كل واحدة إلا إذا عرفت كيف توظفها لتعكس شخصيتها. فعندما ظهرت في فيلم «سيكس أند ذي سيتي» مثلا، كانت ملفتة ومثيرة بشقاوة تعكس شخصية بطلتها «كاري»، لكن عندما تلبسها امرأة أنيقة وجادة في أرض الواقع مثل الشيخة موزة، فإنها تأخذ منحى ثقافيا رزينا لا يعلى عليه ولا يفتقد إلى التميز أو الأناقة.

- عمامة برادا، وهي الشائعة، تأتي على شكل قبعة معقودة من الأمام، لا تحتاج منك إلى أي جهد. أما تلك التي رأيناها في عروض رالف لوران، جايسون وو، وأرماني، وغيرهما فهي عبارة عن إيشارب مستطيل طويل يلف بطريقة تحتاج إلى دراية لكي تأخذ شكلا أنيقا.

- يفضل أن لا تخفي كل الشعر، وأن تترك الغرة بارزة منها أو الشعر مسترسلا لاكتساب مظهر مستكشفة أو مغامرة واثقة.