بعد مرور سنة .. هل ساهمت كارلا في «تحسين» صورة ساركوزي

وتحرص كارلا على القول إنها «لا تتدخل في سياسة زوجها»  لكنها تعترف بأنها تصارحه بكل آرائها
وتحرص كارلا على القول إنها «لا تتدخل في سياسة زوجها» لكنها تعترف بأنها تصارحه بكل آرائها

بعد مرور سنة على لقائهما ثم قرارهما السريع بالزواج، يبدو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وقرينته الإيطالية الأصل كارلا بروني مثل شن الذي وافق طبقة. ويبدو من الواضح، اليوم، أن «الفرنسية الأولى» قد تركت بصمتها على ساكن «الإليزيه»، رغم أنها لا تقيم في القصر الرئاسي بقدر ما تمضي أوقاتها في البيت الذي تملكه في حي راق من باريس.


هل صحيح أن بروني نجحت في تغيير ساركوزي وقرّبت بينه وبين أهل اليسار؟ أم أن نيكولا هو الذي تمكن من سحب كارلا إلى منطقة اليمين؟

لا شك أن العارضة والمغنية السابقة لعبت دوراً في «تحسين» صورة الرئيس، لا من خلال النصائح التي تقدمها على صعيد اختيار الثياب فحسب، بل عبر تشجيعه على اتخاذ مواقف تخالف السياسة المتوقعة منه. آخر هذه المواقف كان قرار ساركوزي الإحجام عن طرد «الإرهابية» الإيطالية السابقة مارينا بيرتيلا، عضو منظمة «الألوية الحمراء»، وإعادتها الى روما. وكان هذا القرار الذي صدر «لدوافع إنسانية» قد أثار تململاً لدى الأوساط اليمينية، لكن الكل يعرف أن كارلا وأختها الممثلة فاليريا بروني تاديشي كانتا وراء العفو الرئاسي الذي لقيَ استحساناً من المثقفين وثوريي سبعينات القرن الماضي.

وتحرص كارلا على التأكيد، في كل مقابلاتها الصحافية، على القول إنها «لا تتدخل في سياسة زوجها». لكنها تعترف بأنها تصارحه بكل آرائها، وهو من جهته يستمع إلى كل ما تقول ويسجل ملاحظات لأنه يحب التناقض بين آرائهما. كما أن ساركوزي يبدو سعيداً بصورته الجديدة كرئيس متفتّح يسمح لزوجته بأن تشتغل في الغناء وتصدر اسطوانات تتغنى فيها بالحب بكل إشكالياته.

لكن نهج كارلا لا يتماشى دائماً مع متطلبات السياسة الفرنسية المرتبطة بمصالح مع هذه الدولة أو تلك. ففي حين حضر زوجها، الصيف الماضي، حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في العاصمة الصينية بكين، كانت كارلا تلتقي «الدالاي لاما» ـ الزعيم الديني للتيبت ـ وتحضر بصحبته تدشين معبد بوذي في منطقة اللانغدوك الفرنسية. وثمة من يضع اللائمة على هذا اللقاء في تراجع سلطات بكين عن عقد القمة الأُوروبية ـ الصينية.

هل اتفق الزوجان على اللعب كفريق متعاكس ومتجانس في الآن نفسه؟ أي هل ترفع كارلا الكرة تمهيداً لأن يكبسها ساركوزي؟ ألم تعلن الفرنسية الأولى، قبل أيام، عن تضامنها مع الموقّعين على عريضة تطالب البرلمان بتشريع قوانين تضمن المساواة الحقيقية بين كافة مكونات الشعب الفرنسي في المواقع العليا، من سمر وسود وصفر، أفارقة وعرب وآسيويين، مع نظرائهم البيض؟

 إن هذه المرأة المتحرّرة، بل الأكثر تحرّراً حتى من سيسيليا، طليقة ساركوزي، لم تكن تؤمن بفكرة الزواج حتى التقت بالرئيس قبل سنة من الآن. وكان نيكولا، آنذاك، يبدو أشبه باليتيم الذي يدور في أرجاء قصر كبير عليه ولا يعرف كيف يداوي جرح قلبه. ورغم ما عرف عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من تحفظ فإنها همست في أُذن ساركوزي الحزين، وهما يحضران القمة الأوروبية في لشبونة، في الخريف الماضي: «ستتجاوز هذه الأزمة... سترى».

في 15 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي ظهر ساركوزي، أمام الملأ لأول مرة، برفقة كارلا بروني وهما يتنزهان في «ديزني لاند» قرب باريس. وكانت معهما والدة كارلا وطفلها البالغ من العمر ست سنوات. ثم تكرّرت الرحلات العلنية ما بين البتراء وأسوان وشرم الشيخ حتى تتويج قصة الحب بالزواج في 2 فبراير (شباط) من هذا العام. لقد عاد قطار ساركوزي الى السكة وانتهت مرحلة الضياع التي عصفت بالرئيس الشاب الذي رشحت له الشائعات أكثر من حبيبة وعروس.

جاءت الزوجة الجديدة لتحدِث «ثورة» في التقاليد المتوارثة عن زوجات الرؤساء. فهي ليست فرنسية رغم إقامتها الطويلة في باريس، كما أنها عارضة أزياء سابقة ووالدة لطفل جاء بدون ارتباط رسمي، وفوق هذا كله فإنها تعمل مغنية وكانت تستعد لإطلاق اسطوانة جديدة ولا تنوي التخلي عن مهنتها. وقد قبل ساركوزي بكل هذا «العبء» لأنه أدرك أن هذه الإيطالية المتحدرة من أسرة بورجوازية ثرية هي الوحيدة القادرة على ترتيب وضعه المبعثر وإعادة النظام الى حياته لكي يتفرغ لمهمات الحكم.

لم يحدث من قبل أن تلبّي «السيدة الأولى» دعوة للظهور في برنامج تلفزيوني مع النجم ميشال دروكير، في حين كان زوجها الرئيس يجلس في الكواليس ويراقب تسجيل الحلقة، مثل أي عامل من عمال الاستوديو. بل إن ساركوزي هو الذي شجع كارلا على الظهور في البرنامج، وعلى لقاءات أخرى كثيرة، للترويج لأسطوانتها الجديدة الجديدة المعنونة «كأن شيئاً لم يكن». وألغى الرئيس عدة مواعيد سياسية لكي يكون موجوداً في الحفل الذي أقامته شركة «ناييف» للأسطوانات بمناسبة صدورها.

لكن الشخصية السعيدة والناجحة لكارلا بروني تخفي وراءها جرحاً سببه الموت المأساوي لأخيها الوحيد فيرجينيو الذي أودى به المرض قبل سنتين. ولراحة نفس ذلك الأخ تتبرّع كارلا بالكثير لتمويل بيوت للمرضى في أفريقيا ولمطاعم الفقراء في فرنسا.

ومن المقرر أن تبدأ، اعتباراً من الاثنين المقبل، وظيفتها الجديدة رئيسة لمؤسسة إنسانية تحمل اسم أخيها الراحل وسفيرة عالمية لحماية الأمومة والطفولة من مرض «الإيدز»، في احتفال يقام في باريس بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة هذا المرض.  تقرّبت كارلا من المهاجرين ومدّت أواصر صداقة مع فضيلة عمارة، الوزيرة المكلفة شؤون الضواحي. ورعت جوائز تمنح للمتفوقين من أبناء المناطق المحرومة. كما شوهدت وهي تنزل من سيارتها في ساحة مجلس الشيوخ وبرفقتها شاب أسود يعمل نائباً لعمدة بلدة مورو.

وكان واضحاً أن الفرنسية الأُولى تتعمّد أن تعكس صورة مغايرة لتلك الصورة التي يعكسها رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلسكوني الذي أثار لغطاً حين وصف الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما، بأنه شاب وسيم و«برونزي اللون» دائماً. يومها لم تخف كارلا امتعاضها من برلسكوني وقالت هامسة: «هناك لحظات أشعر فيها ببالغ السعادة لأنني أصبحت فرنسية». وحقاً، جاء في استطلاع للرأي أن ثلثي الفرنسيين معجبون بـ«لمسة كارلا» التي كان لها أثر في إضفاء لمحة من المروءة التي كانت شخصية ساركوزي بأمس الحاجة لها.

مع هذا، لا شيء يمنع رسّامي الكاريكاتور وكتّاب الأعمدة الساخرة في الصحف من تناول الرئيس وزوجته بالكثير من الخفة والتشنيعات الناقدة. ولقد نجح فريق مؤلف من كاتبين ورسام في الترويج لكتاب من سلسلة الرسوم الفكاهية بعنوان «كارلا وكارليتو»، تقوم فكرته على تخيل عيادة طبية تقع في مكان ما من فرنسا، يتجمع فيها خمسة سياسيين سابقين عام 2011 لكي يتعالجوا من الإدمان على «الساركوزية».

واعتمد المؤلفون الثلاثة على وقائع وعبارات حقيقية تسرّبت من يوميات القصر الرئاسي واجتماعات مجلس الوزراء في رسم صورة «كارليتو»، وهو شخص نزق وعجول ولا يتورّع عن استخدام الشتائم، ومولع بكارلا التي تتمشى حافية القدمين، مرتدية بدلة أنيقة، وهي تحمل الغيتار على كتفها.

وعلى هامش الشخصيات الرئيسة، يطالع القراء صورة وزيرة العدل رشيدة داتي التي لا تتردد في تسمية كارلا باسم «ماري أنطوانيت» لأنها كانت السبب في تقليل حظوتها لدى الرئيس. أما رئيس الوزراء فرنسوا فيّون فهو ليس سوى ظل لساركوزي، لا حول له ولا قوة.

في القصر، لم تتدخل كارلا كثيراً لفرض سلطتها، بل مدّت علاقات طيبة مع العاملين هناك. وكل ما قامت به هو تغيير الإضاءة أثناء حفلات الاستقبال الرسمية واستقدام شراب مختلف من كهف فندق «البريستول». وقد حاول الصحافيون ومن يدسّون أنوفهم في خصوصيات المشاهير أن يحصلوا على عبارات مثيرة لربة القصر، تصلح لمانشيتات المجلات الشعبية.

لكن «الفرنسية الأولى» كانت تتناول كل الأُمور بذكاء عفوي مدرب، دون أن تسمح بتسرب كلام يحتمل التأويل. وكانت العبارة الوحيدة، من هذا النوع، التي تنسب إليها هي قولها لرشيدة داتي وهي تتجوّل معها في قصر «الإليزيه» وتتفرّج على غرفة نوم الرئيس: «لا شك أنك تمنيت أن تنامي هنا». ويُقال أن ملامح وزيرة العدل اكفهرت حال سماعها تلك العبارة وغادرت القصر على عجل.

مهما يكن من أمر، فقد فرضت بروني حضورها الخاص. وبخلاف المتوقع، لم يحدث أن شوهدت وهي ترتاد دور الأزياء والمتاجر الفخمة أو المطاعم الشهيرة، بل فرضت على الرئيس نظاماً «بيتوتياً» لا يسمح بالسهر في الخارج إلا نادراً.

ويمضي الزوجان مساءات الأسبوع، من الاثنين الى الخميس، في منزل كارلا الواقع في الدائرة السادسة عشرة من باريس، ثم ينتقلان الى «الإليزيه» أو غيره من قصور الرئاسة لقضاء عطلة نهاية الأُسبوع، مع من يكون حاضراً من الأبناء الستة، خمسة لنيكولا من زيجتين سابقتين وواحد لكارلا من علاقة مع الفيلسوف رافائيل أندوفان.