لماذا نلدغ دائما من نفس الجحر ولا نتعلم من أخطائنا ؟

يمنحك الفشل فرصة للتعلم، فعندما تقع في خطأ يمكنك أن تتعلم منه ولا تفعله مرة ثانية .. حقا ؟ نعم، لكن هذا من الناحية النظرية فقط، مشكلة هذا المنهج أن الفشل يثير لدينا مشاعر قوية ويجعل من الصعب جدا التركيز على السبب الذي أدى إلى وقوعنا به.


لا يكفي أن تقوم دائما بتحليل الخطأ وإدراك الطريقة التي تساعدك على تجنبه بذاته في المستقبل، لأن بعض الأخطاء تمثل جزءاً من عاداتنا، وهذه الخطوة تتطلب ممارسة وتدريبا - كما تضيع الوقت - في تعلم كيفية تجنبها.

أحيانا لا نرغب في تضييع الوقت وخاصة عندما تكون نتيجة ذلك الخطأ وأثره شيئا تافها، فنحن نتذكر هذا عندما نرى من حولنا يقعون في نفس الخطأ مرارا وتكرارا، ولا نهتم بذلك لأن الأثر لم يسبب شيئا يذكر فنحن جميعنا بشر ومعرضون له.

حتى لا نحتار ونتعرف على أسباب هذه الحالة المستعصية إليكم الأسباب بكل بساطة:-

لم يترك الخطأ أثرا ذا أهمية:

أحيانا يحدث ذلك معنا عندما نخطيء في حرف أو رقم أو غير ذلك ونستمر في تكراره مع علمنا أنه خطأ، ويرجع ذلك إلى اللاوعي الذي تعود على ذلك الخطأ واعترف به على أنه هو الوضع الصحيح، أو قد يكون السبب احتلال الخطأ حيزا أكبر بالعقل مما جعله مسيطرا.

السر هو أن الخطأ الذي لا يتبعه عواقب أو مشكلات لا يمكن تجنبه، فلم يحدث ما يثير الخوف أو يلفت الانتباه حتى تتوقف عنه.

التكنولوجيا الحديثة:

أحيانا كثيرة تعتبر التكنولوجيا سلاحا ذا حدين، وخاصة عندما نفعل الخطأ وتصلحه تلقائيا، فمثلا ما يحدث عند استخدام جهاز الكمبيوتر وما به من برامج التصحيح التلقائي للأخطاء الإملائية جعلتنا نخطيء ونخطيء ولا نعير لذلك أهمية لأن ورائنا من سيصلح.

لذلك لا نجد الفرصة للتعلم من الخطأ أو تصحيحه.

الموضوع يتطلب ممارسة لكن الوقت لا يسمح:

مجرد التعرف على الخطأ لا يكفي لتجنب الوقوع به، ولا يكفي أن تعلم كيفية القيام بذلك؛ لأن بعض الأخطاء تتطلب ممارسة طويلة حتى يمكن التخلص منها مما يؤدي إلى إضاعة الوقت وخاصة إذا كنت ترتكب نفس الخطأ مرات ومرات.

المخ يتعلم من النجاح أكثر من الفشل:

أثبت الباحثون من معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" أن المخ يتعلم أكثر بعد المرور بتجربة نجاح عن المرور بتجربة فشل، وقد أكدت هذه الدراسة التي كانت على عكس الأبحاث السابقة أن الخلايا العصبية في المخ قادرة على الحفاظ على الذاكرة الأخيرة من النجاح والفشل خلال التعلم، لكنها تعمل بصورة أفضل بعد القيام بعمل صحيح عن القيام بعمل خطأ.

وقد اكتشف الباحثون بعد قيام القرود بعمل ما بطريقة صحيحة، وجود فترات طويلة من الإشارات العصبية التي استمرت في الانطلاق حتى العمل التالي، مما يؤثر بالتالي على الاستجابات العصبية اللاحقة.

لكن عندما وقعت القرود في خطأ كان هناك نشاط عصبي أقل ولم يوجد أي تحسن في المحاولات المستقبلية.

كما أشارت النتائج إلى أن التعلم قد لا يتطلب تغيير مراكز عمل الخلايا العصبية في كل محاولة، كما اقترحت دراسات أخرى عديدة، وبدلا من ذلك نبهت أن المعلومات عن نتائج كل محاولة تقيد في نوع من الحاجز للاسترشاد بها في المحاولة التالية .. وهذا ما يعلن عنه البروفيسور "هوارد إتشنبوم" من مركز الذاكرة والمخ بجامعة بوسطن.

ورغم أن الخطأ شيء سيء فقد تحدث عنه الحكماء والعلماء على أنه أحد أركان الحياة التي لايمكن أن تنهض بدونه، ومن أشهر ما قيل في مدح الخطأ ما يلي

جورج بيرنارد شو:

قال الكاتب الأيرلندي الشهير "برنارد شو": "إن الحياة المليئة بالأخطاء تستحق التقدير وهي الأكثر فائدة والأفضل من حياة فارغة من أي عمل".

أندرو في ماسون: كذلك قال الكاتب الشهير "أندرو في ماسون": "إن الشخص يجب عليه الاعتراف بأخطائه قبل أن يأتي شخص آخر ليعلن عنها، لكن بشكل مبالغ فيه".

صوفيا لورين:

تقول الفنانة المحبوبة "صوفيا لورين": إنها بعد مرور كل هذه الأعوام، مازالت غارقة في عملية من اكتشاف الذات، ومن الأفضل أن تستكشف الحياة وتقع في الأخطاء عن العيش بأمان، فالأخطاء جزء من الواجبات التي يؤديها الإنسان ليحيا حياة كاملة.

نايلز بوهر:

ويضيف العالم الفيزيائي الدانماركي "نايلز بوهر" تعريف الخبير حيث يقول: "الخبير هو شخص وقع في كل الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها أحد في مجال ضيق جدا".

لورانس چي لوفيسك:

ويقول الكاتب الأمريكي المتدين "لورانس چي لوفيسك" يمكن لأي أحمق أن يحاول الدفاع عن أخطائه، وهذا ما يفعله معظم الحمقى، لكن الاعتراف بالخطأ يمنح الشخص شعورا بأنه من النبلاء، فبالعراك لا تحصل على ما يكفيك لكن بالتنازل تأخذ أكثر مما توقعت.

ميل بروكس:

يؤيد المخرج الأمريكي "ميل بروكس" نفس المبدأ حين يقول: "طالما يتغير العالم ويدور من حولنا سنستمر في الشعور بالدوار ونقع في الأخطاء".

جاك كانفيلد:

الكاتب الأمريكي "جاك كانفيلد" ينصح من يخطيء ويقول: "عندما تبدأ في اتخاذ الخطوات نحو تحقيق أهدافك وأحلامك، اعلم جيدا أن كل عمل لن يكون مثاليا ولن يقدم كل فعل النتيجة المطلوبة، وليس كل ما تقوم به سينجح، فالوقوع في الأخطاء وتصحيحها والمحاولة كلها جزء من العملية المستهدفة للوصوف الحتمي للصواب".

ماهاتما غاندي

"لا تستحق الحصول على الحرية إذا لم يكن لديك حرية الوقوع في الأخطاء".

إيجور سترافينسكي:

يعترف الملحن وعازف البيانو روسي الأصل "إيجور سترافينسكي" أنه تعلم طوال حياته كمؤلف من خلال أخطائه وما لحقها من افتراضات خاطئة، وليس من ينابيع الحكمة والمعرفة.

رغم صعوبة ذلك .. هنا بعض الطرق لتحاول التعلم من أخطائك:

هنا بعض الاستراتيجيات للتعلم من الأخطاء والتجارب الفاشلة، بالطبع لا يمكن استخدام كل شيء مع كل المواقف، لكن جميع هذه الطرق لها أماكنها المناسبة والمفيدة، ومهارة الشخص في استخدام الوسيلة المناسبة مع الموقف أو الخطأ المناسب لها.

1- فكر جيدا في تجارب الماضي الفاشلة:

بالطبع ما وقع لك منذ فترة طويلة بالماضي قلت حدته الآن من الناحية العاطفية، وربما يكون لديك الأن قدرة أفضل على تحليله ورؤية ما كان به من خطأ بكل وضوح وبحيادية.

2- اطلب مساعدة الآخرين لتفهم أخطائك

بالطبع إذا لم تتعلم من أخطائك يمكنك اللجوء إلى الآخرين ليساعدوك في ذلك، لكن لا تفعل هذا إلا إذا كنت ترغب به حقا، فمثلا إذا كان لديك صديق جيد في وظيفة فصلت منها وهو على دراية بالموقف الذي أدى إلى فصلك، اسأله عما إذا كانت هناك أشياء فعلتها أو لم تفعلها ساهمت في فقدانك العمل أو فشلك به.

ربما يكون من الصعب حصولك منهم على هذه المعلومات اعتقادا منهم عدم رغبتك في سماعها، وعندما يخبرونك لا تحاول الجدال، وإذا لم تتفق معهم احتفظ بهذا الرأي لنفسك، لأنهم بذلك قدموا لك معروفا كبيرا بكسرهم حواجز الخجل الاجتماعية وكونهم صريحين معك.

إذا لم تقتنع أن رؤيتهم للموقف صحيحة، اتركها على جنب، وربما ما تعتقده غير مناسب اليوم يكون مفيدا جدا لك فيما بعد وحينها تدرك أنهم كانوا على حق في طريقة نقدهم لك.

تعتبر هذه طريقة جيدة لتجارب الفشل الصغيرة أيضا، فإذا حدث ولم تحصل على ترقية ما اعتقدت أنك تستحقها، حاول الجلوس مع مديرك واسأله ما كان يجب عليك عمله للحصول على تلك الترقية، وبالطبع قد تكتشف أفكاراً أفضل يمدك مديرك بها قد يكون لها تأثير فعال على أدائك في المرات القادمة.

3- أحيانا لا يجب مصارحة الآخرين بفشلك:

إذا كنت تعلم أن شيئا سوف يفشل وكنت متأكدا من ذلك ولم تستطع منعه، حاول أن تخرج بمفردك أي تبقى وحدك حتى لا تتعرض لضغوط من شخص آخر يخبرك أنك قد فشلت، وبذلك يكون لديك فرصة أفضل لتحليل ما حدث بطريقة عقلية.

على سبيل المثال، إذا كنت في عمل ما ويحدث دائما صدامات بينك وبين من هم أعلى منك في التدرج الوظيفي، وحاولت القيام ببعض التحسينات، لكنك اضطررت إلى الاستقالة في النهاية، حينها حاول الرجوع إلى الماضي عندما كنت تعمل وستكتشف وأنت بعيد عن موقع العمل أن هناك مناطق معينة لم تكن تدركها ولم تتصرف بها التصرف المطلوب.

4- حلل الخطأ بطريقة رقمية:

عندما يكون ممكنا، انظر إلى البيانات والأرقام الفعلية، ليسهل عليك وزن أسباب الفشل بطريقة عملية منطقية بدلا من الاستناد على مشاعر الفشل، لذلك إذا كان لديك الأرقام والإحصاءات التي يمكن تحليلها سوف يساعدك ذلك على رؤية الأشياء بحقيقة موضوعية وليس فقط من الطريقة التي تشعر بها حيال الفشل.