هل أصبح النوم مشكلة تؤرق حياة المصريين؟

يوجد في مصر من 5 إلى 8 ملايين شخص يعانون من اضطراب النوم بسبب ضغوط الحياة وكثرة المشاكل، وازدياد وتيرة الأرق .. ومركز متخصص لأمراضه
يوجد في مصر من 5 إلى 8 ملايين شخص يعانون من اضطراب النوم بسبب ضغوط الحياة وكثرة المشاكل، وازدياد وتيرة الأرق .. ومركز متخصص لأمراضه

للنوم في حياة المصريين قصص وحكايات، خرجت من معطفها أعمال أدبية مثل رواية «لا أنام» لإحسان عبد القدوس، و«لا أحد ينام في الإسكندرية» لإبراهيم عبد المجيد، بالإضافة لتراث عتيد من الأغاني، لا يزال يلعب النوم فيه دور البطولة في تجسيد نار الحب ومكابدات العشاق. وتعتبر القاهرة مدينة «سهيرة» بامتياز، فبعد منتصف الليل تتخفف من وطأة الزحام والضجيج، وتصبح مسرحا رائقا للسهارى حتى مطلع الصبح.


هذا المشهد ليس إيجابيا خالصا، حيث تشير إحصائية بحثية إلى أنه يوجد في مصر من 5 إلى 8 ملايين شخص يعانون من اضطراب النوم، وهذا العدد مرشح للارتفاع مع ضغوط الحياة وكثرة المشاكل، وازدياد وتيرة الأرق والزهق على حساب السكينة وراحة البال.

«فالنوم لا يكفي، والمرتب لا يكفي، وأيام الأسبوع سبعة».. هكذا تعبر نجوى حسان، أخصائية تحاليل وأم لثلاثة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة، وتتساءل: كيف ومن أين سيأتي النوم، وطيلة الليل أضرب أخماسا في أسداس لتدبير نفقات المعيشة، ومصاريف الدروس الخصوصية.

تعرف نجوى بحكم تخصصها المخاطر الصحية المترتبة على قلة النوم، من زيادة في الوزن وزيادة نسبة حدوث السكر، وإجهاد العين، «لكن ما باليد حيلة». على عكس نجوى، لا يعاني وجيه سيف، محاسب في أحد البنوك الخاصة، من أزمات مالية أو اجتماعية، أو حتى عاطفية، لكنه ليس على وفاق دوما مع النوم. يقول: «حتى الحبوب المنومة والمهدئة التي وصفها لي الطبيب، لم تعد تنفع.. ماذا أفعل؟».

على بعد خطوة منهما يتباهي ماجد محمد على مهندس ميكانيكا بأنه ما أن يضع رأسه فوق الوسادة حتى يذهب في النوم .. بينما تقول نوال إبراهيم مدرسة بالمرحلة الإعدادية «نومي قليل بالكاد خمس ساعات يوميا.. أحيانا أصحو جسمي مكسر، لكن المهم أنني أنام، هذه الساعات القليلة نعمة أحسد عليها».

مفارقات النوم واضطراباته تتعدد وتتنوع في حياة المصريين. تستطيع أن ترصد تجلياتها بسهولة: في غفوة موظف على مكتبه، أو في شخص يميل على كتفك نائما في الباص، أو في عبارة تصادفك هنا وهناك «معلهش أصلي ما نمتش كويس»، وقد تتحول إلى حوادث سير مروعة بسبب نوم بعض السائقين أثناء القيادة.

الدكتور رامز رضا مصطفى استشاري المخ والأعصاب، زميل كلية الأطباء الملكية بلندن افتتح أول مركز متخصص من نوعه في مصر لعلاج اضطرابات النوم يقول: «لأول مرة يتخصص مركز لمشاكل النوم فقط، لتحديد سبب المشكلة بالضبط، هو ليس ملحقا بعيادة مخ وأعصاب، فقط لمشاكل النوم.

تقوم فكرة المركز على اختبار الشخص أثناء نومه، فنقوم بتسجيل كل تفاصيل نومه بدقة، عدد دقات قلبه، طريقة تنفسه وحركاته .. كل شيء نقوم بقياسه لتحديد سبب المشكلة وكيفية علاجها، الجديد هو التخصص فقط لمشاكل النوم فقط وليس المخ والأعصاب عموما».

عند الدخول إلى المركز ثمة ألوان وديكورات تبعث على الهدوء والراحة.

أما المكان الذي يتم رصد مشاكل النوم من خلاله فهو عبارة عن غرفة نوم شديدة الهدوء ألوانها هادئة جدا لا يوجد بها حتى لوحة على الحائط لكي لا تلفت الانتباه، كاميرا معلقة لرصد كل حركات المريض حتى في الظلام، أجهزة حديثة مخفية هنا وهناك تتبع حركة أجهزة الجسم طوال الليل وحتى الصباح لمعرفة التنفس، وعمل القلب، وكل أعضاء الجسم المختلفة، وهذه الأجهزة متصلة بغرفة أخرى يعمل بها طبيبان لرصد كل هذه الأمور.

يعبق المكان برائحة اللفندر الهادئة، وقبل أن يداهمني النعاس سألت الدكتور رامز:

لماذا لم يعد ينام المصريون جيدا؟
المصري في الماضي كان يعمل ساعات عمل محددة ومتعارف عليها مجتمعيا، أما الآن ومع النظام الرأسمالي فإن ساعات العمل طالت كثيرا عن ذي قبل، كما أن هناك أعمالا كثيرة تعمل بنظام المناوبة مما يربك عملية النوم كثيرا، بالإضافة إلى الضغوط التي تفرضها المدنية الحديثة، فالتنافس المهني والطموح والظروف الاقتصادية أثرت بالتأكيد، كما أن انتشار مطاعم الأكل السريع والتغذية الرديئة يربك أجهزة الجسم كلها، مما ينعكس بدوره على نظام النوم الطبيعي، فهذه المأكولات غير صحية وتؤدي للسمنة وأمراض القلب والسكر وغيرها.

ما الذي جذبك لهذا المجال؟
اشتغلت بالخارج فترة في هذا التخصص، وكنت أطمح لعمل ذلك في مصر، فمعظم من عنده مشاكل في النوم يعتقد أنه لا يوجد حل لمشكلته، فنجد كثيرا من الناس يقول: أنا لي أكثر من ثلاث سنوات لم أنم جيدا لكني لا أعاني من أي شيء.

هل بعض الأمراض كالسكر والضغط وغيرها لها تأثير على النوم؟
بالطبع نعم وأجريت عليها دراسات كثيرة داخل مصر. وكلها أثبتت ارتباط السكر والضغط والسمنة والأمراض الصدرية، والجلطة باضطرابات النوم وغيرها من الأمراض، أما أمراض المخ والأعصاب فكلها تحدث اضطرابا في النوم ويكون النوم جزءا من علاجها، كما أن بعض الأدوية تربك النوم وتحدث كوابيس.

هناك من يتحرك ويتقلب كثيرا أثناء نومه، وهناك آخرون لا يتقلبون إلا قليلا جدا أيهما أصح؟
كل شخص له طبيعة مختلفة في كمية الحركة التي يتحركها في أثناء النوم، الحركة تحدث في مراحل معينة من النوم ولو تطرفت الحركة وخرجت عن المسار الطبيعي ممكن أن تنقلب إلى المشي والسير أثناء النوم.

لكن ما سبب المشي في أثناء النوم؟ وهل صحيح أنه إذا تم إيقاظ النائم أثناء سيره يعد خطرا عليه؟
يحدث لهم انزعاج شديد ويندهشون من أنهم كانوا في السرير، فما الذي أتى بهم إلى هذا المكان، ويكون السبب غالبا أن الإنسان يمشي في أثناء أحلامه، بمعنى أن النوم يمر بمراحل وعندما يصل لمرحلة النوم العميق تبدأ الأحلام، وأثناء الأحلام لا تكون هناك حركة ويثبت النائم على وضعية نومه، ولولا هذه الآلية والميكانيزم التي تمنع الحركة أثناء الأحلام، لكان الشخص يحلم ويقوم بفعل ما يحلم به.

هل يكون السبب عضويا أم نفسيا؟
يكون عضويا و99 في المائة من الحالات يتم علاجها بسهولة عن طريق الأدوية.

ما هي إذن اضطرابات النوم عموما؟
تشمل كل ما يسبب صعوبة في النوم وعدم الراحة، زيادة في النوم، نوم أثناء النهار، النوم المفاجئ، الشخير، مشاكل تنفسية أثناء النوم إلى آخره.

كان نابليون بونابرت ينام أربع ساعات، وكذلك تفعل مارجريت تاتشر، هل هناك علاقة بين ذكاء الإنسان وعدد ساعات نومه؟ وما عدد الساعات المطلوب من الشخص أن يفي بها في نومه؟
إذا كان نابليون كان ينام أربع ساعات فإن ألبرت آينشتين كان ينام 14 ساعة يوميا، لا توجد علاقة بين عدد ساعات النوم ونسبة الذكاء، إنما ما يحدد عدد ساعات النوم هو الشخص نفسه. فهناك من يكتفي بعدد قليل، وآخرون تطلب أجسادهم عدد ساعات أكثر، أما إذا حدث ضيق للشخص من نومه أيا كان، فهذا أمر يستدعي العلاج.

هل من ينامون بالنهار يعانون من اضطرابات النوم؟
هناك من يضطر لنوم النهار إما بسبب عمله، أو الأم حديثة الولادة التي لا تستطيع النوم بسبب الوليد الصغير، إلى آخر هذه الأسباب، ولو لم يشتكي الشخص من ذلك فليس ثمة مشكلة، لكن نوم النهار يحرم الجسم من مادة الميلاتونين والتي يبدأ عملها نحو الساعة التاسعة، ويكف المخ عن إنتاجها مع ضوء النهار وهذه المادة مهمة جدا للجسم فهي التي تؤدي للاسترخاء في النوم والشعور بالراحة.

تحدث حالة من الانتشاء الشديد لمن يمتنعون عن النوم يوما كاملا لأي سبب، وتتخلل هذه الحالة عصبية شديدة، يعقبها شعور بالحزن ثم سريعا مرة أخرى شعور بالسعادة الزائدة هل هذا طبيعي وما سببه؟ وهل عدم النوم لفترة يؤدي إلى الجنون؟
نعم هذه الحالة طبيعية ومعروفة فعدم النوم يؤثر على كل وظائف المخ، فالمزاج والقدرات العقلية والقدرة على التفكير كل هذا يتأثر، ولو استمر عدم النوم لأيام أكثر يؤدي إلى هلاوس وأمراض عقلية، ولو امتنع الشخص عن النوم لمدة من 15 إلى 20 يوما يموت؛ فمن يمتنع عن النوم يموت قبل من يمتنع عن الطعام.

هل المنومات تؤدي إلى اضطرابات في النوم؟
هناك 50 صنفا من الأدوية التي تساعد على النوم، لن يستطيع الشخص وحده أن يحدد ما يحتاجه بالضبط وهل هذا الدواء يساعده على الاستمرار في النوم أم الدخول في النوم، النوم العميق، مرحلة الأحلام، إلى آخره.

وهل هذا الدواء يتفاعل مع أدوية أخرى يأخذها الشخص فتؤدي إلى مشاكل جديدة؟ وما المدة التي يجب أن يؤخذ فيها هذا الدواء، وبعده يتم التوقف عن استعماله وإلا لن يفي بالغرض منه، بعض الأدوية إن لم تؤخذ تحت إشراف الطبيب تحدث حالة من الإدمان والتعود.

هل هناك مواد طبيعية، أعشاب، روائح تساعد على النوم؟ وكيف يكون النوم منظما؟
الينسون مشهور في هذا المجال، أيضا أعشاب الكاموميل، ومن الروائح عطر اللفندر، وهناك أقراص أعشاب طبيعية تباع في الصيدلية. أهم شيء هو كيف أضبط نومي وأحدد وقتا للنوم وآخر للاستيقاظ، ابتعد عن ممارسة الرياضة ليلا وعن شرب المنبهات مساء من شاي وقهوة وخلافه، وأن يتم تهيئة الجو للنوم وأن تكون درجة حرارة الغرفة مناسبة.

لكن هناك أشخاصا ليس الأمر بيدهم، فهم يعانون من اضطراب الساعة البيولوجية داخل المخ فالمادة المسؤولة عن ذلك لا يتم إفرازها بشكل طبيعي ولا بد من نظام علاجي لضبط مواد المخ التي تتحكم في النوم والاستيقاظ.

ما أخطر أمراض النوم؟
أكثر الأمراض المشهورة هو النوم المفاجئ وهو مرض عضوي نتيجة مادة معينة في المخ، فنجد المريض ينام فجأة أثناء النهار، وهو يعمل وهو يسوق وهو في محاضرة ينام فجأة لمدة ثلاث دقائق، ويمر بكل مراحل النوم، ويحلم ويستيقظ كأنه نام طويلا وهذا المرض قد يؤدي لحوادث خطيرة.

لماذا هناك أشخاص لا يحلمون إطلاقا؟
النوم له دورة معينة، والأحلام تحدث في أعمق مرحلة بها، وتتكرر هذه الدورة كل ساعة أو ساعة ونصف تقريبا، ولو استيقظ الشخص أو تقلب في أثناء الحلم يتذكره، ولو كان هذا التقلب والاستيقاظ في وقت آخر غير وقت الأحلام لا يتذكر الإنسان أحلامه، فهناك من لديه دائما أحلام يتذكرها، وآخرون ليس لديهم أحلام يرونها، لكن ما دامت الأمور تسير ولا توجد شكوى، إذن فلا مشكلة تستدعي التدخل.

هناك أشخاص أصحاب مقدرة على النوم فور خلودهم للفراش مثل رواد الفضاء مثلا. هل هذا هو الشكل المثالي للنوم؟
هناك فترة بين دخول الفرد فراشه وبين دخوله الفعلي في النوم. هناك أناس لديهم هذه الفترة قصيرة وآخرون طويلة، فهناك اختلاف بين شخص وآخر، لكن لو هذه الفترة قصيرة جدا جدا يمكن أن تكون حالة مرضية، فمريض النوم المفاجئ عندما يدخل فراشه ينام فورا. والعكس من عنده مشكلة نفسية تزيد لديه هذه الفترة. ويمكن أن تكون هناك مشاكل أخرى تسبب طول فترة الدخول في النوم، خصوصا عند النساء وتتمثل في الحركة الزائدة للرجلين وهزهما باستمرارية، ويكون هذا بسبب نقص الحديد أو كثرة بعض المواد المتراكمة في المخ.

هل ممارسة الرياضة تؤثر في النوم؟
من المهم أن يمارس الإنسان رياضة أثناء النهار، ولو كان عمله مكتبيا أكثر فلا بد من تنظيم وقت للرياضة، أو أضعف الإيمان أن يكثر من الحركة. لكن قبل ساعة من فترة النوم يجب عدم ممارسة الرياضة، بل يأخذ دشا، ولو شاهد التلفزيون لا تكون أشياء بها عنف، أو مشاعر قوية بل مواد خفيفة.

برأيك .. من أكثر الفئات ضبطا للنوم والاستيقاظ؟
ما زال موجودا بالقرى والمدن الصغيرة من ينام بعد صلاة العشاء ويستيقظ فجرا. فالمدن الكبيرة والزحام والسهر والمدنية الحديثة تؤثر بالتأكيد على النوم واضطراباته.

دكتور رامز رضا مصطفى صف لنا نومك؟
يضحك قائلا: نومي منتظم جدا وأحترمه أيضا، فأغلق هواتفي الجوالة، ولا أحتك بالآخرين، لذا أضع سدادات على أذني وأعطي للنوم حقه.