روح الشرق .. تجتاح أزياء المصممين العرب والأجانب

البحث عن الهوية العربية والجذور الثقافية في «ألف ليلة وليلة»
البحث عن الهوية العربية والجذور الثقافية في «ألف ليلة وليلة»

سحر الشرق الذي سمع عنه الغرب من خلال حكايات «ألف ليلة وليلة»، وعبروا عنه في عدد من الأعمال السينمائية، تسلل في السنوات الأخيرة إلى عالم الأزياء، واحتل حيزا كبيرا في تصاميم كبار المصممين العالميين الذين رأوا فيه إضافة إلى إبداعاتهم؟


ولكن اللمسة الشرقية التي تجتاح في وقتنا الحالي دور الأزياء وواجهات المحلات في عواصم الموضة الغربية، كانت قد شقت طريقها قبل ذلك على أيدي عدد من المصممين اللبنانيين، الذين نهلوا من حضارة الشرق وثقافته، ووضعوا لأنفسهم خطا وأسلوبا جديدا في التصميم يعبر عن هويتهم وانتمائهم إلى الشرق، بلد السحر والجمال، وتمكنوا من تحقيق إضافة جديدة في عالم الأزياء، مختلفة ومتميزة عن السائد والمألوف.

ويعتبر خالد المصري أحد المصممين العرب الذين استوحوا من كل ما له علاقة بالشرق، فنا، وكتابة، ورموزا وتمائم، وأدخلوه في تصاميمهم التي سرعان ما لفتت الأنظار.

وهذا ما جعله مصمما عالميا ليس متميزا بأسلوب خاص فحسب بل صاحب مدرسة في عالم الموضة، وتزيد أهميته اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد أن أصبح الأسلوب الشرقي نهجا يعتمده كبار المصممين العرب والعالميين، وفي طليعتهم جورجيو أرماني صاحب الشهرة العريضة في عالم الأزياء.

يقول المصمم خالد المصري إنه سعى بعد عودته من أوروبا، التي درس فيها الهندسة المعمارية إلى ابتكار خط جديد في المنطقة العربية، التي كان مصمموها قد انتشروا من خلال مسايرة الأسلوب الغربي: «أردت شيئا يشبهني، لذلك تطرقت إلى أفكار جديدة، مستوحيا من فن العمارة الشرقية، الحرف العربي وبعض الشعارات والتمائم كالعين التي تستعمل للوقاية من الحسد.

أنا لم أطور الزي العربي التقليدي، أو ما يعرف بالعباءة، بل ابتكرت مدرسة جديدة في الأزياء العصرية، أدخلت إليها عناصر من ثقافتنا وهويتنا العربية.

وبصراحة لا أعرف ما إذا كانت ستكون تصاميمي هي نفسها لو أنني نشأت في لبنان، الأمر الذي أعرفه هو أن ذهابي إلى أوروبا في سن مبكرة وتتلمذي على أيدي المصمم العالمي (فيريه) أثر في كثيرا وتبث قواعد المهنة عندي من الناحية التقنية، دون أن يلغي أفكاري وحبي لانتمائي، وهذا الأمر يبدو واضحا في أسلوبي في العمل.

للأسف، بعض الصحافة عبرت عما قدمته بشكل خاطئ واعتبرت أنني سعيت إلى تطوير الزي العربي التقليدي وهذا الأمر ليس صحيحا على الإطلاق».

كما يؤكد المصري أن البحث عن التميز لم يكن هاجسه عندما قرر تبني خط جديد في عمله: «في البداية كان العمل في هذا الخط مضنيا ومتعبا، لأنني قررت السير عكس التيار، ولكن بعد أن أثبت نفسي، شعرت بأنني متميز على الآخرين.

المسألة كان لها علاقة مباشرة بقناعاتي وثقافتي، كما بهويتي وبانتمائي السياسي كلبناني - عربي. أنا أكره التكرار، ولذلك سعيت للمزج بين موهبتي وبين انتمائي السياسي، وأعتقد أنني بعد المشاركة في 13 عرضا ضمن أسبوع الموضة في باريس، نجحت بتشكيل خط جديد في الموضة العالمية، وما يؤكد صحة كلامي، مسألتان، الأولى أن معظم المصممين العالميين أصبحوا يستوحون من هذا الخط، والثانية، الطلب الذي تلقيته، بعرض قطعتين تحملان توقيعي إلى جانب أزياء كريستيان ديور وإيف سان لوران وغيرهما من كبار المصممين العالميين من متحف الموضة في باريس. وهاتان الناحيتان تكفيان لتأكيد مكانتي كمصمم عالمي».

المصري يشعر بسعادة كبيرة عندما يستلهم كبار وأهم المصممين من الثقافة العربية، فهذا يعني «أني أسير في الطريق الصحيح»، مضيفا: «ليس لدي مشكلة في أن يستوحي الآخرون من تصاميمي، إذا جاءت النتيجة إيجابية، لكن عندما تكون دون المستوى، فإن هذا الأمر يحزنني كثيرا».

أزرق، أبجد هوز، أم كلثوم، أرجوان.. وغيرها، كلمات عربية اختارها المصري لتكون عناوين لمجموعاته: «فأنا أحرص على اختيار العناوين بدقة وعناية، لأنني أريد عملا كاملا متكاملا، والعنوان يعكس فكرة كل مجموعة.. مجموعة «أزرق» للتعبير عن البحر الذي طغت أسماكه وأصدافه على الفساتين، مجموعة «أبجد هوز»، للدلالة على الخط العربي الذي برز في الفساتين على كل الرسومات بطرق مختلفة على التصاميم، مجموعة «أم كلثوم» التي عكست بأزيائها الحقبة الفنية والاجتماعية التي عاشت فيها هذه الفنانة الكبيرة، مجموعة «سلطان» التي تميزت بروحها التركية، أما العرض الأول الذي شاركت فيه ضمن أسبوع الموضة في باريس، فاخترت له «باريس –1»، وتحدثت مجموعته عن الحقبة العباسية.

وعن توقعاته بإمكانية هيمنة الخط الشرقي على الموضة العالمية، يقول إن الأوروبيين يحبون اللمسة الشرقية، ولديهم هوس كبير بالشرق وسحره كما أن أجواء «ألف ليلة وليلة» لا تفارق خيالهم أبدا. لكنهم يشتغلون دائما على هذه الفكرة بطريقة مختلفة، بحكم أنهم ليسوا متعمقين بالثقافة الشرقية. ويضيف أنه كان أول من استعمل المعدن في تصميم الملابس في أول عروضه الباريسية، ولم يمر سوى موسمين، كما يقول: «حتى استوحت الشركات العالمية الفكرة نفسها وطرحتها على شكل أقمشة، أما المرأة الغربية فتحب ما أقدمه لها، لأنها لا تجده عند سواي من المصممين، ولقد كانت (بترينا) التي يملك والدها أكبر ماسة في العالم أول سيدة مجتمع معروفة ترتدي من تصاميمي ويومها اختارت (فستان العين) الذي أحدث ضجة كبيرة وتم عرضه على كل شاشات التلفزيون العالمية».

المصمم جميل خنسا، الذي شارك أخيرا في «أسبوع الموضة للأزياء الراقية في نيويورك»، Couture Fashion Week، بدا سعيدا بالنجاح الكبير الذي حصده «لقد شارك في هذا العرض أكثر من 80 مصمما من جميع أنحاء العالم، ورغم أنني توجهت من خلال مجموعتي (لمسة شرقية) إلى المرأة الغربية، فإنها لاقت استحسانا لافتا وحظيت بالاهتمام لما تضمنته من روح شرقية».

وتابع خنسا أن اللمسة الشرقية تضفي على الفستان غنى ورقيا إذا عرف المصمم كيف يقدمها من خلال الفكرة المناسبة. ويوضح: «بدأنا كمصممين نلمس أن هناك ميلا في أوروبا وأميركا على إبراز هذه اللمسة مع المحافظة على الفكرة الغربية للقطعة، لأن هذا النوع من التصاميم يحظى بإقبال أكبر. فاليوم، وبعد أن تحول العالم إلى قرية كونية صغيرة، من الطبيعي جدا أن يحصل تبادل ثقافي بين الشرق والغرب، على جميع المستويات، بما فيها الموضة، ولذلك أصبح المصمم الغربي يستوحي في أزيائه من التراث الشرقي الغني والمتنوع، ومثله يفعل المصمم العربي، الذي يستوحي هو أيضا من الموضة الغربية من خلال متابعته لآخر صيحات الموضة العالمية التي تصدرها فرنسا سنويا».

من جانبها تعتبر «أصيلة» من دور الأزياء التي تتمسك بالزي التراثي التقليدي وأولته اهتماما خاصا في عز عصر الانفتاح على الموضة الغربية التي هيمنت على المجتمعات الشرقية. بدأ العمل في الدار عندما قررت نجوى سنو، التي كانت ترسم على الحرير في باريس أثناء الحرب مع شريكها في العمل، إحياء الحرفية التراثية في بعلبك، من خلال جمع الملابس التراثية المصنوعة وتوضح سنو: «كنا نبحث عن الفساتين القديمة وتحديدا لدى البدويات ونعيد استخدامها في تصاميمنا الخاصة بالعباءات الغنية بالصرما، الرسومات والطرق وقبل عدة سنوات بدأنا نستورد ما نحتاج إليه من كل دول الشرق، كاليمن، العراق، مصر، أوزبكستان، أفغانستان، سورية وغيرها، عن طريق أشخاص يجمعون الملابس القديمة من الأهالي، حتى أن هناك من يقصد المخيمات الفلسطينية لهذه الغاية.

ولقد حظيت تلك التصاميم بإقبال كبير خاصة بين المثقفين، الذين وجدوا فيها عودة إلى الجذور، بعد موجة الحروب التي عصفت بالمنطقة العربية. أما النساء العاديات فأقبلن عليها بكثرة عدما وجدن أنها دخلت ضمن الموضة الموسمية العالمية، منطلقة من قناعة بأنه إذا كان الغرب يستوحي تصاميمه من عندنا فلماذا نهمل تراثنا؟».

وتضيف سنو: «كنت حريصة على اعتماد هذا التراث في التصاميم على أنواعها، في محاولة لاسترداد الهوية كما لتعريف الجيل الجديد بتراثه، وهو بدوره أقبل عليها بصورة مشجعة، خصوصا على التصاميم التي تجمع بين عدة حضارات عدة في ثوب واحد. وحاليا نحن نعتمد نوعين من الأزياء التراثية، الأول قديم والثاني جديد، يتم تصميمه وكأنه قديم، ومن لا يريد أن يدفع الكثير من المال يشتري الجديد».