الكوابيس عند والأطفال .. ما أسبابها؟

تكرارها مؤشر مهم على تعرض الطفل للتخويف من أقرانه
تكرارها مؤشر مهم على تعرض الطفل للتخويف من أقرانه

رغم أن السن التي يبدأ الأطفال فيها برؤية الأحلام غير معروفة على وجه التحديد حتى الآن، فإن معظم الأطفال ما دون سن المدرسة يحكون عن رؤيتهم أحلاما أثناء النوم، سواء كانت هذه الأحلام مبهجة أو مخيفة (كوابيس Nightmares).
 
وتحدث الأحلام أو الكوابيس في هذه السن، لأن خيال الطفل يكون في قمة الجموح في هذه الفترة التي تبدأ فيها مشاعر الخوف الطبيعية (غير المرضية) الظهور. وفي الأغلب، تكون الكوابيس مرتبطة بالأحداث اليومية للطفل حسب بيئته الاجتماعية والثقافية، ولكن من غير المعروف ما السبب الحقيقي وراء الكوابيس حتى الآن. 
 
ومن المعروف أن اهتمام الطب النفسي بالأحلام أو الكوابيس ودلالاتها وأثرها وأسبابها بدأ في وقت مبكر جدا منذ ظهور علم الطب النفسي تقريبا، وذلك لمحاولة فهم الآليات التي يحدث بها الحلم أو الكابوس سواء للبالغين أو للأطفال.
 
دلالات الكوابيس
أحدث دراسة علمية حول الكوابيس ودلالاتها جرى تقديمها في الملتقى السنوي للجمعيات العلمية لطب الأطفال من أرجاء العالم كله (Pediatric Academic Societies) أو اختصارا (PAS)، وذلك في ولاية كولومبيا الإنجليزية بكندا مطلع مايو (أيار) الحالي، أشارت إلى أن الكوابيس التي يتعرض لها الأطفال يمكن أن تكون مؤشرا مبكرا لما يتعرض له الأطفال من أزمات نفسية، خاصة المتعلقة بالخوف من الزملاء أو من أشخاص بحد ذاتهم، وأن تدارك ذلك مبكرا يمكن أن يحمي الطفل من الكثير من الأزمات النفسية، بل والصحة العقلية.
 
وقبل عرض الدراسة، يجب معرفة بعض المعلومات عن الآلية التي تحدث بها الكوابيس والعوامل المهيئة لها.
 
ومن المعروف أن النوم ينقسم إلى مرحلتين: مرحلة تسمى حركة العين السريعة rapid eye movement (تسمى كذلك حيث تكون هناك حركة للعين تحت الجفون المغلقة)، وهناك مرحلة أخرى لا تحدث فيها تلك الحركة السريعة للعين (non rapid eye movement)، ومدة كل مرحلة نحو من 90 إلى 100 دقيقة بالتناوب. 
 
وتحدث الأحلام أو الكوابيس في مرحلة حركة العين السريعة، حيث يكون نشاط المخ أوفر. وهناك بعض العوامل التي يمكن أن تساعد في زيادة حدوث الكوابيس مثل: الإجهاد، أو النوم لعدد غير كاف من الساعات، أو عدم انتظام مواعيد النوم.
 
وكان باحثون من المملكة المتحدة قد أشاروا في الدراسة إلى أن أطفالا في عمر الثانية عشرة، تعرضوا لكوابيس أثناء النوم، كانوا قد اشتكوا سابقا من أنهم تعرضوا للتخويف والضغوط النفسية في عمر ثماني أو عشر سنوات.
 
الخوف من الأقران
وأضاف الباحثون أن الكوابيس تعد واردة الحدوث بشكل عادي في الطفولة؛ لكن حالات الفزع الليلي night terrors (الفزع الليلي يختلف عن الكابوس في أنه يتميز بالخوف الشديد، وفي الأغلب يقوم الطفل بالبكاء أو الصراخ أثناء الحلم، وعند استيقاظه يمكن أن يشعر بصعوبة في المشي وكذلك لا يتذكر الحلم المخيف) - نادرة الحدوث ولا تحدث إلا لنحو عشرة في المائة من الأطفال، وأن الحدوث المتكرر أو إذا استمر فترة طويلة من الوقت (عدة أيام أو أسابيع) سواء للكوابيس أو للفزع الليلي، يعد مؤشرا مهما على أن الطفل يتعرض للتخويف من أقرانه أو من أشخاص آخرين وأن هذه المضايقات في النوم تعكس قلقا وضيقا شديدا للطفل.
 
وكانت الدراسة قد قامت بفحص محددات النمو الطبيعي للأطفال منذ الولادة وقامت بعمل مقابلات مع 6438 من الأطفال في عمر الثامنة والعاشرة جرى سؤالهم حول تعرضهم للتخويف، وكذلك مقابلات في عمر الثانية عشرة لسؤالهم عن وجود مشاكل أثناء النوم، مثل: الكوابيس، أو الفزع الليلي، أو المشي أثناء النوم. 
 
وكانت نتيجة البحث أنه في سن 12 سنة كان هناك 1555 طفلا عانوا الكوابيس (نسبة نحو 24 في المائة).
 
وبالنسبة للفزع الليلي، فقد تعرض له 598 طفلا؛ أي ما يعادل نحو تسعة في المائة، بينما اشتكى 814 طفلا؛ أي ما يعادل نحو 12 في المائة، من المشي أثناء النوم، وكان هناك 2315 طفلا؛ أي ما يعادل 36 في المائة، عانوا على الأقل عرضا واحدا من اضطرابات النوم، سواء الكوابيس أو الفزع الليلي أو المشي أثناء النوم.
 
وقد راعت الدراسة أن تثبت بقية العوامل التي يمكن أن تلعب دورا في الكوابيس أو الفزع الليلي، مثل: اختلاف نسبة الذكاء، أو المشاكل النفسية، أو البيئة الاجتماعية، أو الاعتداء البدني أو الجنسي على الطفل، أو المشكلات العائلية. 
 
وكانت النتيجة أن الأطفال الذين تعرضوا للتخويف من أقرأنهم في عمر ثماني أو عشر سنوات كانوا هم الأكثر عرضة لحدوث الكوابيس في عمر الثانية عشرة. وهذه الدراسة تعد بالغة الأهمية من حيث إنها تلقي الضوء على أن الكوابيس قد تكون مؤشرا يسترعي التدخل الاجتماعي للأسرة والمدرسة لمعرفة ما إذا كان الطفل يتعرض للترهيب والتخويف من أقرانه أو من أشخاص آخرين.
 
وعلى الآباء أن يعوا جيدا أن الكوابيس التي تحدث بمعدل طبيعي تعد جزءا من التطور النفسي للطفل؛ لكن يجب أن يتغير موقفهم في حالة تكرار حدوثها وألا يتعاملوا مع الأمر باستهانة، حيث يمكن أن تكون مؤشرا لأزمة نفسية معينة تستوجب التدخل السريع.