صيحة جديدة في معالجة السمنة .. تغلب على الدهون بالدهون

تنشيط الدهون البنية الحارقة للسعرات الحرارية
أكدت الدراسات التشريحية والفسيولوجية أن جسم الإنسان كباقي الثدييات يحتوي على نوعين من النسيج الدهني هما: النسيج الدهني الأبيض (White fat) والنسيج الدهني البني (Brown fat).
ويتراكم النسيج الدهني الأبيض تحت الجلد مباشرة، خاصة حول الأرداف والفخذين والبطن، ويمثل أكثر من 90 في المائة من الدهون بالجسم ويلعب دورا رئيسيا في اختزان الطاقة لتوفيرها للجسم عند الاحتياج إليها، أما النسيج الدهني البني فيتوافر بكثرة في أجسام الأطفال حديثي الولادة، ويضمر تدريجيا مع أطوار النمو، وتوجد كميات ضئيلة منه في أجسام البالغين حول العمود الفقري وأعضاء الجسم الداخلية، ويلعب دورا مهما في إنتاج الطاقة بدلا من اختزانها بالجسم.
وقد أكدت الدراسات التشريحية تميز النسيج الدهني البني بوفرة الأوعية الدموية المسؤولة عن لونه البني المائل إلى الحمرة، بالإضافة إلى احتوائه على ألياف عصبية تابعة للجهاز السمبثاوي تتعلق بزيادة النشاط الفسيولوجي أثناء التعرض للحالات غير الطبيعية، وارتباطه بأحد أجزاء منطقة تحت المهاد «هيبوثالامس» في المخ وهي المنطقة المسؤولة عن تنظيم عمليات تناول الطعام وحرارة الجسم، كما أثبتت الدراسات احتواء خلايا النسيج الدهني البني على كميات كبيرة من الميتوكوندريا (محطات توليد الطاقة) والتي تختلف عن مثيلاتها في خلايا الجسم الأخرى.
لذلك اهتم الباحثون في الآونة الأخيرة بدراسة النسيج الدهني البني واعتبروه بمثابة عضو جديد بالجسم يمكن استخدامه في زيادة معدلات حرق الطاقة لتخليص الجسم من الطاقة المختزنة بواسطة النسيج الدهني الأبيض.
خلايا دهنية بنية 
وفي عام 2009، اقترح علماء ألمان أسلوبا جديدا لمعالجة السمنة وتراكم الشحوم باستخدام الخلايا الدهنية البنية كوسيلة لحرق الدهون غير المرغوب فيها داخل الجسم، وأكد الباحثون أن نحو 50 غراما من خلايا الدهن البني كافية لخفض الوزن بمقدار خمسة كيلوغرامات سنويا، وأطلق العلماء على هذا الأسلوب الجديد «مكافحة الدهون بالدهون».
وفي إطار الأبحاث المتواصلة للكشف عن أسرار النسيج الدهني البني، نشرت خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2011 في دورية «Cell metabolism» دراسة أجراها فريق بحثي بمعهد ستانفورد للأبحاث الطبية، أكدت أن هرمون «أوريكسين» orexin الذي يفرزه المخ يلعب دورا مهما في تنشيط النسيج الدهني البني المسؤول عن حرق السعرات الحرارية في فئران التجارب.
هرمون «أوريكسين» 
وقد أكد الباحثون أن نقص هرمون «أوريكسين» يؤدي إلى زيادة الوزن وحدوث السمنة، وبالتالي فإن إعطاء مكملات تحتوي على الهرمون يمكن أن يمثل توجها علاجيا جديدا لمكافحة السمنة عن طريق تنشيط نسيج الدهن البني لزيادة حرق السعرات الحرارية والشحوم المتراكمة بدلا من اللجوء إلى عقاقير إنقاص الوزن المستخدمة حاليا، والتي تعتمد على تثبيط خلايا الشهية بالمخ ولها الكثير من الآثار الجانبية السيئة.
كما أكد الباحثون أن اكتشاف العلاقة بين نقص هرمون «أوريكسين» وزيادة تراكم الشحوم بالجسم، ربما يفسر معاناة البعض من زيادة الوزن وتراكم الشحوم على الرغم من عدم تناولهم كميات كبيرة من الطعام مقارنة بآخرين يلتهمون كميات كبيرة من الطعام، وفي نفس الوقت يستطيعون المحافظة على أوزانهم بصورة مناسبة، النوع الأول من البشر ربما يعاني من نقص هرمون «أوريكسين» المسؤول عن تنشيط الدهن البني وإطلاق الطاقة اللازمة للحفاظ على الوزن.
الجدير بالذكر أن فريقا بحثيا بجامعة بوسطن الأميركية تمكن في عام 2008 من تحويل خلايا عضلات غير ناضجة إلى خلايا دهنية بنية في المختبر، وأكد العلماء أن منشأ خلايا الدهن البني تختلف عن منشأ خلايا الدهن الأبيض، وكانت المفاجأة في اكتشاف أن خلايا النسيج الدهني البني إنما هي أصلا خلايا عضلية! كما أكد الباحثون بمعهد غوتنبرغ للطب الحيوي بالسويد في عام 2009 أن أجسام البالغين تستخدم خلايا الدهن البني لتحويل الطاقة إلى حرارة، والتي اعتقد علماء البيولوجيا لعقود طويلة أنها توجد في الأطفال حديثي الولادة وتختفي مع النمو، وأكد الباحثون وجود الدهون البنية بنسبة أعلى في أجسام الأشخاص الأكثر نحافة مقارنة بالأشخاص الذين يعانون من البدانة والسمنة، كما توجد بنسبة أكبر لدى النساء عن الرجال وتكون خلايا الدهن البنية أقل نشاطا أو منعدمة النشاط لدى الأشخاص البدناء مقارنة بأصحاب الوزن المعتدل.
كما تمكن فريق بحثي بمركز روزلين لأبحاث السكري في بوسطن خلال عام 2009 من الكشف عن مركب كيميائي له القدرة على توجيه الخلايا العضلية غير الناضجة لتحويلها إلى خلايا دهن بني.
وخلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2010 نشرت في مجلة المعهد القومي للعلوم بالولايات المتحدة دراسة أكدت اكتشاف الباحثون وجود خلايا أولية بين خلايا الدهن الأبيض والخلايا العضلية يمكنها أن تتحول إلى خلايا دهن بني، وأكد الباحثون أن هذا الاكتشاف يفتح المجال للمزيد من الدراسات للتعرف على آليات تنشيط تلك الخلايا الأولية وإمكانية تحويلها إلى خلايا دهن بني، كما كشف الباحثون عن نتائج مثيرة تؤكد وجود تلك الخلايا الأولية في النسيج الدهني تحت الجلد، الأمر الذي يزيد من فرص الحصول عليها بسهولة.