هل تكون لندن بداية لأسبوع موضة أوروبي خاص بالعرب ؟

الليلة التي أبدع فيها محفوظ وتألقت فيها أمينة وسميرة وتعرفنا فيها على ربيعة وعمر
الليلة التي أبدع فيها محفوظ وتألقت فيها أمينة وسميرة وتعرفنا فيها على ربيعة وعمر

لكل قصة بداية، وإذا تحقق المشروع الذي عملت عليه كل من غرفة التجارة العربية البريطانية وفندق الانتركونتننتال الواقع ببارك لاين، فإن بداية الموضة العربية للعالمية انطلقت شرارتها من لندن أول من أمس.


 الفكرة كانت احتضان ثلاثة أيام، يطلق عليها أسبوع الموضة العربية، ويتم من خلالها التعريف بالثقافة العربية من منطلق أن العرب ليسوا متلقين في هذا المجال فقط، بل يمكنهم أيضا ان يسهموا بإبداعات لا تقل فنية أو ابتكارا عن نظرائهم في الغرب.

لكن بسبب الأزمة الاقتصادية التي ألمت بالعالم، تم اختصار الفعالية إلى يوم واحد، مما جعلنا نتوق فعلا للمزيد بالنظر إلى الإبداعات التي تمتعنا بها وفتحت الباب للقاء الحضارات من خلال الجمال والموضة.

 الموعد كان على الساعة السابعة مساء، للقاء خمسة مصممين من بلدان عربية مختلفة، هم أمينة الجاسم من السعودية، عبد محفوظ من لبنان، ربيعة زي من الإمارات، عمر كشورة من الأردن وأخيرا وليس آخرا سميرة حدوشي من المغرب.

القاسم المشترك الوحيد بينهم جذورهم العربية، حيث كان لكل واحد منهم أسلوبه المختلف تماما عن غيره، الأمر الذي أتاح فرصة للتمتع بتنوع حضاري وإبداعي على حد سواء.

استهلت ربيعة زي السهرة بتشكيلة اقل ما يقال عنها انها جديدة على المستوى العالمي. فهذه الشابة الإماراتية المولد والأفغانية الأم، قامت بما لم يقم به مصمم قبلها، وهو مخاطبة شريحة ظلت تعاني طويلا من تجاهل كبار المصممين لسوقها، وهي شريحة الشابة المحجبة والعاملة التي تريد مواكبة الموضة في الوقت ذاته.

واستندت ربيعة كما قالت على تجربتها الشخصية، فبحكم عيشها في أميركا وبعد أن عانقت الحجاب منذ أكثر من تسع سنوات، شعرت انها متجاهلة وكأن تحجبها يعني خصاما دائما مع الأناقة.

فقد كان عليها ان تطوع ما يطرحه المصممون لاحتياجاتها، الأمر الذي لم يضف عليها أي جمالية، بل «جعل مظهرها يبدو مملا ومكررا». ربيعة درست الموضة وتدربت في عدة معاهد وعلى يد مصممين كبار من أمثال البريطاني بول سميث، قبل ان تطلق ماركتها منذ نحو عامين، ونجحت في إدخال تقنيات الهوت كوتير على الملابس الجاهزة، التي تميزت بكونها تتجنب تضاريس الجسم، بشكل محسوب وأنيق للغاية، بحيث يظهر القماش المنساب والمطوي بسخاء وكأنه يلاعبه من بعيد.

كانت هناك مجموعة من الفساتين الطويلة التي تم تنسيقها مع بنطلونات واسعة من الجيرسيه والصوف الخفيف، وإيشاربات من نفس القماش مع اكسسوارات سخية.

فهي لم تبخل على «محجبتها» لا بالأساور الضخمة ولا بحقائب اليد ولا الأحذية المبتكرة، لتؤكد فعلا ان الحجاب المحتشم لا يتعارض مع الاناقة.

تجدر الإشارة هنا إلى ان التشكيلة كانت موجهة للخريف والشتاء القادمين، الأمر الذي يفسر أيضا ألوانها الهادئة التي تتباين بين البنفسجي والكحلي والرمادي والأزرق النيلي. بعد هذا العرض، تغيرت النغمة تماما على يد الشاب الأردني المقيم في لندن، عمر كشورة.

فهذا الشاب المتخصص في مجال الأزياء الرجالية قدم تشكيلة مبتكرة وحيوية للغاية. صحيح أنها قد لا تخاطب الجمهور الحاضر بحيويتها وشقاوتها وجرأتها، لكنها حتما تدل على روح تتوق إلى الابتكار والمغامرة وتجربة الجديد.

كشورة قال بعد العرض إنها موجهة للرجل الناضج والشاب في نفس الوقت. فميلانو، حسب قوله، تخاطب الرجل الكلاسيكي من خلال البذلات المفصلة، بينما تخاطب باريس الشاب الجريء من خلال بنطلونات ضيقة وغيرها، ليضيع الرجل الذي يريد الكلاسيكية والحداثة بينهما.

وهذا ما يفسر أسلوبه الذي يتميز ببنطلونات ضيقة بالكاد تلامس الحذاء وسترات بأطوال مختلفة، وإن كان الغالب فيها هو الطول القصير والتصميم المائل إلى الاستدارة عند الأكتاف، وقطع تبدو من الأمام وكأنها مجرد شالات طويلة تتكشف عند الظهر على أنها شبه كنزات من دون أكمام تغطي نصف الظهر فقط.

كما انه استعمل أقمشة لا تقل جرأة عن تصميماته في هذه البذلات، مثل التويد الذي أدخل عليه خيوطا من الفضة، أو البلاستيك الشفاف الذي جاء على شكل سترة يبدو الغرض منها وكأنه لحماية قميص ناصع البياض كان يطل من تحتها.

ولأن الموضة العربية والشرقية لا تكتمل دون قفطان، فإن كل من المغربية سميرة حدوشي والسعودية أمينة الجاسم قدما عرضين يعبقان بسحر الشرق وإيقاع العصر في الوقت ذاته.

سميرة حدوشي، قدمت شلالا من الألوان الصاخبة والنقوشات المتضاربة إلى حد التناغم. ففي القطعة الواحدة أدخلت نقوشات مطبوعة بالورود والأزهار مع نقوشات منقطة وأخرى تمثل الأدغال وغيرها، هذا بالإضافة إلى الألوان التي لم يمكن يخطر بالبال أن تتماشى مع بعضها من قبل، وبهذا أكدت لنا سميرة أنه إذا كان لباريس فنان ألوان مثل كريستيان لاكروا، فإنها بالنسبة للمغرب مبدعة لا تقل أهمية عندما يتعلق الأمر بمزج الألوان والنقوشات.

تضمنت مجموعتها عشرين قطعة، لخصت فيها تاريخ القفطان المغربي بشكل سلسل، حيث تباينت بين القفطان المكون من قطعة واحدة وبين آخر بقطعتين، الأولى من الساتان والثانية من الشيفون أو الأورغنزا، إلى ثالث بثلاث قطع أو أكثر تغازل العين عند كل حركة.

 تلاعبها على الأقمشة ودرجات ألوانها ونقوشاتها كان يؤكد أنها تميل إلى تكسير القواعد، بل وصلت بها الجرأة إلى طرحه على شكل فساتين سهرة عصرية، وسترات من المخمل لا تربطها بالقفطان التقليدي سوى خيوط من ذهب وحرير على الجوانب والحواشي، لكن كل ما فيها يشي بأنها نتاج صنعة تقليدية توارثها الحرفيون المغاربة أبا عن جد.

لم تخرج السعودية أمينة عن هذا الإطار، وإن كانت بلهجة مختلفة. كانت هناك قفاطين إلى جانب قطع منفصلة، عبارة عن معاطف طويلة بأقمشة خفيفة مع بنطلونات مفصلة وأحزمة مطرزة بأسلوب تقليدي رائع زادتها الاكسسوارات سحرا وجمالا.

كما كانت هناك فساتين سهرة هي الأخرى مطرزة بأسلوب شرقي. ورغم غنى المجموعة بالقطع المستوحاة من التراث، أو تلك التي استعملت فيها نقوشات الشماغ الخليجي، فإنه تراث عصري وعملي، لا يمكن أن تبدو فيه المرأة نشازا وهي في حفل حميم مع الصديقات أو في جولة تسوق إلى أرقى المحلات في شوارع الموضة العالمية، بل يمكن القول إنها أزياء تمنحها التميز أينما كانت.

أمينة بررت هذه التوليفة المتنوعة بحجم المساحة المخصصة لكل مصمم، مضيفة أنه كان عليها ان تختزل كل ما تقدمه من خلال عشرين قطعة فقط، الأمر الذي أوحى لها بأن تقدم طبقا مشكلا يعطي فكرة عن إمكانياتها.

فتاريخها في المهنة يعود إلى 25 عاما تقريبا «فأنا مثلا أقدم هوت كوتير، كما أقدم أزياء خاصة برمضان وملابس جاهزة وهلم جرا، لهذا انتقيت في هذا العرض بعض النماذج المتنوعة، حتى يتعرف الجمهور اللندني على أعمالي وإمكانياتي».

مسك الختام كان مع مجموعة اللبناني عبد محفوظ، الذي تخصص لحد الآن في أزياء الهوت كوتير، ويعتبر وجها من وجوه أسبوع روما للموضة الرفيعة منذ سنوات عديدة.

 باستثناء فستاني كوكتيل قصيرين افتتح بهما العرض، أنهى عبد محفوظ الفعالية بمجموعة من فساتين السهرة الطويلة التي أكدت أن الموضة فعلا يمكن أن تربط الغرب بالشرق. أدواته كانت غربية عصرية، لكن روحه كانت تعبق بروح ولمسات الشرق.

فقد تميزت بفساتين تعيد لكل امرأة، بغض النظر عن سنها، أحلام الصبا البريئة وقصص سندريللا بتنوراتها المنفوخة تارة والمنسابة تارة أخرى، لكن ما يحسب لها أنها رغم فخامتها تميزت بألوان هادئة وتطريزات محسوبة تتلصص الظهور بين الفينة والأخرى، عند الحركة، لا سيما أنه حرص على أن يستعمل أقمشة مختلفة على شكل طبقات متعددة في الفستان الواحد، وأن يبقى اللاميه البراق خجولا حتى يوحي بالبريق فقط ولا يغطي على جمال التصميم وتقنياته التي جعلت من هذا المصمم اسما لامعا في عالم الموضة العالمية، وهذا ما يجعل مشاركته في هذه الفعالية إضافة رائعة زادت من حرارتها وأعطتها بعدا لم يكن ليتحقق من دونه.